لم يحمل العام الثامن للجوء السوريين ماحمله العام الثامن الهجري من عودة مظفرة للمهاجرين إلى مكة وإسقاط هبل، بل بتنا أكثر بعداً عن دمشق وعن إسقاط هُبلها الذي أصبح أكثر علواً بفضل المنصة الروسية العسكرية منها والسياسية، فمنعت روسيا أي حل سياسي حقيقي يسمح بعودة كل السوريين من جهة وحالت دون استقرار المناطق المحررة، واستمرت حملات القصف الجوي على المدنيين والبنى التحتية من جهة أخرى، فما كان من حل أمام السوريين إلا الاستمرار في هجرتهم القسرية لتتحول بلاد اللجوء إلى وطن جديد يبجث فيه اللاجىء عن عمل مستدام ويحلم بالجنسية.
ولكن ما الذي جرى حتى تغيرت اتجاهات البلد الأكثر قرباً إلى قلوب السوريين والذي يستضيف العدد الأكبر منهم , حيث ظهرت تهديدات خطيرة على وجود السوريين في العاصمة إسطنبول ؟ وهل على اللاجئيين في تركيا مخاطبة الدولة أم المعارضة أم الرأي العام ؟
في الحالة التركية كانت الدولة متقدمة على باقي دول الجوار في مستوى التعامل والقرارات المتعلقة باللاجئين إلا أن المزاج العام للأتراك تغير لأسباب عديدة
في الحالة التركية كانت الدولة متقدمة على باقي دول الجوار في مستوى التعامل والقرارات المتعلقة باللاجئين إلا أن المزاج العام للأتراك تغير لأسباب عديدة على رأسها الظروف الاقتصادية الضاغطة، وطول فترة اللجوء وعدم اطلاع عموم الأتراك على حقيقة الحالة السورية وأثرها على بلادهم، بما فيها النشاط الاقتصادي الإيجابي الناجم عن الوجود السوري ,وبرامج المساعدات الأممية والأوروبية في مجالات الإغاثة الطبية, الغذائية ومجال التعليم, إلا من خلال قنوات إعلامية ضيقة لها توجهاتها ,فإن المواطن التركي أصبح لديه ريبة بأن السوري يستفيد من خدمات حكومية لايصح أن ينالها من لايتمتع بالمواطنة التركية .
في دولة الرعايا وهي الدولة التي لايكون للمواطن دور في رسم السياسة العامة أو اختيار من يمثله في دوائر الحكم وصنع القرار، بل تقتصر حريته على مجاله الخاص المحدود، دون العام، بينما يكون الحاكم بشخصه أو فئته أو طائفته، من يقرر مايشاء وكيف يشاء وبالتالي لايوجد رأي عام يستحق أن تخاطبه أو تقنعه فعلى سبيل المثال لم يكن للسوري أي دور بتحديد الحقوق التي نالها الفلسطيني اللاجىء في سوريا ولاحقاً اللاجىء العراقي، بل كان القرار الأول والأخير يعود للسلطة الحاكمة بشقها الأمني والسياسي، التي أضافت للرعية "السورية" رعية فلسطينية وتالياً عراقية، ليس من منطلق إنساني أو قومي كما يدعي النظام الحاكم, بل لأنها تساعده في تحقيق غايات سلطوية داخلية و وأطماع بالهيمنة على بعض دول الجوار.
الدول الديمقراطية أو شبه الديمقراطية تخضع مساراتها السياسية العامة إلى توجهات الناخب (المواطن) والذي يوصف أحياناً بدافع الضرائب للتنويه أن شرعية الحكومة هي بفضل تفويضه المؤقت من خلال الانتخابات كممثلة لمصالحه، وأن استمرار أجهزتها الوظيفية لا يتم إلا بفضل الأموال التي يدفعها كأجور لمن فوضه بواجب حماية البلاد والعمل على تحقيق أهدافه العامة .
في الجمهورية التركية والتي تحاول أن تتبع نهجاً ديمقراطياً، فإن خطاب السوري اللاجىء يجب أن يكون إلى المواطن التركي بالدرجة الأولى، وذلك من خلال عرض الحقائق والإجابة عن الأسئلة والمخاوف بموضوعية، وعدم الاعتماد بشكل كامل على لغة العواطف لأنها استنفذت قوتها الكامنة بالفترة الطويلة السابقة، مع الانتباه إلى أن المواطن التركي يحتاج لإجابات عن أسئلة عديدة منها كيف للهارب من وطنه أن يعود إليه ليقضي فترات الأعياد ولمدة قد تصل لشهر أو أكثر، ومن ثم يعود إلى بلد اللجوء، السؤال الثاني والذي تردد مع موجات اللجوء الكبرى السابقة هو لماذا يرافق الأب والأم جميع أبنائهم الذكور، ألا يوجد منهم من يريد أن يقاوم النظام الأسدي ويدافع عن أرضه ؟!
قد لايعلم المواطن التركي أن معركتنا مع النظام المتحالف مع إيران وروسيا - بوتين هي بنظر العديد من السوريين أضحت غير قابلة للحسم لصالح الثورة، لعدم إمكانية تحييد السيطرة الجوية الكاملة للنظام وروسيا، ولهذا يأس السوريون من أن يستجيب أي طرف دولي وتقديم مايمنع هذه السيطرة، إضافة إلى استحالة الحياة في المناطق التي سيطرت عليها داعش والتنظيمات الانفصالية، مما دفع العديد من السوريين إلى اللجوء إلى دول الجوار .
إن كافة المؤشرات تدل على أن لا حل سياسيا حقيقيا قادم في المدى المنظور، وهذا يعني عدم عودة أغلبية السوريين إلى وطنهم
بالنسبة للسؤال الأول فإن عدم وجود التزام بقرارات منع التصعيد، وغموض الاتفاق بين الضامنين جعل المناطق المحررة على صفيح ساخن وبعيدة جداً عن حالة الاستقرار، مما منع العودة (الدائمة) للسوري من أبناء ريف حلب وإدلب والذي يزور كل ما سنحت له الفرصة وسمح له القانون أرضه وبيته ومن بقي من أهله، ونيته البقاء إن توفرت شروط الاستقرار إلا أنه يفاجأ حين يرى من بقي بالداخل قد حزم حقائبه منتظراً لحظة سانحة للعبور إلى تركيا هرباً من القصف الروسي وغياب الأمان وضعف التعليم وغيره من الخدمات الحيوية المؤثرة على مستقبل أبنائه.
إن كافة المؤشرات تدل على أن لا حل سياسيا حقيقيا قادم في المدى المنظور، وهذا يعني عدم عودة أغلبية السوريين إلى وطنهم، بينما هناك حل جزئي في حال توافقت الدول الفاعلة في الملف السوري, يتمثل بتفعيل استقرار مناطق الشمال المحررة, مما يشجع السوريين الموجودين في تركيا للعودة إلى مناطقهم، وخاصة في حال البدء بتنفيذ مشاريع تنموية تؤمن فرص عمل حقيقية، يجعلها حافزا إضافيا للعودة خاصة لمن يعمل حالياً في تركيا نظراً لطبيعة العمل الصعبة المتاحة للسوري في تركيا ولتدني الدخول مقارنة مع الكلفة العالية نسبياً للحياة فيها.
في انتظار التوافق الدولي على حل مستدام لابد من مخاطبة المواطن التركي وتوضيح أسباب وجودنا في بلادهم وهي بجوهرها إنسانية بحتة وأن هناك منافع ينالها الاقتصاد التركي من هذا الوجود كما أن تمويل مشاريع التعليم والصحة والدعم النقدي لجزء من السوريين وإن كان يقدم من مؤسسات وطنية تركية، إلا أنه مورد بمعظمه من الاتحاد الأوروبي وأمريكا الشمالية وبعض الدول العربية، وذلك ضمن اتفاقيات (تقاسم أعباء اللاجئين) مبرمة مع الحكومة التركية، ربما هذا الخطاب يقع على عاتق السوريين الموجودين في مواقع إعلامية وسياسية والعاملين في المؤسسات ذات الصلة، بينما يبقى احترام القانون وعادات الشعب المضيف وإبراز الوجه الحضاري للسوريين المسؤولية المباشرة على عاتق كل فرد منا نحن اللاجئين الفارين من موت محقق إلى مستقبل مجهول.