مخاطر اعتبار سوريا "بلداً آمناً" على حياة اللاجئين السوريين

2024.11.01 | 06:06 دمشق

ترحيل اللاجئين من إيطاليا إلى ألبانيا
+A
حجم الخط
-A

تتصاعد ضغوط عدد من دول الاتحاد الأوروبي لإعادة تصنيف سوريا كـ"بلد آمن"، متجاهلة بذلك تحذيرات متواصلة من قبل منظمات حقوقية دولية وتقارير أممية حول المخاطر التي يواجهها اللاجئون السوريون العائدون قسراً إلى وطنهم.

هذه المحاولات تأتي في إطار مساعي بعض الدول الأوروبية لتخفيف أعباء اللجوء على أراضيها، من دون مراعاة لتبعات هذا القرار على حياة السوريين، الذين واجهوا على مدى أكثر من عقدٍ من الزمان انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من قبل النظام السوري وأطراف أخرى.

بعد اندلاع الثورة في سوريا، عام 2011، نزح نحو 13 مليون سوري داخل وخارج البلاد، وأصبحت سوريا واحدة من أكثر الدول تصديراً للاجئين في العالم، بيد أن ارتفاع تكاليف اللجوء والضغوط الاقتصادية التي خلفتها جائحة كورونا وأزمات أخرى دفع بعض الدول الأوروبية، مثل إيطاليا والدنمارك والنمسا، إلى الدفع نحو إعادة تقييم وضع سوريا واعتبارها بلداً آمناً، مع فرض سياسات أكثر تشددًا تجاه اللاجئين السوريين.

واقع خطر على حياة العائدين

التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات دولية مثل "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة العفو الدولية تؤكّد أنّ العائدين إلى سوريا، سواء أكانوا عائدين بشكل طوعي أو قسري، يواجهون خطر التعذيب والاعتقال والاختفاء القسري، وغالباً ما يتم التعامل معهم كمشتبهين في ولائهم للنظام السوري.

أفادت منظمة العفو الدولية في تقريرها "أنت ذاهب إلى الموت"، أنّ العشرات من العائدين تعرضوا للتعذيب، وسُجّلت حالات اعتقال واختفاء لـ66 شخصاً من بينهم نساء وأطفال، في محاولة واضحة لترهيب العائدين وتعزيز سيطرة النظام على البلاد

في تقريرها لعام 2021، أفادت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة، بأنّ السلطات السورية لجأت إلى "التعذيب وسوء المعاملة" بحق العائدين، وذكر التقرير أن هناك حالات موثقة تشمل التعذيب والقتل في السجون.

ووفقاً للإحصاءات التي أوردتها اللجنة، سُجّلت آلاف حالات الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، بما في ذلك حالات لأطفال ونساء، كما أفادت منظمة العفو الدولية في تقريرها بعنوان: "أنت ذاهب إلى الموت"، أنّ العشرات من العائدين تعرضوا للتعذيب، وسُجّلت حالات اعتقال واختفاء لـ66 شخصاً من بينهم نساء وأطفال، في محاولة واضحة لترهيب العائدين وتعزيز سيطرة النظام على البلاد.

وفي هذا السياق، وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان العديد من حالات الاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري التي طالت اللاجئين السوريين العائدين قسراً من لبنان، إذ أكّدت الشبكة أن عدداً من هؤلاء العائدين تعرّضوا للاحتجاز فور وصولهم إلى سوريا، متبوعاً بإجراءات تعسفية تنتهي غالباً بالتعذيب أو الاختفاء القسري، مما يشكل انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية المتعلقة بحماية اللاجئين.

دور النظام السوري في استغلال اللاجئين

من الواضح أن النظام السوري يسعى إلى استغلال عودة اللاجئين لخدمة مصالحه، في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها سوريا نتيجة لسنوات الحرب والعقوبات الدولية، إذ يرى النظام في عودة السوريين مصدراً محتملاً للدخل ووسيلة للضغط على المجتمع الدولي من أجل تخفيف العقوبات، متذرعاً بحجج "استعادة الاستقرار" و"إعادة الإعمار".

وتشير تقارير إلى أن سلطات النظام السوري تستغل العائدين بشكل مباشر في توفير عملة صعبة عن طريق فرض رسوم وتأمينات على دخولهم، إضافة إلى تقارير حول مصادرة ممتلكات العائدين الذين تغيبوا عن البلاد لفترات طويلة.

النظام السوري لم يتوقف عن استخدام عودة اللاجئين كأداة لتلميع صورته دولياً، إذ يروج لعودة "آمنة" ومشاريع إعادة إعمار وهمية، في حين يعاني الاقتصاد السوري من الانهيار، ويعيش معظم السوريين تحت خط الفقر.

وبحسب تقرير الأمم المتحدة الأخير عن سوريا، فإن أكثر من 90% من الشعب السوري يعيشون تحت خط الفقر، وهو ما يعكس حجم الأزمة الداخلية، وفي هذا السياق، تبرز محاولات بعض الدول لإعادة اللاجئين كخطوة استفزازية من شأنها تجاهل حقيقة الأوضاع داخل سوريا.

موقف المؤسسات القضائية الأوروبية من عمليات الترحيل

في مواجهة هذه الضغوط، تتخذ المؤسسات القضائية الأوروبية موقفاً ثابتاً يدعم حماية اللاجئين السوريين من الترحيل القسري.

المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تؤكّد على أن إعادة أي لاجئ إلى سوريا يعتبر انتهاكاً لمبدأ عدم الإعادة القسرية الذي تحميه المادة الثالثة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي تمنع تعريض الأفراد لخطر التعذيب أو المعاملة اللا إنسانية.

وفي هذا السياق، جاء القرار الأخير الصادر عن المحكمة ضد الدنمارك، والذي حذّر من الترحيل القسري للسوريين، مستنداً إلى تقارير الأمم المتحدة التي تؤكد على أن العائدين إلى سوريا يواجهون "خطراً كبيراً".

محكمة العدل الأوروبية أيضاً تدعم هذا التوجّه، مشيرة إلى أن بيئة النزاع المستمرة في سوريا تجعل من المستحيل ضمان سلامة العائدين، وتعتبر أن تصنيف سوريا كبلد آمن يتناقض مع التزامات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بحماية حقوق الإنسان وضمان حياة كريمة للاجئين.

أسباب بقاء سوريا ضمن قائمة البلدان غير الآمنة

هناك مجموعة من العوامل الموضوعية التي تجعل من الصعب، بل من المستحيل، اعتبار سوريا بلدًا آمنًا. تتضمن هذه العوامل:

  • 1. استمرار الانتهاكات الحقوقية: توثّق التقارير الدولية، بما فيها تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة، استمرار انتهاكات حقوق الإنسان بشكل ممنهج على يد قوات النظام.

هذه الانتهاكات تشمل الاعتقال التعسفي والتعذيب في السجون، إذ ما يزال نحو 130 ألف سوري في عداد المختفين أو المحتجزين.

  • 2. الوضع الأمني المتردي: على الرغم من تراجع حدة النزاع المسلح، إلا أن سوريا ما تزال تعاني من تهديدات أمنية، خصوصاً في المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام، إذ تتعرض تلك المناطق بين الحين والآخر لهجمات إرهابية وصراعات مسلحة بين القوى المختلفة، ما يجعلها غير مستقرة.
  • 3. الأزمة الاقتصادية الخانقة: تعاني سوريا من انهيار اقتصادي تام، وهو ما يجعل الحياة اليومية للعائدين غير ممكنة بسبب نقص الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والمياه والكهرباء.

وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، فإن حوالي 12.4 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، في حين يعيش أكثر من 80% من السوريين تحت خط الفقر.

  • 4. التجنيد القسري والإجراءات الأمنية الصارمة: يعتبر الشباب العائدون هدفاً رئيسياً للتجنيد الإجباري في صفوف الجيش السوري، ما يعرض حياتهم للخطر، خاصة وأن الجيش يشارك في عمليات عسكرية مباشرة.

التوجهات السياسية في دول الاتحاد الأوروبي

تعد إيطاليا والدنمارك والنمسا من بين الدول التي تسعى إلى إعادة النظر في وضع سوريا كبلد آمن، إذ تواجه هذه الدول ضغوطاً داخلية تدعوها للتقليل من أعداد اللاجئين.

وفي هذا السياق، تحاول الدنمارك أن تكون السباقة، فقد اعتبرت بعض المناطق في سوريا “آمنة” للعائدين، لكن تقارير الأمم المتحدة رفضت هذه التصنيفات ووصفت الوضع في سوريا بأنه "غير آمن على الإطلاق".

في إيطاليا، أثير الجدل بشأن إعادة اللاجئين السوريين مع ارتفاع حدة المشاعر المعادية للمهاجرين، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد، إذ تتخذ الحكومة الإيطالية إجراءات مشددة لتحديد من يستحق اللجوء، في حين ترى أن الوضع في بعض المناطق السورية قد يكون ملائمًا للعودة.

خطورة الانسياق خلف وهم الاستقرار

إن فكرة إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم تحت ذريعة عودة الاستقرار تكشف عن تجاهل صارخ للواقع الصعب الذي يعيشه السوريون.

لقد أثبتت تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية أن الأوضاع داخل سوريا ما تزال غير مستقرة، وأن النظام السوري لا يتردد في استغلال عودة اللاجئين لمصالحه الشخصية، في حين تعاني البلاد من أوضاع معيشية صعبة للغاية.

من الأهمية بمكان أن يدرك المجتمع الدولي خطورة التسرع في تصنيف سوريا كبلد آمن، إذ إن مثل هذا التصنيف قد يعرّض حياة اللاجئين السوريين للخطر، ويتناقض مع القيم الأساسية التي بني عليها الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي فيما يتعلق بحقوق الإنسان وحماية اللاجئين.