أعتقد أن الذي طال مؤتمر المسار الديمقراطي ليس نقدا وليس الهدف منه محاولة فهم ما جرى، لكنه في الحقيقة هجوم عنيف على المؤتمر وعلى من حضر تحت حجج، ربما فيها بعض الصواب، لكن هناك كثير مما قيل لا يندرج ضمن مجال النقد البناء بل يندرج ضمن محاولة إسكات أي صوت يغرد خارج العباءة التي تظلل المعارضة الرسمية وخاصة تلك المرتبطة والمرتهنة لجهات خارجية أصبحت معروفة للقاصي والداني.
الهجوم بدأ قبل أن يبدأ المؤتمر واستمر خلال المؤتمر وبعده، حتى وصل الأمر ببعضهم أن يقول إن المؤتمر هو برعاية إسرائيلية، هذا عدا عن استسهال لغة الشتائم والتخوين التي طالت الحاضرين.
وكوني أحد الحضور في هذا المؤتمر سأحاول أن أنقل صورة حقيقية لما جرى وما هي أبرز الملاحظات التي تكلم عنها كثيرون ممن حضروا المؤتمر.
- التنظيم السيء والفوضى:
منذ دخولنا إلى القاعة لاحظت أن ترتيب الطاولات لا تخدم هكذا مؤتمر بل هي أقرب لأن تكون حفلة سمر أو عشاء بدلا من أن تكون طاولة مستديرة للحوار، ولا أعرف إن كان هذا الأمر مقصودا أم أن واقع القاعة هو الذي فرض ذلك، لكن النتيجة أن كل طاولة في القاعة كانت تغني على ليلاها، وعندما يتكلم أحدهم فإن هناك من يستمع له وهناك من يدير أحاديث جانبية ليس لها علاقة بما يتم طرحه. وهذا الأمر، للأسف، استمر إلى نهاية المؤتمر.
- رئاسة المؤتمر:
ما إن جلسنا في القاعة حتى تصدرت لجنة الإعداد منصة رئاسة المؤتمر بحجة أنهم على دراية أفضل بالوثائق والملفات الواجب طرحها، علما أن الأوراق التي بين يدينا تنص على انتخاب رئاسة المؤتمر من الحضور.
وكان الأمر سيتم لولا أن صرخ الصديق جوان يوسف بأن ذلك هو خرق فاضح لأجندة المؤتمر، لذلك تم التراجع وانتخاب رئاسة المؤتمر لكن النتيجة أن ثلاثة من أصل خمسة كانوا من أعضاء لجنة الإعداد. وهذا إن دل فإنما يدل أن هناك ترتيب ما، وهذا ما ظهر لاحقا.
- الحضور الكبير والوقت الضيق:
الحقيقة لقد استغربت من وجود عدد كبير من المدعوين لحضور المؤتمر، بل أنني أعرف بعضهم ليس له علاقة بالسياسة، وكأن المطلوب هو ملء المقاعد بغض النظر عما يمكن مناقشته. لقد حضر حوالي 100 شخص ضمن القاعة وحوالي 45 شخصا على تطبيق الزووم. وهنا تساءلت: إذا كان كل واحد سيتكلم لمدة دقيقة واحدة فإن الوقت المحدد للمؤتمر لن يكفي، علما أن الوقت الفعلي للمؤتمر هو يوم واحد لأن اليوم الثاني كان فوضويا ولا أحد يسمع لأحد بحجة انتخاب أمانة عامة للمؤتمر. حقيقة لا أعرف إن كان وقت المؤتمر وعدد الحضور هو صدفة أم أنه مرتب مسبقا.
- اليوم الأول:
في اليوم الأول استطاع بعضهم، ممن هم خارج السرب، انتزاع وقت من رئاسة المؤتمر لتسجيل بعض الملاحظات الهامة، لكن كثيرين لم يتسن لهم حتى تسجيل أسمائهم في قائمة المتكلمين رغم رفع أياديهم لأخذ دور بالكلام، وحتى الذين سجلوا دورا لم يسعفهم الحظ بالكلام.
علما أن معظم من تحدث غاص في مسائل بديهية ومتفق عليها، وكأن المطلوب الابتعاد عن المسائل الجادة والخلافية وخاصة الذين تحدثوا عبر تطبيق الزووم، هؤلاء الذين أخذوا وقتا طويلا لكي يقدموا لنا مداخلات متشابهة لا جديد فيها ولا فائدة وكأن الهم هو إضاعة الوقت لا أكثر. مرة أخرى لا أعرف إن كان إضاعة الوقت والابتعاد عن طرق ما هو جدي هو أمر مدروس بعناية.
- اليوم الثاني:
إذا كان هناك من عنوان لهذا اليوم فهو: قمة الفوضى. فقد تم منع وإقصاء من يريد التكلم بالمسائل الخلافية والجوهرية وتم التركيز على انتخاب أمانة عامة للمؤتمر، وقد حاول الصديق بسام يوسف، وبعد جهد جهيد، أن يتكلم عن القضايا التي يجب مناقشتها ومنها: تحديد العلاقة مع حزب العمال الكردستاني وكذلك توضيح العلاقة بين مسد والنظام السوري وقضايا أخرى، لكن كان التصدي له حاسما وفيه إقصاء واضح وأن هناك خطوطا حمرا لا يجب المساس بها.
في النهاية تم ( انتخاب ) أمانة عامة للمؤتمر، لكن المراقب لما حصل قبل وفي أثناء الترشيحات، يرى بوضوح تلك العقلية التي سادت ألا وهي عقلية التكتل والولاء الحزبي وكأننا قطعنا أكثر من ألف كيلو متر تحملنا مشاق السفر لنعرف أن مسد تستطيع أن تحظى بأكثر من نصف الأعضاء في الأمانة العامة للمؤتمر.
عندما تم دعوتنا إلى المؤتمر من قبل لجنة الإعداد، أخبرونا أن مسد هي جزء من هذا المؤتمر وليست الكل، كما أخبرونا أن نفقات المؤتمر ستكون على حساب مسد، وكان هذا مفهوما لأن مسد هي الجهة الوحيدة القادرة على ذلك من دون الآخرين. كما أن الهدف المعلن من هكذا مؤتمر هو محاولة صب جهود الديمقراطيين السوريين في مكان آخر بعيد عن ثنائية النظام والمعارضة الرسمية، وهذا ما حفز كثيرين، ومنهم أنا، للسفر والحضور لعل ذلك يصب في بروز ثقل سياسي حقيقي يعتمد الحوار الديمقراطي ويكون له تأثير إيجابي للحل السياسي في سوريا. لكن للحق والتاريخ فإن ما حصل في المؤتمر لم يكن سوى استمرار لنفس العقلية التسلطية والركض وراء الولاء الحزبي والاستمرار في عقلية الإقصاء والتهميش لمن يخالفنا الرأي والعمل على الاستفادة ما أمكن من حضور شخصيات سورية لها تاريخها النظيف في العمل السياسي.
من هنا أقول إذا كان هدف مسد هو جمع الشخصيات السورية الديمقراطية على هدف وحوار إيجابي يصب في مصلحة الجميع، فإنها للأسف قد فشلت في ذلك ولم تستطع التخلص من عقلية السيطرة والإقصاء، وهذا الأمر لن يكون في صالح أحد وخاصة مسد. كان يجب احترام عقول الآخرين واحترام وقتهم وتركهم لأعمالهم وقطع بلدان وقارات لحضور هذا المؤتمر.
المحزن في الأمر هو ذلك الشعور الذي سيطر على كثيرين ممن حضروا المؤتمر، وتم تناوله في أحاديث جانبية، وهو أن هذا المؤتمر ليس إلا ترتيبا مسبقا ومدروسا للخروج بهكذا نتائج.
في النهاية أعتقد أن الحوار مع مسد هو أمر مشروع، بل وضروري، وليس تهمة .
خاصة وأن مسد هي الذراع السياسي لقوة أمر واقع موجودة على الأرض، بل هي من وجهة نظري أفضل السيئين من قوى الأمر الواقع المفروضة على الشعب السوري.