عفوية أم مدفوعة؟ ذات مطالب اقتصادية أم سياسية؟ تسعى لخلاص جهوي أم متمسكة برداء الأم السورية؟ أسئلة مستنكرة ومشروعة يطرحها الحراك الشعبي في السويداء، والأهم من كل ما سبق، قدرته على إسقاط أكذوبة الأسد بحماية الأقليات في سوريا؟ كمقدمة لإسقاطه.
وقد شهدت مدينة السويداء عدداً من الاحتجاجات الشعبية مؤخراً، اندلعت على إثر قرار رفع الدعم الاقتصادي عن الوقود من قبل وزارة التجارة في حكومة الأسد، مما سبّب زيادة كبيرة في أسعار الوقود، ارتفع خلالها سعر لتر البنزين من 3000 ليرة سورية إلى 8000 ليرة.
وفي تمايز عن موجات احتجاجية سابقة شهدتها المحافظة، حظيت الاحتجاجات الحالية بدعم شعبي أكبر من سابقاتها، إضافة لإقرار زعماء بارزين للطائفة الدرزية بحق الأهالي في الاحتجاج السلمي ضد "الحكومة".
فخلال رسالة "نحن نريد العزة والكرامة"، دعم الشيخ حكمت الهجري، رئيس المؤسسة الدينية الدرزية، مطالب المحتجين التي وصفها بالمحقة، متبنياً خلالها خطاب المحتجين، ومنتقد سياسة النظام وممارساته الأمنية، بالقول، "ما هكذا يعامل شعب من قبل حكومته، ولا هكذا تكون القرارات ولا التصرفات، والحجة حرباً كونية، وأي حرب كونية وأنتم تدمرون شعبكم وتحبسون مقدراته عنه، وتسقطون اقتصاده الوطني إلى الحضيض بقرارات بخسة".
ومنذ اليوم الأول للثورة كانت السويداء منقسمة بين مؤيد ومعارض، مقدمة شهداء ومعتقلين كغيرها من المدن السورية، مع دفعها ثمن رفض أبنائها المشاركة في قتل السوريين، حسب الكاتبة السياسية، عالية منصور.
الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة
وفقاً لمدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، جوشوا لانديس، "الناس يائسون، لا توجد كهرباء، وأسعار المواد الغذائية مرتفعة بشكل شنيع، والرواتب منخفضة. إنها عاصفة مثالية. لقد ساءت الأمور كثيرا منذ نهاية "القتال"، إذا كان بإمكاننا تسميتها كذلك. كان الناس يتوقعون أن تتحسن الأمور".
ويقع غالبية السوريين تحت خط الفقر، في ظل ارتفاع حاد للأسعار، وفقدان العملة المحلية أكثر من 99 بالمئة من قيمتها، نتيجة للفساد المستشري والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تسبب بها النظام، من خلال إمعانه في قتل السوريين، رافضاً القرارات الأممية الداعية إلى الحل السياسي في سوريا. بينما يعاني أكثر من 12 مليون مواطن من انعدام الأمن الغذائي، وفق الأمم المتحدة.
حراك العاشر من آب
يتميز الحراك الحالي بالزخم وأتساع نطاقه، والأهم، ارتفاع سقف مطالبه لإسقاط النظام. وبالتوازي مع حراك السويداء وحراك مُآزر له في عدد من المحافظات السورية، برز على مواقع التواصل حراك "10 آب"، معرّفاً عن نفسه بأنه "حركة شبان سوريين لا يتقيدون سوى بولائهم لسوريا"، ويسعون لتحقيق "تغيير سياسي واجتماعي سلمي" في البلاد.
مطالبون بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، والكشف عن مصير المعتقلين السياسيين، والدعوة للقضاء على المذهبية والعنصرية، مع عقد حوار سوري داخلي يمثل جميع شرائح المجتمع. حاثين قوى المعارضة داخل سوريا وخارجها على توحيد صفوفهم وإزالة "العملاء والخونة" من صفوفهم.
بدورهم، أعلن ضباط متقاعدون في السويداء، تشكيل لجنة بإشراف العميد "نايف العاقل" لتوحيد الفصائل والإشراف على عملها، بغية تحقيق الأمن الاجتماعي للمحافظة، مع دعوتهم لتشكيل مجلس إدارة مؤقت للمحافظة. وتضمن بيانهم " دعم الحل السياسي السلمي وفق القرار 2254، كطريق للخروج من الأزمة وحل كل القضايا"، مع دعمهم لمطالب المحتجين.
مظاهرات السويداء، أزمة كبيرة للنظام وليست مجرد تحدٍّ أمني، حسب مركز جسور للدراسات، نظراً لأتساع نطاقها وعلو صوتها، بالتزامن مع الاستياء الشعبي في الساحل السوري، وغياب بوادر الحل من الخارج، بالإضافة لتراجع الليرة السورية وتراجع آمال النظام في الحصول على تمويل عربي، مع احتمالية توقف مشاريع التعافي المبكر، نتيجة عدم الاتفاق على تجديد آلية دخول المساعدات الإنسانية إلى سوريا. مستبعداً في الوقت ذاته، تنفيذ فعلي لمطالب الحراك الحالي بإسقاط النظام، نتيجة تشابك المصالح المحلية والإقليمية والدولية، واحتمال تأخر أو غياب أي موقف داعم له من الدول الفاعلة في المسألة السورية.
إقليم الجنوب السوري
الحديث عن إقليم في الجنوب محاولة لزرع بذور الشك لدى السوريين ومنعهم من مناصرة أهلهم في السويداء ودرعا، الذين يتصدون لخطط التغيير الديمغرافي وتدمير المنطقة على يد النظام والعصابات الإيرانية، حسب رمضان. فالشعارات الوطنية ومطالب الثورة السورية في الحرية والعدالة ودولة القانون التي ترفع السويداء، هي نقاط مشتركة بين السوريين، وكل من يتبناها هو جزء من الأجندة الوطنية، وشريك في سوريا المستقبل.
وينوه مركز جسور لإمكانية لجوء النظام إلى التلويح باستخدام القوة ضد أبناء المحافظة، مستدلاً بالتعزيزات العسكرية للأجهزة الأمنية التي حشدتها في المؤسسة العامة للمياه، ومنحه أبناء المنطقة بعض الامتيازات، ومثالها، طلب وزارة داخلية الأسد، من قيادة شرطة المحافظات، عدم توقيف أي شخص من السويداء، إلا في حالات الجرم المشهود.
وفي موضع ذي صلة، يشيرُ معهد الشرق الأوسط، إلى محاولة نظام الأسد إظهار صورة القوة والنصر، إلا أن الواقع يكشف عن حكومة تتصارع مع تحدياتها الداخلية، ومصاعبها الاقتصادية الشديدة، ومعارضة حتى بين أقوى قاعدتها تاريخيا. معتبراً أن زيارات أسماء الأسد إلى معقل الموالين للنظام في الساحل السورية والكلمات المطرية التي تهدف إلى وأد المعارضة في مهدها لا يمكن أن تنجح لفترة طويلة. ووفقا للمعهد، ما لم يتمكن الأسد من تقديم وسيلة لقاعدته للخروج من مستنقع من صنعه، فمن المرجح استمرار ظاهرة التململ "العلوي" في النمو، مما يعرض الركيزة الأساسية لحكمه للخطر بشكل خطير.