مستقبل مسارات التطبيع العربي والتركي مع النظام السوري

2024.02.28 | 07:24 دمشق

آخر تحديث: 28.02.2024 | 07:24 دمشق

مستقبل مسارات التطبيع العربي والتركي مع النظام السوري
+A
حجم الخط
-A

يخطئ السياسي بشدة حين يجعل نفسه منجماً متنبئاً بالمستقبل، لكن لا بدّ له من استشراف هذا المستقبل ووضع التوقعات الإيجابية والسلبية منطلقاً من معطيات الواقع والتجربة، كي يعمل بمنهجية، واضعاً أهدافاً محددة يعمل عليها لتحقيقها لتصب في هدفه النهائي، رفاه وسعادة شعبه ووطنه الذي يعمل لأجله، وعليه أن يقوم بمراجعة دورية دائمة لهذا الاستشراف ليرى ماذا تحقق منه؟ وما الذي لم يتحقق؟ وبالتالي يتلافى أوجه النقص.

هذا الاستشراف كما أسلفت سابقاً يعتمد على ما بين أيدينا اليوم من معلومات ومعطيات، وقد يظهر مستجد ما في المستقبل يطيح بكل ما توقعناه، لهذا فإن المراجعة الدائمة، والانطلاق من قواعد صلبة، أمر ضروري وحيوي، لهذا فإنني أعتقد أن أفضل مدخل للانطلاق هو ما خبرناه وعلمناه عن هذا النظام منذ ما قبل الثورة وحتى اليوم، من طبيعته الاستبدادية المافيوية التي تعتمد الحل الأمني في مواجهة أي مطلب حقيقي من مطالب الشعب السوري، حتى لو كان المطلب غير سياسي، كتوفير الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم في مناطق وجوده وسيطرته (فرص عمل ورواتب مناسبة للأسعار ومحاربة الفساد بشكل حقيقي وتنمية اقتصادية ...الخ)، - إن انطلقنا من هذه الحقائق – فسنجد أنفسنا متأكدين أن هذا النظام لن ينجح أبداً في تقديم حلول للمجتمع السوري، وبالتالي ستبقى معاناة الناس إلى أن تنضج جرأة في الانفجار كانتفاضة بوجهه، خصوصاً مع ازدياد التغول الإيراني وضغوطه على الأسد، ومحاولته نهب كل ما يمكن نهبه من خلال الأخير الذي يحاول تعويض ذلك من جيوب المواطنين السوريين، مما يزيد من الضغوط عليهم.

بعد الغرق الروسي في مستنقع أوكرانيا، لا تحبذ روسيا أن تكون سوريا بكاملها في القبضة الإيرانية، لهذا تحاول أيضاً بدورها الالتفاف والمناورة، مع تركيا تارة، ومع المبادرة العربية تارة أخرى

يحاول بشار الأسد التملص والمماطلة، وهو لا يريد الإطباق الكلي عليه من قبل الإيرانيين الذين لا يرغبون بتغييره، لكونه الوحيد حالياً الذي يحقق المصالح الإيرانية، وهم يرغبون به كواجهة فقط، دون قوة داخلية حقيقة قادرة على اتخاذ القرار.

وبالوقت نفسه وبعد الغرق الروسي في مستنقع أوكرانيا، لا تحبذ روسيا أن تكون سوريا بكاملها في القبضة الإيرانية، لهذا تحاول أيضاً بدورها الالتفاف والمناورة، مع تركيا تارة، ومع المبادرة العربية تارة أخرى.

طرحت وما تزال عدة مشاريع للحل، لكنها كلها تلبي مصالح القوى الدولية والإقليمية، ولا تلبي مصالح الشعب السوري، منها مثلا مشروع روسي، يعتمد على قضم المناطق من الأسد لصالح قوى محلية تابعة لروسيا بشكل مباشر، (الساحل السوري، الجزيرة السورية، درعا والقنيطرة والسويداء)، وتأجيل بحث حلب لما لها من خصوصية تركية – حسب المصادر – ودمشق كمركز نفوذ لنظام الأسد، تقوم هذه القوى المحلية بإخراج القوات الإيرانية وإضعاف نفوذ الأسد، تمهيداً لإجباره على توقيع اتفاق لرحيله مع حمايته من المحاسبة لاحقاً.

النظام السوري غير معني أبداً بتقديم أي تنازل، سواء عبر مسار أستانا أو نهج الخطوة مقابل خطوة، أو مسار التطبيع العربي التركي، بالإضافة إلى أنه غير صاحب قرار في هذه الملفات، فقد أصبح القرار للاحتلال الإيراني، وهو من يقرر المسار من عدمه.

في الحديث عن التطبيع العربي - التركي، أرى أنه وصل إلى حائط مسدود، وما نراه من تقارب سعودي إماراتي مع النظام، وتبادل السفراء معه، ناجم عن مسار التقارب الإيراني - السعودي، وليس عن مسار التطبيع، وبالوقت نفسه البحث عن مصالح هذه الدول في سوريا، باعتبارها كعكة قد تقتسم بيوم ما، ومن الضروري بمكان الاقتراب من الأرض، وبناء علاقات، والتموضع داخل شبكات المصالح، لتضع نفسها شريكا في الحل، بما يخدم مصلحتها، خصوصاً بعد الضربات الأردنية على الجنوب السوري، وتوقف لجنة الاتصال العربي عن العمل، وعدم الدعوة لجلسات جديدة.

قد يكون هناك تواصل فردي بين الأردن والنظام عن طريق أجهزة الأمن المختلفة، من أجل موضوع أمن الحدود، لكن لن يحدث تطبيع بينهما بعد فشل النظام في ملف أمن الحدود، وبعد المعركة التي لم تكن اشتباكات بين مهربي مخدرات وقوى الأمن الأردني، بل كانت قوات ميليشياوية تحاول الدخول مع كميات من الأسلحة إلى الأردن بذريعة غزة، وخرجت تصريحات من إعلاميين وشخصيات أردنية قريبة من السلطة تطالب بإيجاد منطقة عازلة على غرار المنطقة التركية.

هذه الملفات ليست بيد النظام ولا يستطيع تقديم للأتراك ما يريدونه، فموضوع "قسد" مرتبط بالأميركان، ولا يمكن أن يفعل بهذا الملف شيء

من الجانب التركي، وبعد أن فاز الرئيس التركي أردوغان في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ويحاول توطيد أركان حكمه واستعادة البلديات التي خسرها (أنقرة وإسطنبول) في الانتخابات الماضية، لم يعد يلهث وراء النظام من أجل اللقاء والمصالحة الشكلية كهدف انتخابي، بل أصبحت تصريحات الأتراك تركز اليوم على عدة أمور منها (مكافحة الإرهاب – "يقصد به طبعاً قسد/PKK"، والعودة الآمنة للاجئين، وطرق التجارة والترانزيت باتجاه دول الخليج، وتقنين وجود القوات التركية بشكل رسمي في الشمال السوري).

وبالتأكيد، فإن هذه الملفات ليست بيد النظام ولا يستطيع أن يقدم للأتراك ما يريدونه، فموضوع "قسد" مرتبط بالأميركان، ولا يمكن أن يفعل بهذا الملف شيئا، أما قضية إعادة اللاجئين، فلا رغبة قوية لدى النظام بعودة معارضيه بأمان، وإلا كان قد استقبل اللاجئين الموجودين في لبنان وخفف العبء عن حليفه حزب الله، وما حوادث اعتقال العائدين من لبنان إلى سوريا وقتلهم تحت التعذيب، سوى محلولة لإخافتهم من العودة إلى سوريا.

وبالتالي ازدياد الضغط عليه بالشق المعيشي الخدماتي، ورأينا كيف فتحت الإمارات أبوابها لاستقبال السوريين وتسهيل حصولهم على إقامة، وكذلك مصر، وكل هذا بهدف تخفيف الضغط عن النظام.

لهذا لا أعتقد أن عام 2024 سيحمل – وفق هذه المعطيات – أي جديد بخصوص تطبيع نظام الأسد مع تركيا والدول العربية.