فشل حزب البعث أن يكون قومياً واشتراكياً وحزباً حراً ولكن شروط أن يكون ممثلاً لحالة التخلف والاختلال المعرفي والجمود في الرؤية كانت مواتية له.
والسؤال هنا، كيف أتى البعث غريباً ورحل غريباً ولم يقدم أي إنجاز أو أي انفراج يخترق حالة التشوش الفكري والسياسي؟ وكيف أسّس لهذه الحالة الأغرب من الانحطاط والاستبداد؟
بدأ البعث مقلداً يستعير الفكرة القومية متأخراً قرابة قرن من الفكر القومي الأوروبي، ولا أعتقد أني أظلم مؤسسيه إذا قلت كان سردياً إلى حد الهوس، وبقدر ما انتقد الشوفينية كان عنصرياً لايتقبل أي رؤية انتقادية.
والبعث لم يتكبد أبداً عناء التنقيب والحفر الفكري بل استورد المعلب واستراح، وأخذ يسوقه عبر وهم النظرية والهيكلية مدعياً أنه أساس التشييد والعمران النهضوي والعروبي والاشتراكي، متوسلاً إيديولوجيا تخلط بصورة مشوّهة بين تلازم النضالين القومي والاشتراكي، ولمّا كانت بدعة الجيش العقائدي قد استوت فعلاً تأكّد حينها أن البعث كان مخطّط عجول ليكون طريقاً يمرّ عليه عابري التاريخ والجغرافيا وكل القيم الإنسانية.
عند استعراض تاريخ السلطة الأسدية، لك أن تدرك الحالة التبريرية التي تبناها البعث لحالة العبث والفساد السافرة في كل مجال وصعيد.
وعنوة اخترع تاريخاً ومعاناة ومتخيلات تدرّس لمعتنقيه الذين كانوا في البدء على إيمان بعروبة ستبعث ووحدة ستكون، وبعد حين كانوا زرافات ووحداناً سيقت اغتصاباً لتنتمي لطائفته بسبب العوز والفقر المصنع الذي حاق بالمجتمع.
وديقراطية مركزية لا تُفهم ولايُعرف كيف تم استيحاء مضامينها كانت غايتها إخضاع الشعب لحالة قطيعية تتوافق حرفياً مع مفهوم الحيونة إن صح التعبير.
وعند استعراض تاريخ السلطة الأسدية، لك أن تدرك الحالة التبريرية التي تبناها البعث لحالة العبث والفساد السافرة في كل مجال وصعيد.
حزب البعث الذي لم يكن خطابه بأي وقت ذو حضور وإغراء يتحمّل بكل التفاصيل والمسمّيات الحالة المشؤومة والمزرية التي وصلت لها سوريا، أوليس هو مُنتهك القوميّة الذي غيّب نفسه عن حضور احتلالات متعددة؟ ألم يحمل على جناح الانتساب والعقيدة أجهزة أمن عاتية بلغت حدّاً غير مسبوقٍ في العسف والقهر والقتل والسجن؟ ألم يكن البعث محكمة الظل التي دانت الحراك السوري وتطوّعت فداء للسلطة في الإخبار والعمل الميداني؟
أوليس حزب البعث مسؤولاً عن بعثنة الدولة التي أودت بكل أصيل والتي روّعت المبدعين بحجج الإساءة لهيبة الدولة؟ أوليس البعث هو مروّج الطّائفية والمذهبية والمناطقية عبر التمثيل في الوزارات والوظائف والرّتب العسكرية؟ أوليس البعث هو مجموعة أسيجة وموانع جعلت سوريا تقبع في بؤرة الجمود والماضوية ومنع الحريّات والتّعاطي بالسّياسة؟ أوليس البعث هو الذي شاهد وعاين إعدام المبادىء والقيم وترويج الرّداءة والاحتفاء بالقبح؟
البعث هو مجموعة أسيجة وموانع جعلت سوريا تقبع في بؤرة الجمود والماضوية ومنع الحريّات.
نجح البعث في أن يبعث كل غلّ وسوء وسقوط، وسقط البعث للأبد في تطويع وانتهاك الرموز والتّاريخ الحقيقيّ وكان حقّاً في فترة ثورته المزعومة باعثاً لكلّ لوثة، معلّباً لرؤيته الفاسدة زماناً ومكاناً، وبطلاً في استنبات كل زرع سام عبر تسطيح وتجهيل ممنهج.
في يوم تأسيس البعث أؤكد أن سرديته نافية لكل شيء حيّ، ومازال مقتنعاً أن دوره التخصصي في الإخبار والأمن والتذاوت مع المستبد هو خرافة ووهم "سوريا الأسد".