مَن سيحول دون تمزيق خريطة سوريا؟

2024.10.20 | 07:56 دمشق

sdf
+A
حجم الخط
-A

تحتم المتغيرات الإقليمية وما سيواكبها من ارتدادات، عملية خلط أوراق سياسية وأمنية واقتصادية على جميع اللاعبين المؤثرين في رسم سياسات المنطقة أو من له مصالح وحسابات قد تضررت عند ولادة الشرق الأوسط الجديد.

فتح العدوان الإسرائيلي على لبنان الأبواب أمام سيناريو عملية عسكرية واسعة تنفذها القوات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية في إطار حربها الإقليمية على إيران وحلفائها. تجاهل النظام في دمشق ما يجري. هل يفعل ذلك بناء على قناعة أن إيران ستخرج خاسرة في جميع الأحوال وحان وقت نقل البندقية من كتف إلى آخر، أم هي تعليمات ونصائح وجهت إليه باستغلال هذه الفرصة للتحرر من قيود سياساته السابقة والبحث عن فرص جديدة؟

لا يملك الأسد القوة العسكرية والمادية التي تمكنه من الدخول في أية معركة مع إسرائيل. إيران هي من ستحارب فوق الأراضي السورية دفاعا عن مصالحها ونفوذها في المنطقة. والعواصم العربية لن تقف إلى جانبه في مواجهة العدوان الإسرائيلي عندما ترى أن خيارات النظام هي باتجاه طهران أولا وأخيرا، ورهانه على موسكو لن ينفعه فهي جاهزة لمقايضته عند أول طاولة مفاوضات وصفقات روسية أميركية في المنطقة. فكيف سيحسم موقفه حيال العروض التركية المقدمة له؟

سيناريو حدوث مواجهة عسكرية إيرانية إسرائيلية في سوريا أو بسببها يواكبه جملة تساؤلات تسبق الإجابة: كيف سيتصرف الحليف الروسي الداعم الأول والأكبر للنظام في دمشق عند انطلاق القوات الإسرائيلية في عملية برية واسعة يواكبها استهداف قيادات النظام في دمشق؟ ما الذي ستفعله إيران وميليشياتها المنتشرة في أكثر من بقعة جغرافية سورية؟ هل ستدخل المعركة دفاعا عن الأسد أم ستحاول تجيير ما يجري إلى فرصة مساومات ومقايضات تشمل شكل الخريطة السورية الجديدة؟

قد لا تعترض أنقرة على مواجهة إسرائيلية إيرانية في سوريا تخرج هي منها أكثر قوة وثقلا على الأرض

قد لا تعترض أنقرة على مواجهة إسرائيلية إيرانية في سوريا تخرج هي منها أكثر قوة وثقلا على الأرض، لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتحدث عن مغامرة عسكرية إسرائيلية تصل إلى دمشق محذرا من نتائج تؤدي لتمزيق الخريطة السورية بكاملها.

مفاجأة أردوغان هي دعوة الثلاثي الروسي الإيراني السوري في دمشق لتحمّل مزيدٍ من المسؤوليات في مواجهة المخطط الإسرائيلي. هو يناور على أكثر من جبهة وبأكثر من اتجاه محلي وإقليمي مثل تذكير النظام بعواقب تأخره في التعامل مع اليد التركية الممدودة نحوه.

يحاول النظام السوري الخروج من المأزق عبر الاستقواء بروسيا وإيران عند اللزوم، والاحتماء بالغطاء العربي عند الضرورة، لكنه لن يتمكن من البقاء تحت هذه المظلات لفترة طويلة. إسرائيل تطارده عن قرب وأنقرة تحاصره بما تريد. التصعيد الإسرائيلي في سوريا قد يتحول إلى فرصة إضافية تسرع إعلان النظام في دمشق لموقفه حيال عروض التهدئة والحوار المعروضة عليه منذ فترة بعدما فشلت حتى الآن عروض المغازلة وتليين المواقف.

نجح أردوغان في سحب ورقة المعارضة التركية من يد النظام السوري وحيث كان الأسد  يعول على هذه الفرصة لتسجيل مفاجأة سياسية تقلب الطاولة في تركيا ففشل. نجح أيضا في قطع الطريق على قوى المعارضة التركية التي كانت تراهن على تحريك ورقة الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب في الداخل بتقديمه لمسألة الأمن القومي التركي المهدد وارتدادات ذلك على مصالح تركيا الإقليمية وطرح سياسة سورية جديدة مغايرة. هو من سيواصل التعامل مع الملف السوري بكل جوانبه بعدما أحرق أوراق المعارضة وأهدر حلم الأسد وحرم بعض العواصم الغربية من فرص الرهان على سيناريو من هذا النوع.

لا تريد أنقرة التي تعاني منذ سنوات من وضع اقتصادي صعب بسبب أرقام الغلاء والتضخم وسعر صرف العملة أن تجد نفسها أمام امتحان أصعب عند اتساع رقعة المعارك وانفجار الوضع الأمني والعسكري في المنطقة. هل لأنقرة مصلحة في تقدم القوات الإسرائيلية في العمق السوري على حساب تراجع النفوذ الإيراني؟ ومن الذي يضمن أن تل أبيب لن تطالب بصفقة تشمل سوريا قبل سحب قواتها؟ ومن الذي يضمن أن القوات الإسرائيلية لن تواصل التقدم في العمق السوري لتأخذ مكان أميركا في سوريا وتمسك بورقة "قسد" نيابة عنها؟

صعّدت روسيا ميدانيا في شمال غربي سوريا في محاولة لتمرير أكثر من رسالة لتركيا وحلفائها هناك: لن تمر محاولات اقتناص فرص التوتر الإسرائيلي الإيراني في سوريا على حساب مصالح موسكو وشركائها، لكن ذلك لا يعني بالضرورة تعريض التفاهمات التركية الروسية في سوتشي للخطر.

دعوة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، لعقد اجتماع جديد حول سوريا بموجب صيغة أستانا قبل نهاية العام الحالي، تأكيد روسي على التمسك بهذه الآلية الثلاثية، لكنها رسالة لأكثر من طرف إقليمي أيضا تتعلق بتمسك موسكو بحصة طهران في سوريا إذا ما حاول أحدهم تجاهل ما يقوله ويريده الكرملين هناك.

دعوة موسكو لجولة جديدة من أستانا تأكيد على تمسكها بهذه الآلية الثلاثية، لكنها رسالة لأكثر من طرف إقليمي أيضا تتعلق بتمسك موسكو بحصة طهران في سوريا إذا ما حاول أحدهم تجاهل ما يقوله ويريده الكرملين هناك

الأسد مناور قديم وهو أثبت ذلك من خلال بقائه جالسا على كرسي السلطة رغم كل محاولات إزاحته عن الحكم من الداخل والخارج. هل سيحاول مساومة تل أبيب هذه المرة لتجنب الكارثة كما فعل والده في موضوع الجولان؟ وهل ستتركه موسكو وطهران يفعل ذلك والانتقال بمثل هذه البساطة من حضن إلى حضن؟

نجاح الأسد في ذلك يعني وجوده بعد الآن أمام طاولة تحالف جديدة تجمعه مع الإسرائيلي والأميركي وقيادات "قسد" في مواجهة طهران وموسكو وأنقرة فهل المسألة بمثل هذه البساطة والسهولة؟

بالمقابل ما الذي يسعى إليه أردوغان وهو يدعو التحالف الثلاثي الروسي الإيراني السوري لتحمّل مزيدٍ من المسؤوليات في مواجهة سياسة إسرائيل السورية؟ هل يريد تبرير خطوات سياسية عسكرية قد تقدم عليها تركيا في مواجهة التمدد العسكري الإسرائيلي في جنوبي سوريا؟

إن اتساع رقعة الحرب بين إسرائيل وحزب الله في لبنان والتصعيد الإيراني الإسرائيلي على أكثر من جبهة، سيواكبه حتما تسريع تل أبيب لعمليتها العسكرية في الداخل السوري، والرد من الجانب التركي سيكون من خلال عملية عسكرية تركية واسعة باتجاه شمال شرقي سوريا لعرقلة المشروع الإسرائيلي الأميركي في سوريا والعراق.

اتساع رقعة الحرب بين إسرائيل وحزب الله سيواكبه حتما تسريع تل أبيب لعمليتها العسكرية في الداخل السوري، والرد من الجانب التركي سيكون من خلال عملية عسكرية تركية واسعة باتجاه شمال شرقي سوريا لعرقلة المشروع الإسرائيلي الأميركي في سوريا والعراق

بين أهداف أنقرة تأمين حدودها الجنوبية والشرقية مع البلدين. وإنَّ خطر المشروع الكردي الانفصالي هناك وتوحده جغرافياً بإرادة أميركية غير مستبعد بالنسبة لتركيا. "قسد" ستخدم هذا المشروع حتى النهاية لأنه سيعطيها ما تريد، خصوصا عند تقدم القوات الإسرائيلية في الأراضي السورية، ولن تتريث أنقرة حتما أن تستهدفها إسرائيل عبر الورقة الكردية. لذلك لا بد أن تنفذ عملية عسكرية استباقية واسعة لقطع الطريق على هذا المخطط.

المواقف الروسية والإيرانية وتحركاتهما العسكرية ونتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية بين العوامل التي ستسهل لأنقرة تحديد موقفها. وجاءت دعوة أردوغان لتشكيل تحالف ثلاثي مع مصر وسوريا صعبة المنال وسط الظروف القائمة، لكنها رسالة للعواصم العربية أن أنقرة متمسكة بخطط انفتاحها على العالم العربي والتنسيق في التعامل مع ملفات سياسية وأمنية واقتصادية ثنائية ومتعددة الأطراف تم التفاهم حولها في العامين الأخيرين.

استقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة للأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط وللمرة الأولى بعد 8 سنوات بحضور وزير الخارجية هاكان فيدان، قد يكون بشقه السياسي ترجمة عملية جديدة للتقارب والانفتاح التركي العربي. لكن الشق السوري لا يقل أهمية في هذه الظروف، فهل هو مرتبط بمناقشة سيناريو الضمانات التي سيقدمها الجانب التركي للنظام في دمشق عند حسم موقفه وقبول الجلوس أمام طاولة ثنائية بدعم عربي؟ وهل الضامن العربي هنا قد لا يكتفي بذلك ويريد أن يتحول إلى وسيط  يدخل على الخط بطلب أميركي روسي عند المساومة على مطلب ابتعاد الأسد عن إيران مقابل تجنيبه عملية عسكرية إسرائيلية قد تصل إلى مكان إقامته في دمشق؟