ملامح النظام الاقتصادي العالمي الجديد بين دول السبع وبريكس

2024.11.08 | 07:05 دمشق

5433333333333
+A
حجم الخط
-A

يشهد النظام الاقتصادي العالمي تغيرات ديناميكية متسارعة، مع صعود قوى اقتصادية جديدة وتعزيز مكانتها في المشهد العالمي. وفي هذا السياق، تبرز مجموعتان اقتصاديتان تلعبان دورًا حاسمًا في رسم ملامح الاقتصاد العالمي الجديد: مجموعة السبع الكبرى (G7) ومجموعة بريكس (BRICS).

وفي حين تمثل مجموعة السبع القوى الاقتصادية التقليدية، تسعى مجموعة بريكس إلى تكوين محور اقتصادي جديد يتحدى سيطرة الغرب على الاقتصاد العالمي.

مجموعة السبع الكبرى (G7)

تضم مجموعة السبع كلاً من: الولايات المتحدة، كندا، اليابان، ألمانيا، المملكة المتحدة، فرنسا، وإيطاليا. وتشكل هذه الدول القاعدة الأساسية للنظام الاقتصادي العالمي منذ منتصف القرن العشرين، وتعتبر قوى صناعية متقدمة تتحكم في سياسات عالمية متعددة من خلال النفوذ المالي والتكنولوجي والسياسي.

تمثل مجموعة السبع حوالي 44.7% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي البالغ 110.06 تريليون دولار، و10% من سكان العالم، وتستمر في لعب دور رئيسي في التجارة العالمية.

تتحكم دول السبع في مؤسسات التمويل العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، مما يمنحها تأثيرًا كبيرًا على سياسات الإقراض للدول النامية. ومع ذلك، فإن الهيمنة المالية التي تحتفظ بها مجموعة السبع ليست محصنة ضد التحديات، إذ تواجه هذه المجموعة مشكلات مثل الشيخوخة السكانية التي تؤثر على القدرة الإنتاجية، إضافة إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في بعض الدول الأعضاء، مما يضع ضغوطًا إضافية على الاستقرار الاقتصادي.

تتمتع دول بريكس بمزايا ديمغرافية واقتصادية كبيرة، إذ تمثل حوالي 45% من سكان العالم وتشغل 33.9% من إجمالي مساحة اليابسة، مما يوفر لها قوة عاملة وسوقًا استهلاكية كبيرة.

مجموعة بريكس (BRICS)

تشمل مجموعة بريكس كلاً من: البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا. ومنذ يناير 2024، انضمت خمس دول رسمياً إلى تكتل بريكس، وهي مصر، السعودية، الإمارات، إيران، وإثيوبيا. تمثل هذه الدول معظمها الاقتصادات الناشئة التي تتميز بنمو اقتصادي سريع وسوق ضخمة، وتأسست المجموعة في عام 2009 بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول النامية وتقليل الاعتماد على الدول الغربية. تسهم دول بريكس بحوالي 29.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتشكل حوالي 16% من التجارة العالمية.

تتمتع دول بريكس بمزايا ديمغرافية واقتصادية كبيرة، إذ تمثل حوالي 45% من سكان العالم وتشغل 33.9% من إجمالي مساحة اليابسة، مما يوفر لها قوة عاملة وسوقًا استهلاكية كبيرة. ومع ذلك، تواجه مجموعة بريكس تحديات متعددة، مثل التفاوت الاقتصادي بين أعضائها، والخلافات السياسية والجيوسياسية، خاصة بين الهند والصين، مما يعقد قدرة المجموعة على العمل ككتلة واحدة.

احتياطي الطوارئ

في إطار تعزيز استقلاليتها المالية، أطلقت مجموعة بريكس اتفاقية أو ترتيبات احتياطي الطوارئ (CRA) في عام 2014. يُعتبر هذا الإطار بمنزلة حماية ضد ضغوط السيولة العالمية التي قد تؤثر على العملات الوطنية للأعضاء بسبب الضغوط المالية العالمية. ويهدف الاحتياطي إلى تقديم الدعم المالي للدول الأعضاء في حالات الأزمات الاقتصادية، وتوفير الدعم المتبادل، وتعزيز الاستقرار المالي، وتكوين شبكة أمان مالي عالمية. ويكمل الترتيبات النقدية والمالية الدولية باحتياطي قدره 100 مليار دولار، مما يجعله منافسًا لصندوق النقد الدولي.

بنك التنمية الجديد

أحد أهم المبادرات التي أطلقتها مجموعة بريكس كانت إنشاء بنك التنمية الجديد (NDB) في عام 2014 برأس مال قدره 100 مليار دولار. يعتبر هذا النظام جزءًا من جهود بريكس لتعزيز التعاون بين الدول النامية، ويعكس رغبتها في تقليل الاعتماد على المؤسسات الغربية في إدارة الأزمات المالية، إذ يهدف إلى دعم مشاريع البنية التحتية والتنمية في الدول الأعضاء والدول النامية الأخرى. هذه الخطوة تُعتبر محاولة لبناء نظام مالي بديل للنظام الغربي الذي تهيمن عليه دول السبع، مما يعكس الرغبة في تعزيز استقلال المجموعة المالي وتكوين بديل مناسب للبنك الدولي.

رغم احتفاظ مجموعة السبع بنفوذها التقليدي، فإن صعود بريكس يعيد تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي، ويفتح الباب لتحالفات وأنظمة متعددة الأقطاب.

مقاربات جديدة بين الدول السبع وبريكس

الصراع على النفوذ المالي

في حين تواصل مجموعة السبع الحفاظ على سيطرتها على النظام المالي العالمي، تسعى مجموعة بريكس إلى تحدي هذه الهيمنة من خلال تعزيز التجارة البينية وإنشاء أنظمة مالية جديدة. فتعمل بريكس على تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي في التجارة الدولية من خلال تعزيز استخدام العملات المحلية، وهو ما يعكس سعي المجموعة إلى إعادة تشكيل النظام المالي العالمي.

على سبيل المثال، يُعتبر نظام سويفت (SWIFT) الأداة الأساسية التي تستخدمها الدول الغربية لتحويل الأموال، مما يسمح لها بفرض العقوبات الاقتصادية على الدول التي تعتبرها معادية. وعليه، تسعى دول بريكس إلى تطوير أنظمة بديلة مثل SPFS الروسي وCIPS الصيني، مما يُعزز استقلالها المالي ويقلل من الاعتماد على النظام المالي الغربي. ومع ذلك، يتطلب هذا التحول استثمارات كبيرة في التكنولوجيا والبنية التحتية، بالإضافة إلى تنسيق سياسي متين بين الدول الأعضاء.

الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا

رغم أن دول مجموعة السبع تتصدر حاليًا مشهد الابتكار التكنولوجي، فإن دول بريكس، خاصة الصين والهند، تعمل بسرعة على تضييق الفجوة. تعد الصين قوة اقتصادية تقنية هائلة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، التكنولوجيا المالية، وشبكات الجيل الخامس (5G). هذا التوجه في الابتكار قد يمكّن دول بريكس من المنافسة في مجالات جديدة من الاقتصاد الرقمي، حيث يتم استثمار المليارات في تطوير التكنولوجيا والبنية التحتية الرقمية.

التغيرات المناخية

تعد قضية التغير المناخي من القضايا المشتركة بين المجموعتين، لذا تسعى دول السبع إلى تطبيق سياسات صارمة للحفاظ على البيئة، في حين تركز دول بريكس على تحقيق توازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة. ومع ذلك، فإن التوجه نحو التنمية المستدامة قد يتطلب من دول بريكس تبني استراتيجيات أكثر توازنًا لتحقيق أهدافها التنموية، خاصة في ظل احتياجاتها الكبيرة للتنمية الصناعية.

التوقعات المستقبلية

يشهد النظام الاقتصادي العالمي تحولات جوهرية مع تنامي نفوذ دول بريكس، التي تسعى إلى توسيع تحالفاتها مع دول في آسيا، أفريقيا، وأمريكا اللاتينية تحت ما يسمى "دول الجنوب"، مما يتيح بناء نظام اقتصادي أكثر توازنًا. ومن المتوقع أن تواجه المؤسسات المالية العالمية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ضغوطًا متزايدة لتحديث سياساتها ونظمها لتعكس التغيرات في موازين القوى، مما قد يفتح المجال لنموذج تعاون دولي أكثر شمولية.

ورغم احتفاظ مجموعة السبع بنفوذها التقليدي، فإن صعود بريكس يعيد تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي، ويفتح الباب لتحالفات وأنظمة متعددة الأقطاب. سيكون التكيف مع هذه التحولات ضروريًا لتحديد مستقبل الاقتصاد العالمي، في حين تبقى العلاقة بين المجموعتين مؤثرة في القرارات الاقتصادية الدولية.