مراسل تلفزيون سوريا بهاء الحلبي ثاني إعلامي سوري يواجه محاولة اغتيال في مدينة الباب من محافظة حلب. سبقه إلى ذلك زميله حسين خطاب المتعاون مع قناة "تي أر تي" التركية بالعربي، والذي تعرض للاغتيال يوم 12 كانون الأول الماضي، وفارق الحياة إثر رميه بالرصاص في وضح النهار، بينما كان يعد تقريرا للمحطة التلفزيونية. وكان حظ الحلبي أفضل من زميله خطاب فتمكن من النجاة بعد مراوغة المسلحين اللذين طارداه بعد ظهر يوم الأربعاء الماضي، السادس من كانون الثاني. ومن بين حوالي 15 طلقة أطلقاها عليه أصابته ثلاث رصاصات، واحدة في ساقه، والثانية فجرت كفه اليسرى التي حاول أن يحمي بها رأسه، والثالثة اخترقت صدره واستقرت في ظهره، وتمكن المصاب من أن يصل المشفى في الوقت المناسب.
حين جرت عملية اغتيال خطاب تم تمييع القضية منذ البداية، وتم إطلاق إشاعات على أنها تصفية حسابات شخصية، وبعد أن تأكد عكس ذلك، لم تقم الجهات المسؤولة بالكشف عن نتائج التحقيق بالمسألة، ولم يصدر عنها أية تفاصيل حول الجهة التي قامت بالعملية والدوافع التي تقف وراء ذلك، وتم بالتالي تسجيل العملية في خانة الفلتان الأمني الذي صار المسؤول عن عدة عمليات تفجير واغتيالات، وأحصى فريق "منسقو استجابة سوريا" مقتل 55 شخصاً وإصابة 133 آخرين بجراح، في مدينة الباب نتيجة الفلتان الأمني خلال عام 2020. وقال إن الأرقام السابقة نتجت عن خمس عمليات اغتيال، وانفجار ست سيارات ملغمة ودراجة نارية واحدة، إضافة إلى 31 عبوة لاصقة.
يبدو أن تسجيل العمليات في خانة الفلتان الأمني أو التقصير هو أسهل الحلول وأسلم الطرق
ورصد موقع تلفزيون سوريا 43 عملية تفجير عبوات ناسفة في أسواق وأحياء مدينة الباب خلال العام 2020، بينها 7 عمليات ومحاولات اغتيال، كان آخرها بحق الحلبي.
ويبدو أن تسجيل العمليات في خانة الفلتان الأمني أو التقصير هو أسهل الحلول وأسلم الطرق، فمن جهة يريح الجهات المعنية بالتحقيق من وجع الرأس، ومن جهة أخرى لا يدخلها في نزاعات بسبب كشف المعلومات التي قد تقود إلى جهات فوق القانون. ومهما يكن من أمر فإن ذلك لا يعفي أحدا من المسؤولية، وتحديدا الأطراف التي تدير المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، ومنها الحكومة المؤقتة والأجهزة التابعة لها مثل الجيش الوطني والشرطة والقضاء.. إلخ، ولا نستثني هنا السلطات التركية بوصفها هي الراعي لهذه المنطقة والمسؤولة عن أمنها تحديدا، لأنها باتت جزءا من أمن تركيا، وتنعكس كل الحوادث التي تحصل هناك عليها، وبعض التهديدات الأمنية وعمليات التخريب تكون موجهة ضد تركيا، ومن دون شك هناك عدة أطراف تعمل على إفشال كل دور تركي، وخصوصا من طرف النظام السوري وقسد وداعش. ولهذا تقع على تركيا مهمة تأهيل هذه المنطقة وتحصينها أمنيا بالوسائل الحديثة. إلا أن المسؤولية الأولى تقع على الحكومة التي يجب أن تحسم أمرها على مواجهة الوضع.
يتداخل كثير من الحسابات والمصالح، ويتقاطع في ذلك الفساد والجريمة المنظمة والتهريب والتخريب
أما فيما يتعلق باغتيال الإعلاميين، فإن تحدي الجهات المعنية وصاحبة الفائدة من وراء ذلك ليس بالأمر المستحيل. قد يصعب تسمية هذه الجهات وعدم القدرة على مواجهتها، إلا أنه من السهل تحديدها. هي أولا، كل من لا يريد للإعلام الذي يعمل في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام أن يقوم بدوره على أكمل وجه. ثانيا هي الجهات التي تريد التعتيم على المشكلات التي تواجه هذه المناطق وفي طليعتها الفلتان الأمني. وثالثا هي الأطراف الشريكة بالفساد المستشري في هذه المناطق الحساسة التي تعد خط مواجهة مع النظام وقوات قسد، وهنا يتداخل كثير من الحسابات والمصالح، ويتقاطع في ذلك الفساد والجريمة المنظمة والتهريب والتخريب، وهذا المركّب المعقد يمكن له أن يقتل كل من يقف في طريق مصالحه أو يفضح مخططاته ويسلط الضوء على التخريب الذي يقوم به، وهذا يفسر، إلى جانب اغتيال إعلاميين، الاغتيالات التي يتعرض لها قضاة.