أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليلة 28 أيار المنصرم وبعد إعلان فوزه في معركة الانتخابات التركية، أن الهدف الاستراتيجي الجديد لحزبه هو انتزاع بلدية إسطنبول من حزب الشعب الجمهوري وداعميه وإبعاد أكرم إمام أوغلو من هناك.
ما الذي تفعله قوى المعارضة التركية من ناحيتها لتجاوز أزمة الثقة التي تفجرت بينها وبين الناخب منذ 3 أشهر وما زالت تعصف حتى اليوم؟
يقول ألتان طان أحد أبرز رؤساء "حزب الشعب الجمهوري" اليساري المعارض "يبدو أن عدوى نظام الرجل الواحد في السلطة انتقلت إلينا أيضا". رسالته هي لكمال كليتشدار أوغلو الذي هزم في الانتخابات الأخيرة لكنه يتمسك بمقعده تحت ذريعة أنه زاد أصوات الحزب ورفع من شعبيته، متجاهلا أن العديد من الأحزاب السياسية الصغيرة في المعارضة دخلت الانتخابات تحت جناح حزب الشعب وباسمه.
يدور الحديث عن سيناريو جديد وتفاهمات حزبية تمت بين إمام أوغلو وبين أوزغور أوزال أحد أبرز أعوان كمال كليتشدار أوغلو في حزب الشعب الجمهوري، على تقاسم السلطة في الحزب حتى موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية في العام 2028
"قطع" رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو على نفسه وعداً بأن يكون أنجح رئيس بلدية خدم في هذه المدينة، وأنه سيستمر في الوفاء بوعده. هو يقول ذلك بعدما كان يمني النفس بإزاحة كليتشدار أوغلو والجلوس مكانه على رأس الحزب. لم يمكنه الأخير من ذلك بسبب دعم القواعد والكوادر الحزبية له، فقرر كما يبدو تحويل أنظاره من جديد نحو رئاسة بلدية إسطنبول والبقاء هناك لحقبة جديدة.
يدور الحديث عن سيناريو جديد وتفاهمات حزبية تمت بين إمام أوغلو وبين أوزغور أوزال أحد أبرز أعوان كمال كليتشدار أوغلو في حزب الشعب الجمهوري، على تقاسم السلطة في الحزب حتى موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية في العام 2028. يبقى الأول على رأس بلدية إسطنبول ويقود الثاني الحزب بدلا من كليتشدار أوغلو بعد إزاحته في المؤتمر العام الاستثنائي المنوي الدعوة إليه في الخريف المقبل.
إذا ما نجحت الخطة التي سيسبقها الكثير من المساومات والصفقات بين الرجلين حول تسوية من هذا النوع، فستكون شمعة التغيير والتجديد التي أشعلها إمام أوغلو بعد الهزيمة الانتخابية في أيار المنصرم والموقع الإلكتروني الذي أسسه وتغريداته هناك قد انطفأت باكرا، وتبخرت معها أحلام القواعد الشعبية في الحزب باحتمال حدوث انتفاضة داخلية تقلب الأمور رأسا على عقب.
يقال في صفوف المعارضة التركية أن من يفوز في مدينة إسطنبول يفوز في تركيا بأكملها. ربح حزب الشعب الانتخابات في المدينة عام 2019 لكنه لم يحقق ما يريد في المدن الأخرى. حزب العدالة والتنمية يريد أن يعكس المعادلة هذه المرة من يفوز في تركيا يفوز في إسطنبول أيضا. هو ربح الانتخابات التركية قبل 3 أشهر ويريد أن يسترد إسطنبول من الشعب الجمهوري في آذار 2024. فهل يكون له ما يريد؟
750 ألف صوت كان الفارق بين إمام أوغلو ومنافسه في تكتل الجمهور بن علي يلدرم عام 2019. حزب الشعب يعول على إقناع إمام أوغلو لسكان إسطنبول بما قدمه لهم من خدمات في السنوات الخمس الماضية أولا. ثم على توحد المعارضة ودعم بقية الأحزاب الصغيرة له ثانيا. ثم فشل أردوغان في اختيار المرشح المنافس ثالثا فهل يتمكن من تجاوز كل هذه العقبات والعراقيل؟
مقامرة حزب الشعب بعد 7 أشهر واحتمال خسارته الانتخابات مجددا أكبر بكثير من مغامرة حزب العدالة. خسارة إسطنبول مرة أخرى هزيمة كبيرة لأردوغان وحزبه. لكن خسارة حزب الشعب وإمام أوغلو ستكون كارثية عليهما. أردوغان في الحكم وسيبقى حتى العام 2028. لكن ما الذي سيحل بحزب الشعب وكليتشدار أوغلو وإمام أوغلو مسألة يصعب إطلاق التكهنات حولها.
يريد الناخب المعارض أن يعاقب الطاولة السداسية وأحزابها على هزيمة أيار المنصرم. إمام أوغلو سيكون أول من سيدفع الثمن حيث قد تنتهي حياته الحزبية والسياسية. فما نوع اللعبة التي قبل بها وهو يجدد ترشحه لرئاسة بلدية إسطنبول وسط كل هذا المد والجذر السياسي في تركيا؟
يريد إمام أوغلو أن يفوز مجددا في إسطنبول ليقود حزبه في معركة عام 2028 الانتخابية في مواجهة حزب العدالة والتنمية، لكن خريطة التحالفات الحزبية والسياسية في تركيا تتغير كما يبدو. الصوت القومي يريد من قياداته أن تتوحد وتدخل الانتخابات ككتلة ثالثة مستقلة عن الحكم والمعارضة. والأحزاب اليمينية الصغيرة لن تظل هي الأخرى على ما هي عليه اليوم وستذهب وراء سيناريو يوحدها فيقويها. فعلى ماذا يعول إمام أوغلو وسط هذه الخلطة المعقدة والمتشابكة؟
يعرف إمام أوغلو حجم العقبات والمشكلات التي تعترضه وهو في الطريق إلى الترشح من جديد:
- هناك فشل المعارضة المدوي في الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة.
- وهناك خيبة أمل الناخب المعارض الذي عول على حزب الشعب والتكتل السداسي لتحقيق حلمه.
- وهناك قوى المعارضة المفككة والمشرذمة التي يستحيل توحيدها لمجرد تسهيل فوزه في إسطنبول.
- وهناك حزب العدالة والتنمية وعامل الرئيس أردوغان الذي يسجل دائما مفاجأة آخر لحظة كما فعل قبل أشهر عبر كسب حزب "الرفاه من جديد" و "هدا - بار" إلى جانبه.
تقول آخر استطلاعات رأي أجريت في إسطنبول أن حظوظ الحكم والمعارضة في الفوز ببلدية المدينة ما زالت متساوية. العدالة والتنمية يدرك جيدا أن مهمته هي إبقاء المعارضة في الحفرة وعدم إخراجها من هناك. والناخب المعارض يتساءل أيضا ما الذي سيدفع أحزاب المعارضة للتوحد من جديد بعد كل هذا التفكك والشرذمة والضربات الموجعة التي تلقتها؟ وكيف ستقنعه بدعمها بعدما رفضت مطلب التغيير والتجديد في صفوفها؟
من يريد أن يحلم بحدوث المستحيل عليه أن يراهن على حصان أكرم إمام أوغلو بأنه سيوصله الأول بين المتنافسين إلى مبنى بلدية إسطنبول مساء 31 آذار المقبل
أعلن أردوغان أن حزبه وتحالف الجمهور جاهز لاسترداد الأمانة ولتسلم رئاسة بلدية إسطنبول من جديد. إذا هو لن يهدي المعارضة رئاسة بلدية المدينة في آذار المقبل وعليها أن تصارع للاحتفاظ بها.
من يريد أن يحلم بحدوث المستحيل عليه أن يراهن على حصان أكرم إمام أوغلو بأنه سيوصله الأول بين المتنافسين إلى مبنى بلدية إسطنبول مساء 31 آذار المقبل.
مشكلة كليتشدار أوغلو وإمام أوغلو في حزب الشعب الجمهوري تلتقي مع مشكلة شيخ القبيلة ومساعده اللذين رأيا بقايا فاكهة فاسدة مرمية في الطريق "كل واحدة منها وسأهديك أجمل خيمة" يقول الشيخ. يفعل الثاني ذلك دون تردد. بعد قليل يعرض المساعد على زعيمه أن يأكل هو من المرمي أرضا فيعيد له الخيمة. يقبل الشيخ ذلك فيسترد الخيمة. الفائز والخاسر هنا يحدده الطعام الفاسد الذي دخل جوفهما. الوضع في مدينة أنقرة شأن آخر لا يمكن تجاهله حتما.