icon
التغطية الحية

مشاهد مروّعة من المقابر الجماعية في سوريا: قصص ضحايا لم تُروَ بعد

2024.12.20 | 06:17 دمشق

345
أبو خالد، مزارع يسير بالقرب من موقع مقبرة جماعية في نجها بريف دمشق، 15 كانون الأول 2024. رويترز/عمرو عبد الله دلش
تلفزيون سوريا - خالد حمزة
+A
حجم الخط
-A
إظهار الملخص
- اكتشاف مقابر جماعية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، تحتوي على جثث آلاف السوريين الذين قُتلوا تحت التعذيب، مما يبرز حجم الكارثة الإنسانية وضرورة كشف الحقيقة وإنصاف الضحايا.
- "مجزرة التضامن" تُعد من أبشع الجرائم، حيث وثقت عمليات إعدام وحرق للضحايا في حي التضامن بدمشق منذ 2013، مما أثار رعب السكان المحليين.
- المنظمات الحقوقية تسعى لكشف المزيد من المقابر وتوثيق الجرائم، مع دعوات لإحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية لضمان العدالة للضحايا.

في أعقاب سقوط نظام الأسد، بدأت تتكشف فصول مروّعة من تاريخ قمع النظام السابق، فقد تم العثور على مقابر جماعية تضم جثث آلاف السوريين الذين قُتلوا في زنازين المعتقلات بعد سنوات من التعذيب والاختفاء القسري. 

توزعت المقابر الجماعية المكتشفة حديثا على مناطق واسعة تمتد من ريف دمشق الشمالي والعاصمة دمشق إلى الريف الجنوبي، وصولا إلى محافظة درعا. 

وأعلن فريق الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) أن فرقه ما زالت تتلقى بلاغات مستمرة عن وجود جثث مجهولة في مواقع  متفرقة داخل سوريا، مما يعكس حجم الكارثة الإنسانية واستمرار الحاجة إلى جهود عاجلة لكشف الحقيقة وإنصاف الضحايا.

وأكد الفريق في بيان أن هذه الجثث المبلغ عنها يجري توثيقها وحفظ مقتنياتها، ومن ثم نقلها ودفنها في أماكن مخصصة وبطريقة لائقة تتناسب مع العادات المجتمعية والدينية، وبما يساعد في إمكانية التعرف عليها لاحقاً.

من بين هذه الفظائع، برزت المقبرة الجماعية الناجمة عن "مجزرة التضامن" كأحد أبرز الأمثلة، بعدما وثقت بكاميرات القتلة الذين أعدموا ورموا الضحايا في حفرة أضرمت فيها النيران في حي التضامن جنوبي دمشق، ليخلّد هذا المشهد كواحد من أكثر الجرائم قسوة في تاريخ سوريا الحديث.
يومها، ظهر العنصر في قوات النظام أمجد يوسف في مقطع فيديو نشر عام 2022، يوثّق لحظات مرعبة وهو يقود رجالا عزّلا معصوبي الأعين نحو خندق كبير، طالبا منهم الركض ليطلق النار عليهم من مسافة قريبة، سواء عند اقترابهم من حافة الخندق أو بعد سقوطهم فيه.

لكن هذه الواقعة التي وثّقت ذلك اليوم لم تكن الوحيدة؛ فسكان حي التضامن جنوبي دمشق أكدوا أن هذه الجرائم بدأت في عام 2013، لكنها استمرت لسنوات لاحقة. تحدث السكان عن مشاهد مروعة لقوات النظام وهي تحضر أشخاصا مقيّدين إلى حي التضامن، يسمعون بعدها أصوات طلقات نارية يعقبها انتشار رائحة لحم محترق.

وقال أحد سكان الحي لوكالة رويترز إن أصوات إطلاق النار ورائحة اللحم المحترق استمرت حتى عام 2019. وأشار إلى أن قوات أمن النظام كانت تطلب في كثير من الأحيان من بعض السكان مساعدتها في حفر مقابر جماعية مما يعني وجود عدد من المقابر الجماعية في التضامن.

استطاعت المنظمات الحقوقية والمنظمات الإنسانية الوصول إلى هذه المقابر عقب سقوط النظام كما جرى اكتشاف مقابر جماعية أخرى لم يسلط عليها الضوء سابقا وهي:

مقبرة جماعية في جسر بغداد

وفي 16 كانون الأول الجاري، رصدت وكالة الأناضول، مقبرة جماعية في منطقة جسر بغداد بريف العاصمة السورية دمشق، حيث عثر على بقايا جثث يعتقد أنها تعود لمدنيين قتلوا على يد النظام السوري المنهار، مشيرة إلى أنّ المقابر الجماعية عثر فيها على أكياس يعتقد أنها تحتوي على رموز السجون وأسماء القتلى في حفر طويلة وعميقة لجثث مدفونة بعضها فوق بعض.

ورصدت وكالة الأناضول مقبرة جماعية في منطقة الحسينية بريف دمشق، وأظهرت المشاهد المصورة أكثر من 100 حفرة يصل عمقها إلى نحو 20 متراً، تضم جثامين مكتظة لأشخاص يُعتقد أنهم اعتقلوا على يد قوات نظام الأسد.

مقابر جماعية في نجها بريف دمشق

وفي مقبرة نجها بريف دمشق، كشف حارسها أيمن خليل، في شهادته عن أحداث مروعة شهدها في المقبرة منذ بدايات الثورة السورية، مؤكدا مشاهدته لسيارات شحن كبيرة تحمل جثثا فرّغت في حفر داخل المقبرة.

وفي إحدى المرات، وصف خليل في حديث لوكالة الأناضول كيف اضطر إلى الابتعاد بسبب الرائحة القوية المنبعثة من الجثث. وأكد أن عمليات الدفن كانت تتم أحيانا خلال النهار في بداية الثورة، ثم أصبحت تجرى ليلا باستخدام معدات ثقيلة مثل الجرافات.

أشار خليل إلى أن رؤية آلية الحفر الكبيرة على مدخل المقبرة كان يعني عملية دفن ضخمة، موضحا أن أعداد الجثث كانت تتراوح بين 100 إلى 150 في الشحنة الواحدة أحيانا.

543
منظر بطائرة بدون طيار يظهر موقع مقبرة جماعية في نجها، سوريا، 17 كانون الأول 2024. رويترز/عمار عوض

مقبرة جماعية في ريف درعا

كما عثر أهالي ريف درعا (يوم 16 كانون الأول) على مقبرة جماعية في أطراف مدينة إزرع، تعود إلى أكثر من عشر سنوات. وتقع في منطقة كانت تخضع لسيطرة ميليشيا تابعة لفرع الأمن العسكري التابع للنظام السوري. 

وأفادت شبكة "درعا 24" الإخبارية المحلية أن المقبرة اكتُشفت في مزرعة تُعرف باسم "الكويتي"، التي كانت سابقاً تحت سيطرة تلك الميليشيا. مع غياب أي تقديرات دقيقة بشأن العدد الإجمالي للجثث المستخرجة من الموقع إلى الآن.

مقبرة جماعية على طريق مطار دمشق

كما انتشلت فرق البحث في الدفاع المدني السوري رفات 21 جثة منقولة مجهولة الهوية من موقع في ريف دمشق الشرقي، عقب بلاغ  وصل للفرق بوجود رفات منقولة غير مدفونة في موقع طريق مطار دمشق الدولي في ريف دمشق الشرقي.

وتبين عند معاينة الموقع أنه عبارة عن أرض زراعية غير مستثمرة، يوجد فيها ركام وأتربة، وبحسب شهود عيان وأهالٍ في المنطقة فإن هذه الرفات لم تكن موجودة في المكان وشاهدوا سيارة محملة بهذه الرفات ووضعتها في المكان وغادرته وكان ذلك بتاريخ 9 كانون الأول 2024.

المقبرة الجماعية في القطيفة

وفي اليوم التالي، (17 كانون الأول) أعلن مدير المنظمة السورية للطوارئ معاذ مصطفى عن بدء العمل في مقبرة جماعية ضخمة في منطقة القطيفة، شمالي العاصمة دمشق، تحتوي على عشرات الآلاف من جثث المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب أو في ظروف قاسية داخل سجون النظام السوري بين عامي 2012 و2018. واستطاعت الفرق الوصول إليها عقب سقوط النظام بعد أن كشف عنها شاهد أطلق عليه اسم: "حفار القبور" قبل سنوات.

وقال مصطفى لتلفزيون سوريا إنهم بدأوا جمع عينات من مقبرة القطيفة التي كشف عن تفاصيلها الشاهد "حفار القبور" عام 2021 والذي هرّبته المنظمة خارج سوريا للإدلاء بشهادته في عدة محاكم دولية.

وأوضح المصطفى بأن المعلومات الأولية حول المقبرة ظهرت في عام 2021 عندما كشف الشاهد "حفار القبور" عن وجود موقع دفن جماعي للنظام السوري في منطقة القطيفة.
 

وتقع المقبرة في منطقة القطيفة شمالي دمشق، وهي عبارة عن خطوط حفر ضخمة، بعمق خطوط يتراوح بين 6 و7 أمتار، بطول يتراوح بين 50 و150 متراً، وعرض 3 إلى 4 أمتار.

وكانت الشاحنات التي كانت تنقل الجثث تفرغ حمولتها في المقبرة مرتين أسبوعياً، مع تقدير بأن كل شاحنة تحمل نحو 100 جثة.

ويقدر مصطفى أن النظام السوري المخلوع دفن في المقبرة 800 جثة أسبوعياً خلال الفترة ما بين عامي 2012 و 2018 بعد أن امتلأت مقبرة نجها.

وأكد عمال كلفوا بمهام الحفر في تلك المقبرة أن الشاحنات كانت تصل بانتظام إلى الموقع، محملة بجثث معتقلين قضوا في السجون، وأن عملية الدفن تتم بسرية تامة، تحت إشراف مباشر من عناصر أمنية وعسكرية، وكانت الجثث تلف بأكياس بلاستيكية في غالب الأحيان، وبعضها يحمل علامات واضحة للتعذيب.

وأضاف العمال أن فرع المخابرات الجوية السورية كان مسؤولاً عن نقل الجثث من المستشفيات العسكرية، حيث تم جمع الجثث بعد تعذيبها حتى الموت، إلى فروع مخابرات مختلفة، ثم يتم إرسالها إلى موقع المقبرة الجماعية.

ونقلت الجثث إلى المواقع بوساطة مكتب الجنازات البلدي في دمشق الذي ساعد موظفوه في تفريغها من مقطورات الجرارات المبردة.

324
مقبرة جماعية، في القطيفة، سوريا في 8 آب 2022. Maxar Technologies/Google/Handout عبر REUTERS

مقبرة في السيدة زينب بريف دمشق

ويوم 18 كانون الأول الجاري، عُثر على بقايا جثث في مستودع للأدوية بمنطقة السيدة زينب في العاصمة دمشق يعتقد أنها تعود لأكثر من 20 شخصاً، بينهم أطفال، وُجدت داخل مستودع يحتوي على مخزن للتبريد. 

وقال عمار سلمو، عضو مجلس الدفاع المدني السوري، في تصريحات للأناضول أنهم باشروا بفحص مستودعات الأدوية، مضيفا: "هذا المكان كان يُعتقد أنه مستودع للأدوية، لكن عند دخوله تبين أنه مخزن للتبريد مخصص لتخزين الجثث المتعفنة والهياكل العظمية".

وتابع سلمو: "تحاول فرقنا توثيق الجثث. نجمع الهياكل العظمية ونحاول تحديد عدد الضحايا"، مشيراً إلى أنه سيتم إجراء فحص الحمض النووي على الجثث لاحقا.

وأشار سلمو إلى أن منطقة السيدة زينب كانت تُعد معقلاً للميليشيات الإيرانية قبل انهيار النظام السوري في 8 كانون الأول الجاري.

مقبرة جماعية في عدرا

وأيضا، عثر على مقبرة جماعية داخل نقطة عسكرية تابعة للنظام المخلوع تحوي رفات معتقلين قتلوا تحت التعذيب قرب مدينة عدرا في ريف دمشق.

وبث تلفزيون سوريا مشاهد جوية لموقع المقبرة تظهر امتدادها على مئات الأمتار وبني في محيطها جدار لمنع الاقتراب منها، ودفنت الجثث في حفر طولية ووضع فوقها قطع اسمنتية.

وقال الدفاع المدني السوري إن فرقه انتشلت رفات 7 جثث، وجاءت عملية الانتشال بعد بلاغ وصل لفرق الدفاع المدني السوري بوجود رفات ضمن قبر مفتوح، في الموقع الواقع قرب مدينة عدرا في ريف دمشق الشرقي.

مطالبات بعدم العبث بالمقابر الجماعية

وكان مدير منظمة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) رائد الصالح دعا السلطات الحالية في سوريا إلى منع العبث بالمقابر الجماعية وإغلاق المعتقلات والسجون، لحماية الأدلة اللازمة لمحاسبة "المجرمين".  

وقال الصالح، عبر حسابه على منصة "إكس": "إن ما يحدث في مراكز الاعتقال السابقة والسجون والمقابر الجماعية من بعض الجهات أو الأفراد أو بعض المؤسسات الإعلامية هو تصرفات غير مسؤولة وغير مهنية".  

وأضاف أن "هذه التصرفات قد تصل إلى حد المتاجرة الرخيصة بمشاعر ذوي المعتقلين والمفقودين وآلامهم"، مشيراً إلى أن لهذه الأفعال أضراراً نفسية جسيمة على ذوي الضحايا، إضافة إلى آثارها السلبية على قضية المفقودين والمعتقلين قانونياً وإنسانياً. ولفت إلى أنه "يأمل ألا يكون تدمير الأدلة الجاري حالياً جزءاً من عملية ممنهجة ومقصودة"، مؤكدا على ضرورة منع الدخول إلى المقابر الجماعية أو العبث بها، نظراً لأهميتها في كشف مصير المفقودين ومحاسبة الجناة".  

ودعا ناشطون حقوقيون إلى إحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية باعتباره جريمة ضد الإنسانية. كما شدد الحقوقيون على أهمية حماية الشهود وضمان حصولهم على الدعم القانوني والأمني.

وفي النهاية، فإن اكتشاف هذه المقابر يعيد فتح جراح عائلات المعتقلين الذين فقدوا أبناءهم في ظروف غامضة. وعلى الرغم من مرور سنوات، ما زالت العديد من الأسر السورية تبحث عن إجابات حول مصير أحبائهم، خاصة بعد إفراغ المعتقلات التي لم يخرج منها سوى بضعة آلاف في حين أن نظام الأسد كان يحتجز 136,614 شخصاً تحت ظروف الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري بحسب ما أوردته الشبكة السورية لحقوق الإنسان.