ملاحظات على هامش مجزرة سجن الحسكة

2022.02.06 | 06:23 دمشق

25bdc9b4-f8f0-418f-9875-7d20ad178bac_16x9_1200x676.png
+A
حجم الخط
-A

أول ملاحظة توقف أمامها كل من تابع التطورات في الحسكة تتعلق بالأرقام التي أعلنها أكثر من مصدر عن عدد القتلى في عملية سجن الصناعة. لا يمكن وصفها بأقل من أنها صادمة بكل المقاييس. وبحسب أكثر من مصدر أدى أسبوع من المواجهات إلى سقوط أكثر من 600 قتيل، القسم الأكبر منهم من داعش في حدود 375، وتليها "قوات سوريا الديموقراطية" 117، وأكثر من 120 جثة مجهولة، ولم تصدر تقديرات عن أعداد الجرحى والخسائر الكبيرة بالماديات نتيجة للقتال، الذي دار في شوارع المناطق المحيطة بالسجن وهي آهلة بالمدنيين، بالإضافة إلى القصف بالأسلحة الثقيلة من مدفعية ودبابات وطيران مروحي وحربي. وتم تداول فيديوهات تكشف عن حجم الدمار الذي خلفته المواجهات بالأحياء المحيطة بالسجن.

إعادة النظر بالسجون الموجودة وسط الأحياء السكنية، وخاصة تلك التي تضم إرهابيين خطيرين من نمط الدواعش

وقوع عدد من الضحايا بين سكان الحي وتضرر المنازل يطرحان قضيتين. الأولى هي، ضرورة التعويض عن الأضرار بالأرواح والماديات. والثانية هي، إعادة النظر بالسجون الموجودة وسط الأحياء السكنية، وخاصة تلك التي تضم إرهابيين خطيرين من نمط الدواعش المحتجزين لدى "الإدارة الذاتية" في محافظات الحسكة ودير الوزر والرقة. ولا بد من تحرك أهلي سريع للضغط على الطرف الأميركي، من أجل إغلاق هذا الملف، عن طريق نقل هؤلاء بعيدا عن الأحياء السكنية.

وفي هذه المناسبة ثمة سؤال جوهري يطرح نفسه، وهو لماذا تم اختيار حي غويران العربي بالذات ليكون سجنا للدواعش؟ خاصة مع وجود مناطق أكثر أمنا وبعيدة عن مناطق سيطرة داعش سابقا، مثل المناطق ذات الأغلبية الكردية بشمال المحافظة، أو المناطق شبه الخالية من السكان في بادية المحافظات الثلاث.

والملاحظة الثانية تتعلق بحجم العملية ومدتها ومشاركة القوات الأميركية فيها. ومهما كانت قوة داعش، فإن ذلك يعبر عن ضعف لدى "قسد"، التي تقول أرقامها إنها تمتلك أكثر من 100 ألف مقاتل. وهذا عدد لا يكفي، فعليا، للانتشار على مساحة واسعة لثلاث محافظات تشكل ثلث مساحة سوريا، وباستثناء مدينة القامشلي وأجزاء من الحسكة لا يرتقي حضور "قسد" الأمني إلى مستوى المخاطر في بيئة رافضة لها بغض النظر عن وجود داعش من عدمه.

أما الملاحظة الثالثة فيه، إن العملية كشفت عن فشل "قسد" وعدم قدرتها على وضع مشروع بقواسم مشتركة، على أسس من المساواة بين مكونات المنطقة، وسقوط ذريعة داعش واتهام العرب الذين يمثلون النسبة المطلقة في المحافظات الثلاث على أنهم يشكلون حاضنة لداعش. وفي كل الأحوال هذان موضوعان منفصلان عن بعضهما البعض. فبالنسبة إلى مشروع "قسد" للمحافظات الثلاث وصل إلى طريق مسدود بعد أن تبين أنه لا مستقبل سياسيا له، وهذا أمر لم تقبل به الولايات المتحدة وروسيا، وبقي لدى "قسد" مهمة واحدة هي محاربة داعش ومنع عودتها.

إذا كان داعش قد تلقى ضربة كبيرة في هذه المحافظات، فإن ذلك لا يعود الفضل فيه إلى الحرب على الإرهاب فقط، بل بفضل عدم وجود حاضنة له في الوسط العربي

وفي ما يختص بداعش والمكون العربي، ليس هناك حاضنة فعلية في المحافظات الثلاث، نظرا لانعدام بيئة تقوم على مظلومية سنية قوية، وتدين مسيس، وتنظيمات جهادية. وتؤكد المعلومات والمعطيات كافة أن هذا الجو غير متوافر في هذه المنطقة ذات الطبيعة الخاصة، ورغم أن المسألة تحتاج إلى دراسة موسعة، إلا أن محاولات داعش، خلال الأعوام الأخيرة، للتجذر في الرقة ودير الزور والحسكة لم تلق تجاوبا من العرب، بل مقاومة شرسة في بعض الأحيان، وإذا كان داعش قد تلقى ضربة كبيرة في هذه المحافظات، فإن ذلك لا يعود الفضل فيه إلى الحرب على الإرهاب فقط، بل بفضل عدم وجود حاضنة له في الوسط العربي، وهذه حقيقة أدركتها الولايات المتحدة من تجربتها في العراق، عندما وضع الجنرال ديفيد باتريوس استراتيجية عزل داعش من خلال تشكيل "الصحوات".

والملاحظة الأخيرة هي أن إمكانية حصول حراك أهلي عربي في المحافظات الثلاث (الرقة، دير الزور، الحسكة) ضد قسد وداعش معطل في هذه الفترة بسبب شماعة داعش، ولكنه لن يبقى على هذه الحال لوقت طويل، فمواجهات سجن الحسكة كشفت عن عطل أساسي هو غياب تنظيم العرب لأنفسهم على نحو واضح، وبلورة خطاب سياسي يضع مشكلة المحافظات الثلاث في نصابها، بقدر ما أظهرت عن وصول مشروع "قسد" السياسي إلى طريق مسدود.