هي سبق وفعلت ذلك قبل عامين تقريباً، ومع انطلاق عجلة مراجعة سياستها الإقليمية والعربية تحديداً، لكن دون الوصول إلى ما تريد. فهل تتراجع عن قرار المراجعة أم تذهب باتجاه مراجعته من جديد على ضوء المتغيرات الإقليمية المتلاحقة التي تحيط بها؟
تحدث جدعون ساعر وزير الخارجية الإسرائيلي، عن العلاقات التاريخية التي تقرب بين إسرائيل والأكراد في المنطقة، وعن الشعب الكردي "أحد أكبر الأمم التي لا تتمتع باستقلال سياسي، وأقلية تواجه الاضطهاد نفسه الذي تعاني منه إسرائيل على أيدي نفس الأعداء". فجاء التعقيب التركي على لسان الرئيس رجب طيب أردوغان: "التهديد الإسرائيلي بشأن سوريا ليس قصة خيالية.. تهديدات إسرائيل لدول الجوار ليس محض خيال، ولا ينبغي أن ننسى أن الحرائق في المنطقة سوف تنتشر بسرعة في الأراضي غير المستقرة".
دعا وزير الدفاع التركي، يشار غولر، النظام في دمشق للإصغاء إلى ما يقوله الرئيس التركي حول الأخطار المحدقة بسوريا، على ضوء التصعيد الإسرائيلي الإقليمي الذي بدأ يتمدد باتجاه العمق السوري. لكن أولويات بشار الأسد ما زالت تراوح مكانها حول مطلب انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، متجاهلاً أولويات تل أبيب باتجاه ملء الفراغ العسكري الأميركي والإمساك بالورقة الكردية هناك نيابة عن واشنطن.
فلماذا ستتردد أو تتأخر أنقرة في تحريك قواتها للقيام بعملية رد استباقي واسع في الشمال السوري لاستكمال الحلقات المتبقية من مشروع المنطقة الآمنة / الفاصلة؟
مرة جديدة، يتحدث الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن عملية عسكرية باتجاه شمال شرقي سوريا لإكمال ربط الحلقات الجغرافية والأمنية ببعضها البعض، وإبعاد مجموعات "قسد" وخطر الإرهاب مسافة 30 كيلو متراً عن الحدود الجنوبية.
ومرة أخرى، يأتي الرد من موسكو على لسان مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف، وهو يعلن رفض موسكو لأي عملية عسكرية تركية جديدة في شمالي سوريا.
يُعلن أردوغان عن تمسكه بفرص الحوار مع النظام في دمشق: "استعادة العلاقات مع بشار الأسد سوف تهدئ التوتر الإقليمي، كما آمل"، وهي فرصة "ليتمكنا من وضع العلاقات السورية - التركية على المسار الصحيح". كما أن هناك من اختلطت حساباته بعدما صحح أردوغان المعلومات حول سبب مغادرته قاعة اجتماعات القمة العربية الإسلامية في الرياض عند شروع الأسد في التحدث: "المغادرة كانت بهدف عقد اجتماع مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وليست احتجاجاً على كلمة الأسد".
فتنبري موسكو على لسان وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، للقول إن جهود التقريب بين أنقرة والنظام السوري لم تؤدِ إلى أية نتيجة مرضية، وأن المسار مجمد في هذه الآونة. احتمال كبير أن تكون موسكو غاضبة وقلقة في الوقت نفسه من عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ومن الغزل التركي الأميركي الأخير الذي قد يتعارض مع حساباتها ومصالحها في سوريا.
عودة ترامب قد تفتح الطريق أمام تفاهمات أميركية - تركية جديدة تعطي أنقرة ما تريد مقابل تخفيف الاندفاع التركي نحو موسكو
لا تريد أنقرة إغلاق الأبواب التي فتحتها أمام فرص الحوار والتفاهم مع النظام السوري على ضوء المتغيرات الداخلية والإقليمية الحاصلة. سبب ذلك ليس حباً بالنظام، بل لتسريع عملية إخراج سوريا من أزمتها التي قد تتعقد وتتشابك أكثر عند دخول اللاعب الإسرائيلي على الخط تحت ذريعة مواجهة إيران وميليشياتها هناك. لكن حسابات موسكو تذهب باتجاه آخر، وهي تردد: "من المبكر جداً الحديث عن لقاء بين رأس النظام السوري، بشار الأسد، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، فهناك عقبات كثيرة في وجه الذهاب إلى الطاولة الثنائية".
عودة ترامب قد تفتح الطريق أمام تفاهمات أميركية - تركية جديدة تعطي أنقرة ما تريد مقابل تخفيف الاندفاع التركي نحو موسكو.
مع "ترامب الثاني" والتفاهمات التركية الأميركية المحتملة، قد يتراجع أو يتوقف الحوار بين أنقرة والنظام السوري. لكن السبب نفسه قد يكون حافزاً لتسريعه.
المسألة مرتبطة، حسب أنقرة، بالمناورات السياسية والعسكرية التي تنفذها القوات الإسرائيلية باتجاه الحدود السورية، والغطاء السياسي والعسكري الذي قد تقدمه لـ"قسد" نيابة عن القوات الأميركية في حال انسحابها. فلماذا يتجاهل النظام السوري ما تقوله تركيا حول أن انسحابها من الأراضي السورية لن يتم إلا بعد حسم مسار الوضع في شرق الفرات وما ستفعله واشنطن هناك، وبعد أن تتأكد أن الخطر الإيراني عبر ميليشيات طهران المنتشرة على مقربة من حدودها سينتهي، وأن إرهاب مجموعات "حزب العمال الكردستاني"، وتسهيل عودة اللاجئين إلى أراضيهم، وبرمجة خطط تطبيق القرار الأممي 2245، قد بدأت تدخل حيز التنفيذ؟
يقول لافرينتييف: "دعونا نسمي الأشياء بمسمياتها الصحيحة، تركيا تتصرف كدولة احتلال، ولهذا السبب، من الصعب جداً على النظام السوري الدخول في حوار دون ضمانات من تركيا بشأن انسحاب قواتها". هو يعقب حتماً على التصريحات التركية المتلاحقة على لسان أردوغان وفيدان وغولر التي تحمل في طياتها نبرة ولغة وطرحاً مغايراً حول الملف السوري.