من كيسنجر إلى هوكشتاين

2024.06.21 | 06:14 دمشق

آخر تحديث: 21.06.2024 | 06:14 دمشق

Amos Hockstein
+A
حجم الخط
-A

منتصف يوم السادس من أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، تم إيقاظ  وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر، على حدث لم يكن بالإمكان تصور حصوله. الجيشان المصري والسوري بدأا الساعة الثانية من بعد ظهر ذاك اليوم بتوقيت المنطقة، هجوماً منسقاً ومشتركاً، في سيناء والجولان، وصوت المدافع وأزيز الطائرات، يغطي سماء المنطقة.

عرف الداهية بنظرته الثاقبة، أن الحدث أكبر من أن يعود إلى الاستغراق في النوم، فأيقظ الرئيس في البيت الأبيض، ودعا لاجتماع لمجلس الأمن القومي، ثم بدأت رحلة الدبلوماسية الأميركية، معززة بقرار سريع بمد إسرائيل بجسر جوي، حيث بدأت خلال ساعات قليلة الدبابات الأميركية بالهبوط في سيناء مباشرة، وليس في القواعد العسكرية داخل إسرائيل.

كان كيسنجر نجم الدبلوماسية المتألق، الذي رتب قبل سنوات اتفاقاً تاريخياً مع الصين، ليحاصر الاتحاد السوفييتي، ويقسم الشيوعية إلى نصفين، مكرساً انتصارات غير مسبوقة، في الرحلة الطويلة الهادفة لمحاصرة الستار الحديدي.

صباح السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كانت الدبلوماسية الأميركية على موعد التعامل مع أكتوبر جديد، لا يشبه حرب الغفران. إنه الأكتوبر الأكثر حضوراً في تاريخ المنطقة. بطل أكتوبر الجديد يحيى السنوار، المقاتل الذي حضر لأجرأ عملية تنفذ منذ العام 1948.

استلم آموس هوكشتاين موفد الرئيس الأميركي بايدن، المهمة من كيسنجر، لم تكن الظروف ولا طبيعة المعركة متشابهة. مأزق إسرائيل في عام 1973، كان في سيناء، أما في العام 2023 فكان داخل الكيان، الذي اهتز على وقع جرأة حماس في اقتحام مستوطنات غلاف غزة.

أصيبت الدبلوماسية بعطب بنيوي. الداهية كيسنجر ليس موجوداً في وزارة الخارجية الأميركية، وآموس هوكشتاين الضابط السابق في الجيش الإسرائيلي، والأميركي الجنسية الحالم بصنع السلام، لم تتوفر بين يديه أدوات حصر الحرب خارج غزة

أكتوبر 2023 اضطر الرئيس الأميركي بايدن، أن يستقل الطائرة إلى تل أبيب، لا مجرد أن يستفيق من نومه ليدعو مجلس الأمن القومي للاجتماع.

أصيبت الدبلوماسية بعطب بنيوي. الداهية كيسنجر ليس موجوداً في وزارة الخارجية الأميركية، وآموس هوكشتاين الضابط السابق في الجيش الإسرائيلي، والأميركي الجنسية الحالم بصنع السلام، لم تتوفر بين يديه أدوات حصر الحرب خارج غزة، ولا توفرت للإدارة الحائرة، أدوات وقفها بأرجحية تعطي لإسرائيل فرصة ادعاء الانتصار.

لم يكتف كيسنجر في العام 1973، باستعراض القوة الأميركية كما فعلت واشنطن عندما أرسلت حاملة الطائرات أيزنهاور إلى المتوسط.

استعمل كيسنجر الخط الأحمر مع الكرملين، الذي بقي مفتوحاً طوال أسابيع الحرب، وأصبح حاسماً عندما هددت موسكو باستعراض قوتها النووية، إثر نكث إسرائيل بتعهدها احترام قرار مجلس الأمن الدولي، وقف إطلاق النار وتهديد العمق السوري.

كان كيسنجر محترفاً في التعامل مع السوفييت، يعرف متى يكشر عن أنياب القوة الأميركية، ومتى يجلس على طاولة التسويات.

سبق قرار مجلس الأمن الدولي، زيارة له إلى الكرملين، واتفاق على وقف الحرب بخطوطها العريضة، ومن ثم عاد إلى القدس، وأنب قادتها لألف سبب وسبب، كل ذلك بداعي حرصه على أمن إسرائيل، الذي يفوق حرص قادة إسرائيل.

القوة الناعمة والخشنة التي تمتلكها أميركا، لم تترجم في حرب غزة إلى تسويات خلاقة. الإدارة الديمقراطية غرقت عملياً في الحملة الرئاسية، وتركت مساعي وقف الحرب، لخطة بايدن التي ما زالت مجرد حروف وكلمات، ولا يتوقع أن تحسم الحرب في غزة، قبل الخريف المقبل، وفي المقابل، لم تعد الحرب الإسرائيلية على لبنان، مستبعدة.

حزب الله وخلافاً للعنتريات التعبوية، وصور المسيرات فوق ميناء حيفا، يخشى الحرب. إيران وخلافاً لتعهدها وتهديدها بمساندة الحزب عسكرياً، لن تترجم لغة الحرب إلى أفعال.

في مقارنة لا بد من ملاحظتها: سياحة هوكشتاين الدبلوماسية، برهنت أن عصر عتاة السطوة الأميركية قد اهتز. كيسنجر يسخر من قبره احتقاراً لهذا المشهد.