إذا أردنا أن نعرف ظروف الانتخابات الرئاسية المصرية المقرّر انطلاقها في منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر المقبل، فلا بد لنا من أن نحيط ببعض المعلومات التي تتناقلها وسائل الإعلام مؤخراً، المحلية منها والعالمية، والتي تتعلّق بشكل مباشر باختراقات وتجاوزات لخصوصية بعض المرشحين المحتملين للانتخابات، بل والتجسس على أبرز المرشحين المنافسين للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، وهو النائب في البرلمان المصري ورئيس حزب الكرامة الأسبق أحمد الطنطاوي.
فقد كشفت صحيفة واشنطن بوست عن معلومات موثّقة حول تقنيات التجسّس على هاتف المرشح الطنطاوي. وجاء في تقرير لها أن محاولات التجسس تمت عبر برنامج “بريداتور” باستخدام طريقة هجومية تدعى “يوم الصفر”. ووفقاً للصحيفة، فإن عمليات التجسس عبر هذا البرنامج استغلت الثغرات الأمنية في نظام آبل التي لم يتم اكتشافها بعد، ما يمنح المخترق الوقت اللازم للدخول المستمر والمتكرّر على هاتف الضحية المستهدفة.
وكان مختبر “ستيزن لاب” المختص بمراقبة أمن الإنترنت ومقرّه كندا، أول من كشف عن استهداف هاتف البرلماني المصري الأسبق ببرنامج تجسس إلكتروني مباشرة إثر إعلانه عن نيّته الترشح لانتخابات الرئاسة المصرية العام 2024.
سارع الطنطاوي إلى إصدار بيان رسمي في هذا الشأن أوضح فيه أن عملية التجسس أتاحت سرقة جميع الملفات والبيانات المخزنة على هاتفه وتسجيل المكالمات بما فيها تلك التي تجرى عبر التطبيقات التي تستخدم الإنترنت، وكذا تشغيل الميكروفون والكاميرا في الجهاز بما يسمح بتسجيل المحادثات التي تجري في محيطه حتى في حالة إغلاقه.
الرئيس السيسي تمكن في أبريل/نيسان للعام 2019 من ترتيب استفتاء على تعديلات دستورية تسمح بتمديد ولايته الثانية من أربع إلى 6 سنوات لتنتهي العام 2024، مع إمكانية الترشح لولاية ثالثة
تأتي هذه الحادثة في وقت يستعد فيه من يريدون الترشح لانتخابات الرئاسة المصرية لإعلان دخولهم السباق الرئاسي مقابل الرئيس الحالي السيسي، وفي مرحلة حرجة تمرّ فيها مصر، تشوبها صعوبات معيشية جمّة تستحوذ على يوميات وهموم غالبية الشعب المصري حيث تشهد البلاد ارتفاعا قياسيا في الأسعار وانهيارا مستمرا في قيمة العملة المحلية.
من نافل القول في هذا المقام أن الرئيس السيسي تمكن في أبريل/نيسان للعام 2019 من ترتيب استفتاء على تعديلات دستورية تسمح بتمديد ولايته الثانية من أربع إلى 6 سنوات لتنتهي العام 2024، مع إمكانية الترشح لولاية ثالثة مدتها ست سنوات تنتهي في العام 2030.
وفي ظل تضخّم الإمبراطورية الاقتصادية التي يسيطر عليها الجيش المصري في مختلف القطاعات الحيوية، وفي دولة حكمها في السبعين عاماً الأخيرة خمسة جنرالات متعاقبين، في ظل هذه الشروط مجتمعةً، قد يكون من الصعب جداً على المؤسسة العسكرية أن تغامر بمكاسبها وموقعها في السلطة وتتخلى عنها دفعة واحدة لرئيس مدني. إلا أن تراجع شعبية السيسي في ظل استمرار تدهور الوضع الاقتصادي قد يغير بوصلة قادة الجيش، ولا سيما في حال تحول التذمّر الشعبي العام من الهمس إلى العلن.
ما يزيد من ضبابية المشهد السياسي في مصر، تلك الانتقادات التي تصدر من وقت لآخر من عواصم خليجية هي أصلاً داعمة للرئيس السيسي، وذلك بالتزامن مع عزوفها عن الاستمرار في دعمه بهبات وقروض مالية سخية غير مشروطة، مقارنة بدعمها له في وقت سابق.
تخشى الأوساط المصرية الحاكمة أن يكون السيسي قد خسر بالفعل دعم أصدقائه في دول الخليج العربي بعد أن تخلى عن حلفائه في ملفات حساسة، وأهدر عشرات المليارات في مشاريع ليست ذات جدوى اقتصادية أو إصلاحية.
فالمملكة العربية السعودية لا تريد أن ترى مصر تتحول إلى ثقب أسود يبتلع حزم المساعدات بمليارات الدولارات دون أن تنعكس تلك المساعدات إيجاباً في بيانات التنمية والإصلاح الاقتصادي ودون أية زيادة تُذكر في معدل الدخل الفردي للمواطن المصري، ما يساعد على استقرار حال الاقتصاد والبلاد.
تلتقي واشنطن مع عواصم عربية عديدة في الرغبة بدوام الاستقرار في دولة كبرى في المنطقة عدد سكانها هو الأعلى بين الدول العربية، ولا تريد أن ترى اضطرابات في الشارع قد تفتح باب المجهول عريضاً على مصر
أما الولايات المتحدة الأميركية، فقد قامت مؤخراً بتعليق حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 85 مليون دولار لمصر، وأعادت توجيهها إلى تايوان. والسبب يعود كما أشارت إدارة الرئيس بايدن في رسالتها للكونغرس إلى قلق واشنطن بشأن ملف الاعتقال السياسي والسجناء من الناشطين وانتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها أجهزة الأمن المصرية. وأفاد رئيس اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، كريس مورفي، في اجتماع لمجلس الشيوخ بقوله “إن حجب 85 مليون دولار كدفعة أولى من المساعدات لمصر مرتبط بعدم إيفاء مصر بتعهداتها بالإفراج عن السجناء السياسيين”، وأضاف أنه يتعين على الرئيس بايدن أيضاً “حجب مبلغ 320 مليون دولار بالكامل إلى أن يتحسن سجل مصر في مجال حقوق الإنسان وانتهاج نظم الديمقراطية والحوكمة”.
تلتقي واشنطن مع عواصم عربية عديدة في الرغبة بدوام الاستقرار في دولة كبرى في المنطقة عدد سكانها هو الأعلى بين الدول العربية، ولا تريد أن ترى اضطرابات في الشارع قد تفتح باب المجهول عريضاً على مصر، والرئيس الحالي يحقق استقراراً إلى درجة ما. إلا أن تحفظاتها على الأداء السياسي لمنظومة السيسي، واحتكار السلطة والموارد التي تقع بمجملها في قبضة الجنرالات، يطرح أسئلة عديدة على مستقبل الديمقراطية والحياة المدنية في البلاد.
فهل الدعم الإقليمي والدولي المنحسر عن الرئيس السيسي هو مجرد إشارة إلى أن استمراره في فترة رئاسية ثالثة مرتبط بحتمية التحول نحو إصلاح جذري في برنامجه السياسي والاقتصادي، والانفتاح الصادق على المعارضة، وتمكين الحراك المدني الحرّ دونما تضييق، أم أن للشارع المصري – وهو سيد الموقف بلا منازع – رأياً آخر؟!
أتساءل.