مترو دمشق، لِخدمة من؟

2024.09.17 | 06:47 دمشق

2666666666662
+A
حجم الخط
-A

وسط رفض غالبية الشعب السوري، ووسط رفضٍ عربيٍّ وإقليميٍّ ودوليٍّ واسع، تواصل الحكومة في إيران تكبيل حكومة النظام السوري بمشاريع غير واقعية ولا تفيد الشعب السوري، تحت ذريعة العلاقات الودية والصداقة بين الشعبين.

فبعد توقيع عشرات مذكرات التفاهم الاقتصادي والزراعي والتعليمي والصناعي بين حكومة النظام وحكومة الجمهورية الإسلامية في إيران، تأتي زيارة محافظ مدينة طهران إلى سوريا الأسبوع الماضي محمّلة بأجندة جديدة كان أكثرها غرائبية وذهولًا مشروع توأمة مدينة دمشق مع مدينة طهران، في خطوة قد تفضي إلى دمار شامل لتاريخ المدينة وإرثها وما تبقى من معمارها وخصوصيتها.

أما أكثر مخرجات الزيارة ومشاريعها غرابة، فهو توقيع اتفاقية إنشاء "مترو دمشق"، تحت ذريعة حلّ "مشاكل النقل المستعصية" في البلاد منذ نصف قرن.

عموماً، المشروع ليس جديداً، فالمخططات ودراسات الجدوى حول المترو تواصل عرضها على الحكومة السورية منذ سنوات طويلة خلت. وجميعها اصطدمت بجغرافيا دمشق، وتضاريسها، ومشهدها العمرانيّ المرتبط بتراث عريق، وأوابِدَ وآثار لا يمكن هدمها بكل بساطة وجعلها أثراً بعد عين.

سبع طبقات من التاريخ تعاقبت على رسم ملامح عاصمة الأمويين، وجعلت الدراسات السابقة التي قدّمت كثيراً منها دول أوروبية، من بينها دراسة سوفييتية أُنجزت عام 1982، تتراجع خطوة إلى الوراء.

أي عبث بالكهوف تحت أرض دمشق قد يؤدي إلى خللٍ زلزاليٍّ يُفضي إلى تصدّع التربة محدثًا انزلاقات كبيرة قد تجرف المباني في محيط الخط الأخضر بقُطْرِ خمسة كيلومترات.

الدراسة السوفيتية أكدت أن المشروع سيتم تنفيذه بمعدل اثنين كيلومتر في كل عام، لينتهي بالكامل خلال 23 عاماً بمدّ الخط الأخضر الذي يعد من أكثر الأحياء الدمشقية اكتظاظًا بالسكان، بطولٍ إجماليٍّ يبلغ 42 كيلومترًا تتوزّع على عدة خطوط. أما الدراسة الفرنسية التي أشرفت عليها كريستين لاغارد عام 2010 وتوقّفت عند الخط الأخضر بطول 16 كيلومترًا فقط، وبتكلفة 300 مليون يورو كان يفترض أن يقدمها البنك الدولي كمحفظة تعاونية، أو قرض ميسر، فقد توقّفت بدورها عند البنية الجيولوجية لتربة دمشق، فهي تربة، كما وصفتها الدراسة، "رخوة ورطبة ومليئة بالكهوف الهوائية"، مما يشكل تهديداً كبيراً لمعمار المدينة حديثه وقديمه.

وذلك لأن أي عبث بالكهوف تحت أرض دمشق قد يؤدي إلى خللٍ زلزاليٍّ يُفضي إلى تصدّع التربة محدثًا انزلاقات كبيرة قد تجرف المباني في محيط الخط الأخضر بقُطْرِ خمسة كيلومترات.

سيناريو مرعب حدث ما يقترب منه مع تربة التكيّة السليمانية التي هبطت نتيجة ثِقل المبنى والتجويف الهوائي الذي انهار بسبب الارتجاجات والسيارات الكثيفة، فما بالكم في حالة حَفْرِ تربة "رخوة ورطبة ومليئة بالكهوف الهوائية" بمعدات ثقيلة تُحدث اهتزازات كبيرة؟!

يبدو أن كل تلك الدراسات لم تلفت نظر الحكومة الإيرانية، صاحبة الخبرة الكبيرة في حفر الأنفاق ولكن على الطريقة التي يعتمدها الباسداران والباسيج.

ومن نافل القول إن إيران لن تكترث للتراث المادي والحضاري والعمراني في دمشق أو غيرها، حتى لو أدّى الحفر إلى طمس تاريخ المدينة كاملاً، أو العبث فيه على الأقل.

عمدة طهران أعلن البدء بتوأمة العاصمتين في زواج كاثوليكي لا فكاك منه، مانحاً شركات إيرانية حق إنجاز هذه المشاريع، منها ثلاث شركات تابعة للحرس الثوري الإيراني، واثنتين تابعتين لرجال دين مرتبطين بالنظام، من دون أي مناقصات أو إعلان رسمي. من المعروف أن شركات الحرس الثوري هي من تحكم إيران عبر الاقتصاد، ولربما هذا هو لبّ التوأمة وجوهرها، في أن تحكم شركات الحرس الثوري الاقتصاد السوري لآجال غير محدودة، عبر الإمساك بشركات الاتصالات والتنقيب عن النفط والفوسفات والمرافئ والمطار، وأخيراً "مترو دمشق". وفي دولة مثل سوريا، تشكّل هذه المشاريع ثلاثة أرباع الاقتصاد الوطني.

تخطط إيران، على ما يبدو، للحفر عميقاً في الدول التي تسيطر عليها، عبر تجذير وجودها فوق الأرض وتحتها، في أماكن قد لا تجرؤ حكومة النظام ذاتها على الدخول إليها وتفتيشها.

في حالة مشروع المترو والتوأمة، فإن الأمر لا يتوقّف عند السيطرة على الاقتصاد، فثمّة تقارير عديدة تشير إلى أن الحرس الثوري قد يلجأ لحيلة إنشاء المترو من أجل شرعنة حفره لأنفاق خاصة موازية تابعة له، يقوم فيها بوضع مخازن أسلحة كبرى، أو معامل للسلاح الكيماوي، أو أنفاق استراتيجية مرتبطة بالحدود مع لبنان، أو مع المطار، من أجل تسهيل نقل السلاح أو المخدرات أو الرهائن والمطلوبين. أمر مرجّحٌ وغير مستبعدٍ على الإطلاق، حيث إن الضربات الأخيرة التي تلقتها إيران في معامل مصياف للسلاح الكيماوي التي كانت إيران قد أنشأتها منذ عقود، وضربات مطار دمشق الدولي، وحلب الدولي، دفعتها للتفكير خارج الصندوق كي تنقل خبراتها التي أعلن عنها حزب الله حينما أطلق إصداره الإعلاني (عماد 4) الذي يكشف فيه عن أنفاق سرية في لبنان تتسع لمرور شاحنات ضخمة محملة بالصواريخ، إلى دمشق وما حولها. علماً أن عشرات الأنفاق، وبناءً على تصريحات صادرة عن الحزب نفسه، قد تم إنشاؤها، لتفادي الضربات الجوية، في لبنان وسوريا.

تخطط إيران، على ما يبدو، للحفر عميقاً في الدول التي تسيطر عليها، عبر تجذير وجودها فوق الأرض وتحتها، في أماكن قد لا تجرؤ حكومة النظام ذاتها على الدخول إليها وتفتيشها، وذلك لأسباب تتعلق بالصبر الاستراتيجي والتعامل المتأني مع الدول التي تحتلها وتقوّضها من الداخل في الاتجاهات كافة.