يقف العالم على أعتاب مرحلة مفصلية بالتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، كحدث سياسي لا تقتصر تداعياته على الداخل الأميركي فحسب، نظرًا لما يمكن أن يولده من تبعات على الساحة الدولية، وخاصة منطقة الشرق الأوسط التي تمثل سوريا إحدى أهم ساحاتها الاستراتيجية.
وفي ظل هذه الديناميكيات المعقدة، تظهر أهمية فهم ما ستحدده هذه الديناميكيات وتوجهه خلال الفترة القادمة بناءً على نتائج الانتخابات الأمريكية.
بدون أدنى شك، تكتسب الانتخابات الأمريكية أهمية خاصة في ظل تعقيدات الوضع السوري الحالي. فمنذ بداية تسارع الأحداث في سوريا عام 2011، كان للسياسة الأميركية دور محوري في تشكيل المشهد وتوجيه مساراته. واليوم، مع تصاعد التنافس بين المرشحين (هاريس وترامب)، تطرح التساؤلات حول مستقبل السياسة الأميركية تجاه سوريا وتأثيراتها على المنطقة بأكملها.
تتجلى أهمية الانتخابات الأميركية المقبلة في التباين الواضح بين نهجي المرشحين المحتملين؛ فمن جهة، تعبر كامالا هاريس عن نهج ديمقراطي يفضل الحلول الدبلوماسية والتفاوضية، بينما يتبع دونالد ترامب نهجًا أكثر صرامة في معالجة القضايا الإقليمية.
قد يقول قائل إنه من المنطقي أن يكون انتخاب مرشح ديمقراطي ليس في صالح القضية السورية، فكل المصائب التي حلت بالسوريين جاءت من وراء إدارة أوباما، وكانت كامالا هاريس من فريقه، وكذلك بايدن، ولا يزال أوباما يدير الفريق من الخلف.
عند فوز هاريس، من المتوقع أن تتبنى الإدارة الأميركية استراتيجية تعتمد على عدة نقاط رئيسية، بما في ذلك العلاقات مع إيران. إذ يبدو أن إدارة هاريس تهدف إلى إعادة بناء جسور التواصل مع طهران وإبقائها بعيدة عن التوترات الإقليمية الحالية، مما قد يفضي إلى صفقة إقليمية شاملة تتضمن الملف السوري.
وقد تميل الإدارة الديمقراطية إلى اتباع نهج براغماتي يستند إلى قبول استمرار النظام السوري مع بعض التعديلات في سلوكه الإقليمي وتوجهه السياسي. ومن المحتمل أن يبقى الوجود العسكري الأميركي في شرقي سوريا، مع التركيز على دعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) كحلفاء استراتيجيين.
يمكن توقع عدة سيناريوهات لمستقبل الملف السوري، منها خطة تسوية شاملة قد تحدث إذا فازت هاريس وتبنت نهجًا تفاوضيًا يشمل جميع الأطراف الإقليمية. بينما قد نشهد مواجهة محدودة إذا فاز ترامب وصعّد ضد إيران وأصدقائها في المنطقة.
أما إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض، فمن المحتمل أن نشهد تغييرات كبيرة، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع إيران. قد يتبنى ترامب سياسة المواجهة المباشرة مع إيران وحلفائها، مما يمكن أن يؤدي إلى زيادة التوتر في سوريا. ومن المتوقع أن يكون هناك توافق أكبر مع السياسة الإسرائيلية، خاصة بعد الأحداث في غزة.
وعلى الرغم من تصريحاته السابقة بشأن الانسحاب، فإنه من غير المرجح أن يتخلى ترامب عن وجوده العسكري في سوريا، نظرًا لأهميتها الاستراتيجية.
لكن تظل المصالح الاستراتيجية الأميركية هي العامل الأساسي في تحديد السياسة تجاه سوريا، مثل السيطرة على موارد الطاقة، ومكافحة الإرهاب، وموازنة النفوذ الروسي، وحماية المصالح الإسرائيلية.
ولا يمكن تجاهل المشهد وتطوراته، خاصة وأن أحداث غزة كانت نقطة تحول مهمة في سياق المشهد الإقليمي، مما سيؤثر بشكل مؤكد على مستقبل سوريا. فالأوضاع قبل غزة لن تكون كالأوضاع بعدها، وسيظهر هذا في طبيعة التحالفات وتوازن القوى في المنطقة.
يزيد على ما قيل، أن الملف الإيراني يعد جزءًا أساسيًا في المعادلة السورية، خاصة مع معلومات تشير إلى أن تمدد النفوذ الإيراني في سوريا كان جزءًا من الاتفاق النووي الذي أبرم مع إيران في عام 2015.
وفي ضوء المعطيات السابقة، يمكن توقع عدة سيناريوهات لمستقبل الملف السوري، منها خطة تسوية شاملة قد تحدث إذا فازت هاريس وتبنت نهجًا تفاوضيًا يشمل جميع الأطراف الإقليمية. بينما قد نشهد مواجهة محدودة إذا فاز ترامب وصعّد ضد إيران وأصدقائها في المنطقة.
يمكن للوضع أن يستمر على ما هو عليه، وهذا هو السيناريو الأكثر احتمالاً في المستقبل القريب مع بعض التعديلات الطفيفة التي تفرضها الأحداث الخارجية، في حين يبقى مستقبل سوريا مرتبطًا بمصالح وتقلبات التوازنات في المنطقة والعالم.
وتلخيصًا لما سبق: ستعمل إدارة كامالا على تقوية العلاقات مع إيران وتجنيبها تداعيات حرب غزة ولبنان، وهذا قد يؤدي إلى وقف إطلاق النار في لبنان دون استئصال حزب الله. أما بالنسبة لرئيس النظام السوري بشار الأسد، فمن المتوقع أن تعقد كامالا صفقة مع إيران تتيح له البقاء في السلطة بشرط أن يتبنى موقفًا أقرب إلى الموقف الإسرائيلي. في المقابل، يكره ترامب إيران ومن المحتمل أن ينسجم مع سياسة نتنياهو في معاداتها. كما أنه من غير المرجح أن ينسحب من سوريا كما يصرح، حيث تظل سوريا منطقة جيواستراتيجية مهمة في الشرق الأوسط، لكن يبقى القرار الإسرائيلي أساسًا في تحديد خريطة المنطقة، ومنها خريطة سوريا الجديدة.
ومع ذلك، يجد المتابع للسياسة الأميركية أنه "للأسف الشديد"، لم يتغير الموقف الأميركي من القضية السورية بتغير الإدارات الأميركية، ومن غير المحتمل أن يتغير في هذه الدورة الانتخابية. فقد مرّ الملف السوري بولايتين لكل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وكلاهما ركز على الضغط على النظام لتعديل سلوكه ومحاربة الإرهاب، دون مؤشرات على الأرض تدل على تغيير هذين الهدفين. بل وجدنا أن الإدارة الأميركية جمدت العقوبات بعد الزلزال واستمرت في تجديد التجميد بشكل دوري كل ستة أشهر.
لا يبدو أن تغيرًا كبيرًا سيطرأ على السياسة الأميركية تجاه الملف السوري، وذلك يعود لعدة عوامل أبرزها عدم امتلاك الولايات المتحدة استراتيجية واضحة للحل في سوريا.
إن الاحتمال الوحيد لتغيير المعادلة يتمثل في رفع يد الأميركيين عن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والسماح لتركيا بتفكيك مشروعها، ويتطلب ذلك انسحابًا أميركيًا من سوريا، وهو ما تأمل فيه تركيا إذا وصل ترامب إلى السلطة.
ورغم أهمية الانتخابات الأميركية في رسم الأحداث، فإن تغييرًا كبيرًا في الوضع السوري يحتاج إلى توافق أوسع بين الدول. في ظل هذه الظروف، يبدو أن الفترة القادمة ستشهد إعادة تشكيل للوضع السوري حسب المعادلات الجديدة التي تفرضها نتائج الانتخابات الأميركية والتغيرات السريعة في المنطقة.
وفي الختام، لا يبدو أن تغيرًا كبيرًا سيطرأ على السياسة الأميركية تجاه الملف السوري، وذلك يعود لعدة عوامل أبرزها عدم امتلاك الولايات المتحدة استراتيجية واضحة للحل في سوريا، فضلًا عن استخدام العقوبات الاقتصادية كورقة ضغط لدفع النظام نحو القبول بحل سياسي.