ماذا يحدث في سوريا؟  

2024.10.06 | 07:17 دمشق

بشار
+A
حجم الخط
-A

لفتني قبل أيام خبر نشرته الوكالة السورية للأنباء "سانا" عن تلقي وزير خارجية النظام الأسبق فيصل المقداد اتصالًا هاتفيًا من وزير الخارجية الأردني يهنئه بتكليفه بمنصب نائب رئيس النظام السوري إثر التشكيل الحكومي الأخير. قد يكون اتصالًا كهذا اتصالًا بروتوكوليًا دبلوماسيًا، لكن في ظل الوضع العربي العام، والوضع السوري شديد الخصوصية، فإن هناك ما يلفت في هذا الاتصال وفي التهاني من هذا النوع، خصوصًا وأن الجميع يعرف كيف يتم تعيين شخص في منصب نائب الرئيس في سوريا. ذلك أن هذا المنصب هو منصب شرفي لا أكثر، إذ يتم تعيين نواب للرئيس من مسؤولين يُراد الاستغناء عن خدماتهم مع احتفاظهم بامتيازاتهم المعنوية إلى أن يتم انسحاب حضورهم من المشهد العام شيئًا فشيئًا، كما حدث مع الدكتورة نجاح العطار وزيرة الثقافة السابقة وفاروق الشرع وزير الخارجية الأسبق، وكلاهما اختفى تمامًا عن الأنظار منذ تعيينهما نوابًا للرئيس.  
ليس خبرا عاديا هذا الاتصال، كما ليس خبرا عاديا تحييد فيصل المقداد عن الواجهة السياسية الأساسية في المشهد السوري منذ أن كان نائبا لوزير الخارجية وليد المعلم، الذي كان ممنوعًا من دخول معظم دول العالم، فكان نائبه، المقداد، هو من يتولى تلك المهمات حتى تم تعيينه عام 2020 وزيرا للخارجية. فالخارجية حاليا هي الوجه الوحيد للنظام الذي ما يزال يحتفظ ببعض براغماتيته، أو بالأصح أنها الوجه الأكثر نجاحا أمام المجتمع الدولي. فبفضل ديناميكية فيصل المقداد وخبرته الطويلة في السياسة الدولية استطاع نظام الأسد المحافظة على تلك الشعرة التي منعت طرده نهائيا من المجتمع الدولي رغم توجيه الاتهامات الجنائية الدولية إليه بارتكابه جرائم حرب. وبفضل المقداد (المنحدر من مدينة درعا التي كانت نقطة الاحتجاجات الأولى التي أشعلت الثورة عام 2011) ومجهوده الدبلوماسي حافظ النظام على شبكة علاقات مع المنظومة العربية الحاكمة، وإن بقيت وقتا طويلا تحت الطاولة قبل بدء استعادتها علنا عبر الجامعة العربية خلال السنوات الأربع الماضية. يشكل فيصل المقداد إذًا حجرًا أساسيًا في جدار النظام السوري لا يمكن الاستغناء عنه بسهولة كما حصل مؤخرًا. لكن على ما يبدو، هناك متغيرات كثيرة أجبرت بشار الأسد على التغيير الحكومي والاستعانة بوجوه جديدة (حكى أصدقاء في صف الثورة على وسائل التواصل عن بعضهم، كوزير الخارجية ووزير الإعلام، بأنهم أكفاء ومشهود بنزاهتهم وأصحاب خبرة)، وعن الاستغناء عن فيصل المقداد في الخارجية.  

يبدو مثيرا للتساؤل غياب بشار الأسد عن السمع والنظر وعدم التعليق السوري الرسمي على الأحداث، والاكتفاء بالتغطية الإعلامية للحدث مع ملاحظة غياب مفردات كالكيان الصهيوني والعدو الصهيوني من الخطاب الإعلامي، واستبدالها بإسرائيل ونتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي

منذ الإعلان عن مرض أسماء الأسد وهي التي كانت تسيطر بشكل كامل على الاقتصاد السوري، وإبعادها تمامًا عن المشهد بذريعة العلاج، ثم المتغيرات التي بدأت تحصل في الإقليم حولنا إثر حرب غزة، وموت الرئيس الإيراني الغامض، واغتيال إسماعيل هنية في قلب طهران، والاستهداف المرعب لحزب الله من قبل العدو الإسرائيلي، وما يكشفه هذا الاستهداف من انكشاف الحزب بالكامل أو بيعه تمامًا من قبل طرف من الأطراف، لا يستبعد أحد أن يكون هذا الطرف هو الطرف الإيراني، رغم أن هناك تحليلات تستنكر ذلك، قدرة إسرائيل على تحديد الأهداف التي تريدها في لبنان وسوريا من دون أدنى مجال للخطأ. وما رافق ذلك من صدور أوامر داخل سوريا بإلغاء كل المظاهر التي تدل على وجود حزب الله في سوريا من صور حسن نصر الله وأعلام الحزب وإغلاق مكاتب التطوع في الحزب، ثم استهداف إسرائيل لمن بقي من قادة الحزب في سوريا، والأخبار عن استهداف أو محاولة استهداف ماهر الأسد الرجل الأول لحزب الله وإيران في سوريا، والأخبار عن اعتكاف بشار الأسد في قصره في اللاذقية بعيدًا عن العاصمة دمشق، والرسالة الغامضة التي أرسلها باسمه الشخصي تعزية بحسن نصر الله، وهو الحليف الأول الذي جعله يحتفظ بكرسيه رغم كل الدم الذي يحيط به. كل هذه الأحداث قد تعني شيئًا واحدًا: ما يحدث في الجوار لن تُستثنى منه سوريا بأي شكل من الأشكال، خصوصًا وأن روسيا تبدو سعيدة بتولي إسرائيل مسؤولية إزاحة حزب الله من سوريا (قبل أيام استهدفت إسرائيل موقعًا لحزب الله مجاورًا لمطار حميميم في اللاذقية، والمطار تسيطر عليه روسيا التي اكتفت قواتها بطلعات جوية بعد انتهاء الغارة).  
في ظل هذه الأحداث المتلاحقة والسريعة وفي ظل المتغيرات السريعة التي تحدث في الجوار السوري والحديث الإسرائيلي عن شرق أوسط جديد، يبدو مثيرا للتساؤل غياب بشار الأسد عن السمع والنظر وعدم التعليق السوري الرسمي على الأحداث، والاكتفاء بالتغطية الإعلامية للحدث مع ملاحظة غياب مفردات كالكيان الصهيوني والعدو الصهيوني من الخطاب الإعلامي، واستبدالها بإسرائيل ونتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي. في ظل ذلك، هل سيكون تكليف فيصل المقداد، الناجح جدًا في منصب وزير الخارجية والمتوازن في العلاقة مع روسيا ومع إيران معًا، والمقبول من الدول العربية صاحبة الشأن في الوضع السوري، هل يكون هذا التكليف إبعادا له على غرار سابقيه من نواب الرئيس، أم هو تحضيره لمرحلة مقبلة سوف تبدأ مع وقف إطلاق النار ونهاية الحرب الإسرائيلية على لبنان وغزة وبدء ما أسماه رئيس وزراء العدو بالشرق الأوسط الجديد؟  
قد يكون كل ما سبق مجرد تحليلات شخصية ليست مبنية على أي معطيات مادية وقد لا تمت للواقع بصلة، لكن المؤكد أن مرحلة جديدة قادمة على سوريا ليست بالضرورة أن تكون أفضل من سابقتها، لكن المتغير أفضل من الثابت دائمًا، فالمتغير يخلخل أساس الثوابت، وهو ما يحتاجه الوضع السوري الذي زادته الأحداث التي تلت الثورة السورية عام 2011 ترسيخًا وتجذرًا. ومن المؤسف لنا أن يكون هذا التغيير، إن حدث، فإنه سوف يحدث على يد غير السوريين، وعلى يد العدو الإسرائيلي الذي لا نشك يومًا في نواياه التوسعية والاستعمارية، لكن الوضع السوري خرج منذ زمن من يد السوريين بكل فئاتهم، وصارت سوريا أشبه بكرة تتقاذفها المصالح الدولية للدول الكبرى، ومنصب الرئاسة تحول إلى مجرد خيال مآتة للسوريين في الداخل فقط.  
وهنا لا يمكننا سوى التساؤل عن دور المعارضة السورية في أي متغير سوف يحدث لسوريا، دور الائتلاف والحكومة السورية المؤقتة وهيئة التفاوض وكل هذه المؤسسات التي أصبحت عبئًا على السوريين، وتحولت أيضًا إلى مجرد هيكل لا معنى له مرهون بأيدي دول تبحث عن مصالح وامتيازات تخص أحلامها وأمنها هي فقط بغض النظر عن انعكاس ذلك على سوريا وعلى السوريين. هل فكرت هذه الهيئات يومًا أن الثابت السوري قد يتغير تحت ظرف ما؟ وهل قدمت للمجتمع الدولي استراتيجية مقنعة تمكنها من المشاركة في أية عملية تغيير؟ وهل قدمت خطابا وطنيا جامعا يمكنه أن يستوعب الانقسامات السورية المهولة في المجتمع ويسعى لإعادة بناء الوحدة الوطنية التي لن تنجو سوريا ولا السوريون من غيرها؟ للأسف يمكننا القول بكل ثقة إن هذه المؤسسات فشلت فشلًا ذريعًا في كل ذلك، وبدلًا من أن تكون مهيأة لأي خطوة تغييرية في سوريا اعتمدت خطابًا تظلُّميا وفئويا لا يستوعب حساسية المكونات السورية وما فيها من خراب داخلي يحتاج إلى جهد مهول لتقوم له قائمة تنقذ سوريا.  
لا يمكن النظر بتفاؤل إلى ما يحدث في سوريا والمحيط، فالمحرك الأول لهذه الأحداث كان هو السبب في وصول سوريا إلى ما وصلت إليه، إذ لولا رغبة دولة الكيان في بقاء الأسد الذي دمر لها سوريا أرضا ومجتمعا من دون أن تخسر طلقة واحدة لكنا الآن في مكان ومكانة أخرى، كذلك من تستهدفهم في حربها الحالية. لكن ليس أمامنا نحن السوريين الذين لا قرار لنا، سوى انتظار النتائج والتحسر والأسف والغضب والخوف، والأمل الذي لم يكن يوما شحيحا كما هو في هذه الأيام.