تركز كثير من وسائل الإعلام على هذا التغير بوصفه تغيّرا واضحا في موقف الإدارة لكن أعتقد أن هذا التغيير مجرد تغيير تكتيكي ولمواجهة عزلة الولايات المتحدة على مستوى العالم، بعد استخدام حق النقض الفيتو في مواجهة مطالبة دولية بوقف دائم لوقف النار، وهو ما أعطى إسرائيل مزيدا من الوقت للقيام بكثير من العمليات العسكرية غير المحدودة ضد المدنيين في غزة مما أسفر عن 19 ألف قتيل إلى اليوم.
لقد تغيرت لهجة إدارة بايدن في الأيام الأخيرة عندما يتعلق الأمر برد إسرائيل في غزة، حيث لم تستطع إسرائيل بعد أكثر من شهرين من تحقيق أهدافها العسكرية في غزة من حيث تحرير الرهائن أو منع إطلاق الصواريخ من غزة.
لقد كان الموقف الأميركي وهو ضرورة وجود هدف عسكري واضح وقابل للتحقيق في القضاء على حماس وهو ما لم تستطع إسرائيل تحقيقه إلى اليوم، مع هذا العدد الكبير من الضحايا إلى إضافة تعقيد إلى الوضع الحساس بالفعل، وقد حذر المسؤولون الأميركيون القادة الإسرائيليين من تكرار نفس الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر.
كما وصف المسؤولون الأميركيون مؤخرًا مستقبل غزة بأنه "متروك للتحديد". وقد حذر الرئيس بايدن بالفعل من أن الاحتلال الإسرائيلي لغزة، التي تسيطر عليها حماس، سيكون "خطأً كبيراً" بينما قالت إسرائيل بدورها إنها لا تخطط للسيطرة على "الحياة في غزة" لكنها لم تشر إلى من سيفعل ذلك.
تواجه الولايات المتحدة اليوم عزلة دولية بسبب دعمها المتصاعد لإسرائيل على المستوى السياسي والأمني والعسكري
لقد أدت الأزمة بكل تعقيداتها إلى إغراق إدارة بايدن في مستنقع دبلوماسي وإنساني بسبب رغبتها في دعم إسرائيل بشكل لا لبس فيه في الدفاع عن نفسها مع البقاء مدركة للأزمة الإنسانية الأليمة – كل ذلك في ظل محاولة منع احتمال اندلاع صراع أكبر في الشرق الأوسط.
تواجه الولايات المتحدة اليوم عزلة دولية بسبب دعمها المتصاعد لإسرائيل على المستوى السياسي والأمني والعسكري، ولذلك تصاعدت الدعوات لوقف إطلاق النار من المجتمع الدولي، خاصة أن أميركا حاولت بناء موقف دولي ضد حرب بوتين في أوكرانيا، إذ يبدو أن هذا الموقف الدولي تبدد كليا وأصبحت المقاربة الأميركية في أوكرانيا وكأنها تنهار أمام الموقف الأميركي في غزة.
لكن بنفس الوقت بقي الموقف الأميركي مرددا نفس الموقف الإسرائيلي فيما يتعلق بالقضاء على حماس كليا، وحتى عدم المطالبة بوقف القصف الجوي الإسرائيلي لقطاع غزة بالرغم من العدد الأكبر من الضحايا المدنيين من الأطفال والنساء.
حذرت الولايات المتحدة أكثر من مرة أنها تشعر بالقلق إزاء افتقار إسرائيل إلى نهاية عسكرية، وأن خطة هجومها البري المستمرة من أسابيع لم تفعل سوى زيادة عدد المدنيين وهذا ما أشار إليه وزير الدفاع الأميركي بأن هذه العملية العسكرية ربما تقود إلى "هزيمة استراتيجية" بسبب هذا العدد الكبير من الضحايا المدنيين.
وأعتقد أن الموقف الأوضح في الضغط على إدارة بايدن أتى من السناتور ساندرز عندما أرسل رسالة إلى بايدن طالبه فيها بسحب دعمه لإسرائيل.
ففي رسالة أُرسلت إلى الرئيس بايدن يوم الثلاثاء، حث السيناتور بيرني ساندرز (الجمهوري عن ولاية فيرمونت) الرئيس على إجراء تغييرين حاسمين في السياسة في نهجه تجاه إسرائيل وغزة. أولاً، أن يسحب الرئيس دعمه لمبلغ 10.1 مليارات دولار للأسلحة الهجومية لحكومة نتنياهو اليمينية الواردة في حزمة المساعدات الخارجية المقترحة المطلوبة من الكونغرس. وثانياً، أن يدعم الرئيس قرار الأمم المتحدة الأخير الذي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية، والإفراج غير المشروط عن جميع الرهائن، وإتاحة الوصول الكامل للمساعدات الإنسانية - وهو القرار الذي اعترضت عليه الولايات المتحدة.
وكرر ساندرز وجهة نظره بأن لإسرائيل الحق المطلق في الدفاع عن نفسها ضد الهجوم الإرهابي الذي شنته حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، لكن سياستها العسكرية الحالية غير أخلاقية على الإطلاق، وكتب ساندرز. "إن السبب العادل للحرب لا يبرر الفظائع التي ترتكب في إدارة تلك الحرب. من حق إسرائيل أن تخوض حرباً ضد حماس. وليس من حقها خوض حرب ضد الرجال والنساء والأطفال الأبرياء في غزة.. الحملة العسكرية الإسرائيلية ستظل في الأذهان من بين أحلك الفصول في تاريخنا الحديث".
هل ستغير إدارة بايدن موقفها السياسي أم تبقى تعطي عبارات غير ذات معنى عن حماية المدنيين بينما تمنح إسرائيل مساعدات عسكرية لا حدود لها في حربها الوحشية ضد غزة؟
وتابع ساندرز: “إن النهج العسكري الحالي الذي تتبعه حكومة نتنياهو غير أخلاقي، وينتهك القانون الدولي، ويجب على الولايات المتحدة إنهاء تواطؤنا في تلك الأعمال. لذلك، أطلب منكم إجراء تغييرين حاسمين في السياسة: أولاً، في حين أنه من المناسب دعم الأنظمة الدفاعية التي ستحمي المدنيين الإسرائيليين من الهجمات الصاروخية القادمة، سيكون من غير المسؤول تقديم مبلغ إضافي قدره 10.1 مليارات دولار من المساعدات العسكرية بخلاف هذه المساعدات. الأنظمة الدفاعية على النحو الوارد في حزمة المساعدات الخارجية التكميلية المقترحة. ومن شأن هذه الأموال أن تسمح بمواصلة القصف العشوائي الواسع النطاق الذي تقوم به حكومة نتنياهو. ولذلك، أطلب منكم سحب دعمكم لهذا الجزء من التمويل المطلوب من الكونغرس. ثانياً، أطلب منكم دعم الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لإنهاء إراقة الدماء، مثل القرار الأخير، الذي استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضده، والذي كان سيطالب بوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية، والإفراج غير المشروط عن جميع الرهائن، وإتاحة الوصول الكامل للمساعدات الإنسانية."
يبقى السؤال هل ستغير إدارة بايدن موقفها السياسي أم تبقى تعطي عبارات غير ذات معنى عن حماية المدنيين بينما تمنح إسرائيل مساعدات عسكرية لا حدود لها في حربها الوحشية ضد غزة؟