تشكّل القائمة المشتركة تحالفاً سياسياً يضم أربعة أحزاب تمثل العرب داخل دولة الاحتلال، تم الإعلان عن تشكيلها في 23 كانون الثاني/يناير 2015، وذلك من أجل توحيد الأحزاب التي تمثل الفلسطينيين في الداخل المحتل ضمن قائمة انتخابية واحدة، وهذه الأحزاب الأربعة هي: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والتجمع الوطني الديمقراطي، والقائمة العربية الموحدة، والحركة العربية للتغيير.
تشكلت القائمة المشتركة على خلفية رفع نسبة الحسم وهي الحد الأدنى من نسبة الأصوات التي تضمن نجاح الحزب في الدخول إلى الكنيست من 2% إلى 3,25%، هذا حصل عبر تعديل قانوني بادر إليه النائب اليميني أفيغدور ليبرمان، وذلك من أجل منع الأحزاب العربية الصغيرة من دخول الكنيست، حينها بدأ ضغط فلسطينيو 48 على الأحزاب العربية من أجل توحيدها.
في آذار/مارس من العام 2020 حصدت القائمة المشتركة 15 مقعداً، حيث وصلت نسبة التصويت حينها لأعلى مستوياتها منذ عقدين، لكن هذا الإنجاز اصطدم بخلاف بين مكونات القائمة المشتركة الأربعة. أدى ذلك الخلاف إلى انسلاخ القائمة العربية الموحدة عن القائمة المشتركة، وتمخض عن ذلك الانسلاخ حصول القائمة المشتركة في انتخابات 2021 على 6 مقاعد فقط ما تُرجم على أنه عقاب من فلسطينيي 48 بالإعراض عن التصويت لأحزابهم التي لم تسيطر على خلافاتها الداخلية.
تمثل القائمة العربية الموحدة ائتلافا سياسيا يشمل أحزابا سياسية عربية لفلسطينيي 48 تم تأسيسها في العام ١٩٩٦ بعد قرار الحركة الإسلامية الشق الجنوبي في داخل كيان الاحتلال خوض الانتخابات البرلمانية للكنيست
تمثل القائمة العربية الموحدة ائتلافا سياسيا يشمل أحزابا سياسية عربية لفلسطينيي 48 تم تأسيسها في العام ١٩٩٦ بعد قرار الحركة الإسلامية الشق الجنوبي في داخل كيان الاحتلال خوض الانتخابات البرلمانية للكنيست.
انقسمت الحركة الإسلامية في الداخل المحتل لقسمين بعد الاختلاف على نهج أوسلو ومسار المفاوضات والاعتراف بكيان الاحتلال والمشاركة في الكنيست، فتشكل الجناح الشمالي للحركة الإسلامية المحظور من قبل كيان الاحتلال، وهذا الجناح تحت قيادة الشيخ رائد صلاح ونائبه الشيخ كمال الخطيب حيث تم اعتقالهم عدة مرات، وما زالوا في المعتقل لمواقفهم المقاومة للاحتلال الإسرائيلي.
أما الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية بقيادة إبراهيم صرصور ونائبه منصور عباس يشارك بالكنيست ويتبنى مواقف مختلفة تماماً من الاحتلال الإسرائيلي وإدارة علاقة الفلسطينيين في الداخل مع دولة الاحتلال.
يعد منصور عباس من الشخصيات الجدلية داخل الحركة الإسلامية لمواقفه المنسخلة تماماً عن هوية الحركة الإسلامية وجذورها الوطنية، منصور عباس طبيب وسياسي فلسطيني يشغل منصب نائب رئيس الحركة الإسلامية الشق الجنوبي ومنصب رئيس القائمة العربية الموحدة ونائب في الكنيست الإسرائيلي ضمن القائمة المشتركة منذ العام 2019.
من أبرز تصريحاته التي أثارت جدلاً واسعاً تصريحه في شباط/فبراير 2021 حول الأسرى الفلسطينيين في سجون ومعتقلات دولة الاحتلال حيث وصفهم (بالمخربين)، حين أجاب عن سؤال صحفي إسرائيلي فيما إذا زار (مخربون) في الإشارة للأسرى الفلسطينيين، ( فأجاب كلا لم أقم بزيارة (مخربين) مستعملاً نفس تعبير الصحفي الإسرائيلي.
مؤخراً برز نجم منصور عباس من جديد، حين أبلغ زعيم حزب "هناك مستقبل" يائير لبيد الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفيلين حينها أنه تمكن من تشكيل حكومة وذلك بعد حصوله على تفويض رؤساء أحزاب "كتلة التغيير" ورئيس القائمة الموحدة منصور عباس على اتفاق يمهد الطريق لتشكيل حكومة التناوب مع رئيس حزب "يمينا" نفتالي بينيت.
تتجه الأنظار يوم الإثنين القادم 14 حزيران الجاري نحو الكنيست، لرؤية ما إذا سيكون بإمكان هذا الائتلاف الهش المليء بالتناقضات تجاوز حاجز الثقة البرلمانية بأي أغلبية كانت، إذ أن الإعلان عن الصعوبات والتناقضات التي تواجه هذا الائتلاف جعله مهدداً بفقدان الأغلبية البرلمانية، وذلك بسبب الضغوط الهائلة التي تمارس على نواب اليمين الاستيطاني في هذا الائتلاف من زاوية، والشروط الكبيرة التي فرضتها كتل اليمين الاستيطاني حتى تكون الحكومة تحت سطوتها ضمن أسس معني بها هذا اليمين الذي وجد ركيزة حكومته في كتلة "القائمة العربية الموحدة بقيادة منصور عباس" من جهة أخرى، حيث شطب منصور عباس كل ما هو مطالب سياسية قامت عليها القائمة وذلك ليدعم ائتلافاً متناقضاً لأحزاب يمينية متطرفة تضع في بنودها السياسية أولوية الاستيطان واستهداف الحريات السياسية والديمقراطية للفلسطينيين.
ترجم ذلك الانضمام من قبل القائمه الموحدة على أنه حاجة سياسية ملحة لها بفعل الضغوط المتعاظمة على فلسطينيي 48. وبفعل سياسات التمييز العنصري التي تمارسها دولة الاحتلال على المكون الفلسطيني من حيث التمييز في منحهم حقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية وتخفيض الميزانيات المخصصة لهم وهذا بحد ذاته تناقض واضح مع الأهداف التي أعلنتها الحركة في برامجها، حيث يقتضي تطرف دولة الاحتلال في فرض القوانين العنصرية ردات فعل مختلفة داخل القائمة الموحدة على ذلك حيث ضرورة الذهاب للاحتجاج على هذه السياسات ضمن كل الوسائل المتاحة، لا التطرف نحو ائتلاف يميني يتبنى هضم الحقوق الفلسطينية بالكامل.
يعود التعاون مع أقطاب الليكود ومنصور عباس لنيسان/ أبريل عام 2019، وذلك حين كان أول من يوقع على اتفاق انسلاخ عن القائمة المشتركة، حين خاضوا الانتخابات بقائمة منفصلة، حيث تبع ذلك عقب انتهاء الانتخابات التنسيق بين منصور عباس وأحد الشخصيات المهمة التي تعد ساعد نتنياهو الأيمن من أجل محاولات التجسير بين الموحدة والليكود وكان ذلك الشخص هو ناثان إيشيل، حيث بدأت عمليات التقارب والتنسيق في التصويت على منصب مراقب الدولة في حينها، وتم الكشف عن ذلك التنسيق لاحقاً.
إن مشكلة الفلسطينيين في الداخل مع حكومة نتياهو ليست كما هي مشكلة الإسرائيليين حيث مقتهم لفساده المالي، وإنما لأن حكومته اليمينية مارست أشد أشكال التطرف والتمييز اتجاه الفلسطينيين في الضفة وغزة والـ 48 وإغراق المجتمع الفلسطيني بالـ48 بالسلاح والجريمة، ومسارعة منصور عباس للإطاحة بنتياهو بالمشاركة بائتلاف أشد تطرفاً ويمينية لا يمكن أن يفسر إلا على أن تحركاته السياسية تمثل طموحات سياسية شخصية جداً منسلخة عن الكفاح السياسي لباقي الحركات والأحزاب العربية بخاصة الإسلامية التي تمثل الحركة الموحدة ذراعها الانتخابية حيث تنشط الحركة الإسلامية من أجل تغيير واقع الفلسطينيين في الداخل، ومحاولة تحقيق العدالة في الحقوق المدنية والسياسية لهم.
عند قراءة السلوك السياسي الانتخابي للفلسطينيين في الداخل الذين صوتوا للقائمة الموحدة وعبر مشهد الهبة الجماهيرية المفاجئة في صفوفهم في المواجهة الأخيرة بين كيان الاحتلال وحركات المقاومة الفلسطينية في غزة المسماة سيف القدس /حارس الأسوار ، نستطيع الاستنتاح بأن ذلك التصويت لم يكن دعماً للقائمة الموحدة على تعاونها مع الليكود، وإنما كان الأمر لانتماءات دينية معينة، كذلك التصويت لنهج اجتماعي معين، وهناك نسبة قليلة ممن يريدون هذه السياسة الهجينة.
التزمت القائمة المشتركة بعدم مقايضة الحقوق على المواقف السياسية وذلك انطلاقاً من رؤية أنهم فلسطينيون وأنهم أصحاب البلاد الأصليون، ومواطنون يستحقون التساوي بالحقوق
التزمت القائمة المشتركة بعدم مقايضة الحقوق على المواقف السياسية وذلك انطلاقاً من رؤية أنهم فلسطينيون وأنهم أصحاب البلاد الأصلييون، ومواطنون يستحقون التساوي بالحقوق، لا مقايضة المواقف بالحقوق، وربطت الموقف السياسي بالحقوق اليومية التي يحصل عليها الفلسطينيون في أوساط تميز ضدهم وتمارس الفوقية العرقية ضدهم، في حين راح منصور عباس يتخلى عن مواقفه السياسية ويروج أنه سيحصل على المزيد من الحقوق وهذا أمر غير منطقي ويتناقض مع واقع الحقوق التي تم تحصيلها فقط عبر مسيرة النضال والتضحيات في الداخل التي أجبرت المؤسسة الإسرائيلية على عدم تجاوز الفلسطينيين.
في الجانب الآخر تعتبر شرائح داخل المجتمع الإسرائيلي أن السياسات المتطرفة للحكومات الإسرائيلية اتجاه الفلسطينيين في الضفة وغزة تساعد على استشراء العنصرية داخل المجتمع في كيان الاحتلال، كذلك تعتبر الاستيطان والحروب والتوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي أموراً تكلف كيان الاحتلال ميزانيات واسعة تعيق التطور الداخلي والتركيز على البنى التحتية في كيان الاحتلال، وتشكل هذه الأفكار ركيزة مواقفها الانتخابية في الوقت الذي يجنح فيه منصور عباس للحياد اتجاه مواقفه من قضايا الشعب الفلسطيني الذي ينحدر منه، بل يذهب لمواقف أشد تطرفاً بتحالفه مع أحزاب يمينية تقوم على برامج الاستيطان ومصادرة أراضي الفلسطينيين والدعوات لإبادتهم.
أحدثت مواقف منصور عباس جدلاً أيضاً في أوساط الإسلاميين والحركات الإسلامية، حيث برزت مطالبات للقائمة الموحدة التي تمثل الذراع الانتخابية للحركة الإسلامية بالإعلان عن هوية سياسية جديدة خارج نسبتها للإسلام والإسلام السياسي، حيث أصبح لعبها للسياسة ضمن حدود الكنيست هو لعب ضمن القواعد الإسرائيلية بشكل صرف، حيث يمثل مسار منصور عباس منهجاً جديداً يعطي الأولوية لوجود الموحدة في الكنيست على حساب اشتغال الموحدة على بناء كيان جامع لفلسطينيي ٤٨ يكون بمثابة نواة لكيان جامع للشعب الفلسطيني كله، فحالة التزام منصور عباس بدلالة المواطنية الإسرائيلية وفق الحدود المرسومة له وليس بدلالة انتماء للشعب الذي ينحدر منه وقضيته العادلة التي تمثل إجماعاً لأحرار العالم يثبت مجدداً أن الكنيست ليس مكاناً للدفاع عن الحقوق العادلة للفلسطينيين، وأن التحول هذا هو الوجه الآخر لبراغماتية محمود عباس الرئيس الفلسطيني الذي تخدم أجهزته الأمنية الاحتلال، حيث إن منصور عباس يمثل تلك البراغماتية في الداخل من أجل التخديم السياسي والديمقراطي على كيان الاحتلال وإظهاره بمظهر المنفتح على الفلسطينيين وإدماجهم بالقرار السياسي.
أما الدرس الذي يقدمه منصور عباس للحركات التي تقوم على الإسلام السياسي فهو ضرورة تحرير الدين الإسلامي من سطوة السياسة ولا أخلاقية المواقف السياسية والسلطة والموارد. وعدم تحميل الإسلام الانحرافات اللامعقولة في مواقف السياسيين التي تنزع لبراغماتية تتجاوز مبادئ وقيماً ثابتة في الإسلام، تماماً كما فعلت الحركة الإسلامية في المغرب بتطبيعها مع الاحتلال وجلوسها على مائدة توقيع اتفاقية التطبيع برأس منكسرة، وأيضاً عند الحديث عن الأخلاقي في سياسة حركة حماس في مواقفها من جماعة الحوثي وإيران و(النظام السوري)، والآن في تحالف منصور عباس مع أحزاب اليمين المتطرف الصهيوني، فهذه الأحزاب لا بد أن تخضع للنقد والمساءلة وتجريدها من قدسية الديني الذي توظفه لإضفاء قدسية على مواقفها وتناقضاتها السياسية.