ما هو تأثير المتغيرات في رقعة الشطرنج العالمية على سوريا؟

2024.09.20 | 06:28 دمشق

255555555
+A
حجم الخط
-A

يعيشُ العالمُ فترةً انتقالية، حيث لا وجود لقوة كبيرة مهيمنة على المشهد، كما كان الوضع إبان الحرب الباردة، أو بحقبة القطب الأوحد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، قطب العم سام.

وتسعى الصين الصاعدة اقتصادياً وتكنولوجياً، والتي تمتلك مقومات تسمح لها بأن تكون صاحبة قرار جيوسياسي في العالم، من مساحة كبيرة وعدد سكان وتقدم اقتصادي وتكنولوجي وخلافه، لتحلَّ مكان العم سام، فيما يسعى الأخير لتفادي الانهيار عن عرش القطب الأوحد. ويسعى بوتين كذلك لاستعادة مكانة روسيا كإمبراطورية، بصدره العاري وهو يركب الحصان تارة، أو يسبح في بحيرة متجمدة بسيبيريا، مفتخراً بعضلات بدأت تسترخي على جسده تحت تأثير اثنين وسبعين عاماً مضت على ولادته، واقتصاد متدهور، وحروب شارك بها تستنزف اقتصاده ومقدرات بلاده، حتى أن المعارك انتقلت لتصيب عمق بلاده.

في المقابل، يحاول العم سام الحفاظ على مكانته متربعاً على صدارة قوى العالم، كأقوى قوة عسكرية اقتصادية على الكرة الأرضية، وما بينهما مجموعة من القوى الإقليمية التي تحاول أن تأخذ لها مكانةً مرموقةً في هذا العالم مثل تركيا وإيران والسعودية والهند والبرازيل.

الولايات المتحدة لا تؤيد توسيع حق النقض للأعضاء الجدد في مجلس الأمن، ولا إلغاءه للأعضاء الحاليين.

الخريطة العالمية

ينقسمُ العالم إلى قوى البر وقوى البحر، وبينما تعيش الولايات المتحدة كجزيرة كبيرة، يمكن لقوى البر أن تعزلها، وتكون هي القوة العالمية المهيمنة، قامت ببناء أساطيل ضخمة، هيمنت فيه على العالم، مستفيدة من حربين عالميتين في البر الرئيسي أنهكت القوى العالمية القديمة، ودفعتها لتكون بالمركز الثاني، واستطاعت أن تهيمن على العالم مستفيدة من قوتها البحرية، وقوة اقتصادها ونظامها الديمقراطي والتقدم التكنولوجي والتحالفات الدولية التي صنعتها "الناتو"، والنفوذ الثقافي "الأفلام السينمائية في هوليود".

واجهت أميركا مجموعة من التحديات عبر تاريخها، سواء في الحرب الباردة، أو الحرب في فيتنام، والعراق وأفغانستان وغيرها، وتواجه اليوم تحديات بصعود الصين، والتحالفات الناشئة التي تصنعها مثل "منظمة شنغهاي" في محاولة لإزاحتها عن عرش قيادة العالم، وإحلال نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب بدلاً من نظام القطب الأميركي الأوحد الحالي.

القوى الإقليمية

تحاول هذه القوى البحث عن مصالحها، وعن أدوار أكبر لها، في ظل فرصة تاريخية قد لا تُتاح لها إن تغير النظام العالمي الحالي لنظامٍ آخر، دون أن تكون مشاركة في صياغته وصناعته، وتحجز مكاناً لها فيه، فنراها تشارك في تحالفات مختلفة بعيدة، بل أحياناً متناقضة، مع تحالفاتها القديمة، وتطالب بإصلاح مؤسسات الأمم المتحدة، ومقعد دائم لها، كما في القول الشهير للرئيس التركي رجب طيب أردوغان "العالم أكبر من خمسة" في إشارة للدول الخمسة الدائمة العضوية بمجلس الأمن، وكذلك تطالب البرازيل والهند وألمانيا واليابان بإصلاح مجلس الأمن وبمقاعد دائمة فيه، وأيضاً هناك مطالبات أفريقية لمقعد دائم بالمجلس، وقد دعمت الولايات المتحدة، المطالب بإحداث مقاعد دائمة جديدة لبعض الدول. ففي أيلول (سبتمبر) 2022، أعلن الرئيس جو بايدن من على منصة الجمعية العامة تأييده مطلب تخصيص مقاعد دائمة لأفريقيا وأميركا اللاتينية، وقالت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد في مؤتمر نظمه "مجلس العلاقات الخارجية" غير الحكومي، في أيلول (سبتمبر) 2024 إن "الولايات المتحدة تدعم إحداث مقعدين دائمين لأفريقيا في المجلس"، وهو مطلب تقدمت به الدول الأفريقية، لكن دون أن تمتلك هذه الدول الجديدة حق النقض، فقد أوضحت الوزيرة أن الولايات المتحدة لا تؤيد توسيع حق النقض للأعضاء الجدد، ولا إلغاءه للأعضاء الحاليين.

كما تشارك هذه القوى الإقليمية في تحالفات جديدة وغريبة عنها، فتركيا التي كانت منذ تأسيس "الناتو" عضواً رئيسياً فيه، ورأس حربة متقدماً في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي السابق، والحروب الكثيرة التي قامت بين تركيا (العثمانية) وبين روسيا، لا تشي بإمكانية حصول تحالف مع روسيا البوتينية الحالية، ومع ذلك توجه الرئيس التركي أردوغان إلى الشرق للمشاركة مع بوتين في بعض المشاريع التحالفية كما في سوريا، وملف أستانا وسوتشي، مع شريكتهم الثالثة إيران، والتي أيضاً كانت في حروب تاريخية كثيرة مع هضبة الأناضول منذ أن بدأت الحياة على هذا الكوكب، فتارةً تتقدم القوات القادمة من هضبة فارس أو إيران أو الصفويين (أياً كان اسم الدولة) باتجاه الأراضي التركية أو العثمانية أو السلجوقية أو الرومية (أياً كان المسمى)، وتارةً أخرى العكس، وصنعت القوى الحاكمة لهضبة الأناضول تحالفات عديدة مع قوى محلية سورية في سبيل وقف تقدم الهضبة الشرقية ضد نفوذها، كما في التحالف الذي جرى مع أذينة ملك تدمر.

وكذلك الأمر بين إيران وروسيا، فالتاريخ يوضح صراعاً كبيراً على النفوذ في آسيا الوسطى بينهما، والتاريخ أيضاً يبيّن الصراع بين الصين وروسيا.

العلاقات التاريخية الجيدة مع هضبة الأناضول تنبئ بإمكانية الاستفادة جيوسياسياً من هذه المتغيرات.

تحالف الكره - الشرق الأوسط

يمكن أن نرى بوضوح أن ما يجمع بين هذه الأفرقاء هو العداء والصراع مع أميركا والغرب، فمثلاً إيران التي تمد روسيا بالمسيرات الزهيدة الثمن لتدعم حربها بأوكرانيا، ومؤخراً بالصواريخ البالستية، ترف بعينها تجاه أميركا، وترسل لها إشارات التودد والرغبة بالتفاوض والمقايضة، وكذلك الصين في تحالفها مع روسيا، فهي في صراع دائم معها، وحصلت عدة حروب بينهما، وتخضع حالياً مساحات شاسعة من الأراضي الصينية لروسيا منذ أن تنازلت عنها الصين في معاهدة أيغون 1858 والتي استخدمها رئيس تايوان للسخرية من مطالب حكومة الصين باستعادة تايوان للحفاظ على وحدة الأراضي الصينية، وما زالت إمكانية الصراع قائمة بينهما لأسباب عديدة تتعلق بالنفوذ في آسيا الوسطى والثروات الطبيعية وغيرها.

استخدمت سوريا كمساحة تصفية حسابات بين أفرقاء الصراع العالمي، فأميركا تضع يديها على المناطق الغنية بالثروات الطبيعية، مانعة بذلك نظام الأسد ومن وراءه روسيا وإيران من الاستفادة منها، وقبض ثمن تدخلها العسكري، لحماية نظامه من السقوط على يد الشعب الذي ثار عليه مطالباً بالحرية والديمقراطية، وهي في استنزاف مستمر، خصوصاً ايران، والتي تتعرض بشكل شبه يومي إلى ضربات في سوريا من إسرائيل، ويبدو أن المستقبل لا يحمل الضمانات لاستمرار وجودها العسكري المباشر في سوريا ولبنان نظراً لتشكيلها خطورة وطوقاً من نار على إسرائيل، وبانسحابها من سوريا سيتشكل فراغ لن تستطيع القوى المحلية - بشكلها الحالي – تعبئته، وهذا ما لقطته تركيا وروسيا، والتي ضغطت على نظام الأسد لدفعه إلى المصالحة مع تركيا، وإعادة الدفء للعلاقات بينهما، مما يسمح لها بملء هذا الفراغ، وأعتقد أن هذا من مصلحة الثورة استراتيجياً، فالعلاقات التاريخية الجيدة مع هضبة الأناضول تنبئ بإمكانية الاستفادة جيوسياسياً من هذه المتغيرات، بغض النظر عن ممارسات الحكومة الحالية المرفوضة مع السوريين في تركيا والشمال الخارج عن سيطرة الأسد، وبغض النظر عن طريقة إدارتها لتلك المناطق، واعتمادها على فاسدين وإظهار لمحة قومية متعصبة، وممارسات تتبنى تغيير ديمغرافي تجاه الأكراد، والتي يمكن حلها من خلال الحوار وتشكيل قوى ناعمة ضاغطة على أصحاب القرار لتغيير هذه الممارسات، وإفهامهم بأنها تضر بالمصالح الاستراتيجية التركية قبل أن تكون مضرة بالمصالح السورية، فقوى الاحتلال إلى زوال دائماً، ولن تستطيع حكم الناس بالقهر، لكن دخول قلوب الناس يمكنك من الحصول على أكثر مما ترغب.