أتى الإعلان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، برصد مكافأة مالية مقدارها 12 مليون دولار، لمن يُدلي بمعلومات، تقود إلى اعتقال ثلاثة قادة من حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا، بمثابة رسالة أمريكية متعددة الأوجه والأطراف. فهذا الإعلان نقل الموقف الأمريكي خطوة باتجاه إرضاء تركيا حليفة الولايات المتحدة وشريكتها في حلف الناتو. والتي تخوض حرباً منذ سنوات طويلة، هذا الحزب الذي تعتبره حزباً إرهابياً عابراً للحدود.
لكنّ الخطوة الأمريكية رغم دلالتها الرمزية، لا تزال بحاجة إلى الاستناد على استراتيجية أمريكية حقيقية وشاملة وأكثر وضوحاً حيال حزب العمال الكردستاني (PKK)، هذا الحزب المصنف أمريكياً ودولياً على قوائم الإرهاب. فالنهج الذي يتبناه هذا الحزب يتعدى الحدود الوطنية التركية إلى بلدان المنطقة الأخرى التي يوجد فيها سكان أكراد مثل (إيران – العراق – سوريا). فقواعد هذا الحزب العسكرية تتركّز في جبال قنديل العراقية في الشمال ضمن سلسلة جبال زاغروس، وفي منطقة تطلّ على الحدود الإيرانية التركية مع العراق. هذه القواعد يشنُّ منها حزب العمال الكردستاني عملياته العسكرية ضدّ الدولة التركية، وكذلك تلعب هذه القواعد دور مراكز تدريب لميليشيا قوات الحماية الشعبية الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني في سوريا والمسماة "الأبوجية"، هذا الحزب الذي يعتبر فرعاً سورياً لحزب العمال الكردستاني الذي يتزعمه عبدالله أوجلان الذي يقضي عقوبة سجن مدى الحياة في تركيا.
وكذلك تلعب هذه القواعد دور مراكز تدريب لميليشيا قوات الحماية الشعبية الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني في سوريا والمسماة "الأبوجية"
الخطوة الأمريكية تشير بشكل أولي إلى إمكانية تغيير الموقف الأمريكي من التحالف مع "قوات الحماية الشعبية الكردية" التي تشكّل العمود الفقري لما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية". ولكن ما الفائدة من الإعلان الأمريكي عن مكافأة لاعتقال ثلاثة قادة من حزب العمال في الوقت الذي تعمل الحكومة الأمريكية على تعزيز دور "قوات سوريا الديمقراطية" في مجريات الصراع السوري والصراع الإقليمي. ولذلك تبدو الخطوة الأمريكية خطوةً ناقصةً وغير مكتملةٍ، لا بل يمكن اعتبارها خطوة تناقض خطوات أمريكية أخرى حيال هذا الملف. فكيف تطلب الولايات المتحدة اعتقال قادةٍ من PKK وفي نفس الوقت تقوم بتسليح وتقوية نفوذ فرعه السوري PYD. هذا الموقف يشير إلى تناقض أمريكي على مستوى رؤيتها الاستراتيجية لتكوين وطبيعة حزب العمال الكردستاني، إذ إن مساعدات الولايات المتحدة وتسليحها لـ PYD لا بدّ أن يستفيد منها الحزب الأم PKK. وهذا يشكّل مصدر قلق عميق للدولة التركية التي تُحسُّ بخطورة هذه الازدواجية الأمريكية حيال الموقف من PKK.
ولكن يمكن قراءة الخطوة الأمريكية على أنها رسالة متعددة الأوجه والأطراف، وتحديداً ما يتعلّق منها بالصراع السوري أو على سوريا. وكذلك ما يتعلق منها بالعلاقة الأمريكية التركية، التي بدأت تتحسن منذ أن أطلقت تركيا سراح القس الأمريكي أندرو برونسون والذي كان متهماً بالتجسس ضدّ الدولة التركية. خطوة المكافأة يمكن إدراجها في سياق استرضاء الدولة التركية ومحاولة التقارب العام بين الدولتين، بعد أن وصلت العلاقات بينهما إلى حدود الانهيار. ولكن هذه الخطوة تحتاج إلى خطوات ملموسة، تُزيل وتُنهي أي خطر يهدّد الأمن القومي التركي، والقادم من الأراضي السورية، والمتمثّل بـ "قوات حماية الشعب الكردية". الخطوات الملموسة بالنسبة للدولة التركية تتمثّل بتفكيك الذراع العسكرية لحزب PYD ومنع هذا الحزب وقواته من إقامة إقليم حكم ذاتي على الحدود معها.
فكيف تطلب الولايات المتحدة اعتقال قادةٍ من PKK وفي نفس الوقت تقوم بتسليح وتقوية نفوذ فرعه السوري PYD
الرسالة الأمريكية هذه التي تحدّث حولها السيد ماثيو بالمر وهو الموظف الكبير في وزارة الخارجية الأمريكية نصّت على الأهمية التي تعلقها الولايات المتحدة للتعاون الذي تبذله تركيا حليفة واشنطن في حلف شمال الأطلسي في مجال مكافحة الإرهاب. السيد بالمر تحدّث من تركيا وهذا يعطي دلالة على خطوات التقارب بين الدولتين الأمريكية والتركية.
ولكن النقطة الأهم في الأمر هو التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، فعلى ما يبدو يبحث الأمريكيون عن نقاط تقاطع ممكنة مع الحكومة التركية حول هذا الملف، رغم وجود تناقض في تحديدهما للقوى الإرهابية على الساحة السورية. فالأتراك يرون أن داعش وقوات سوريا الديمقراطية هما قوتان إرهابيتان، في وقت يرى الأمريكيون أن داعش هي ذراع الإرهاب إضافة إلى حزب PKK المحظور في تركيا. هذه هوّة بين الرؤيتين وتحتاج إلى ردمٍ حقيقي من قبل الأمريكيين. فالأمريكيون يمثلون وجوداً طارئاً في المنطقة، بينما يمثّل الأتراك مكوناً هاماً من مكونات المنطقة. ولهذا وكي تصبح خطوة المكافأة الأمريكية خطوة ذات جدوى على صعيد استعادة العلاقات الأمريكية التركية، وعلى صعيد زرع الأمريكيين للثقة لدى قوى المعارضة السورية والشعب السوري، ينبغي على الأمريكيين جعل الموقف من PKK هو ذات الموقف من حزب PYD، باعتبار أن الثاني امتداد وفرع للأول في أهدافه السياسية والاستراتيجية.
الأمريكيون ومنذ أشهر قليلة رأوا بأم أعينهم كيف نشرت قوات سوريا الديمقراطية صورة عبدالله أوجلان زعيم PKK وسط أكبر ساحة في مدينة الرقة بعد طرد داعش منها، وهذا دليل على ترابط بين الحزبين الكرديين.
الخطوة الأمريكية تحتاج أن تكون جزءاً من استراتيجية أمريكية جديدة. استراتيجية معنية بوضع محددات يتمّ بموجبها تصنيف القوى الإرهابية في المنطقة، هذه القوى المدعومة سرّاً من دول إقليمية أو من دول خارج الإقليم، حيث تلعب هذه القوى دوراً وظيفياً في إرباك حل الصراع السوري وفق القرار الدولي 2254، الذي يعني انتقالاً سياسياً كاملاً للسلطة في سوريا، مما يعني الضرر لهذه القوى ومن تمثله.
تلعب هذه القوى دوراً وظيفياً في إرباك حل الصراع السوري وفق القرار الدولي 2254، الذي يعني انتقالاً سياسياً كاملاً للسلطة في سوريا
الخطوة الأمريكية تحتاج إلى خطوات ثقة إضافية، كخطوة إخراج قوات سوريا الديمقراطية من منبج، والامتناع عن تسليح هذه القوات ضمن أفق الحل السياسي الشامل في سوريا والذي ينهي الصراع ويأتي بحكومة انتقالية تمثّل كلّ السوريين.