ماذا بقي من الاقتصاد السوري؟

2024.09.12 | 06:26 دمشق

9856
+A
حجم الخط
-A

شهد الاقتصاد السوري منذ عام 2011 تدهورًا حادًا نتيجة للحالة الأمنية والعسكرية التي تسبب بها النظام السوري، إضافة إلى السياسات الاقتصادية التي افتقرت إلى الكفاءة والتخطيط السليم.

تسببت هذه العوامل مجتمعة في تحولات عميقة أثرت على حياة الفرد ومستقبله في مناطق سيطرة النظام السوري. أصبح من الضروري تسليط الضوء على أبرز المؤشرات الاقتصادية التي تعكس الوضع الراهن في سوريا لفهم حجم الكارثة الاقتصادية التي تواجهها البلاد وآثارها على حياة المواطنين ومستقبل الاقتصاد في هذه المناطق.

الموازنة العامة

تشير بيانات الموازنة العامة السورية من عام 2011 إلى عام 2024 إلى تدهور كبير في الأداء الاقتصادي. انخفض الإنفاق العام بالدولار بشكل حاد من 14.6 مليار دولار في عام 2010 إلى 2.5 مليار دولار في عام 2024. كما زادت نسبة الإنفاق الاستهلاكي إلى 85% من الموازنة على حساب الإنفاق الاستثماري، مما أدى إلى تراجع الاستثمارات في المشاريع الإنتاجية والتنموية.

ويُظهر التراجع في الإنفاق الاستثماري ضعف الإدارة الاقتصادية، حيث انخفض الإنفاق الاستثماري بين عامي 2010 و2021 بنسبة 587%، مما يزيد من الاعتماد على التمويل بالعجز والديون.

تستمر موازنة عام 2024 في هذا الاتجاه، مع عجز مالي كبير يتجاوز 700 مليون دولار، والتركيز على الإنفاق الجاري عبر سياسات الدعم العيني والنقدي على حساب الإنفاق الجاري الفعّال الذي يعزز الطلب من خلال تحفيز الإنفاق الاستثماري، مما يرسخ حالة الركود ويزيد من صعوبة تحقيق تعافٍ اقتصادي مستدام دون تغييرات جذرية في السياسات الاقتصادية.

ارتفعت أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية بشكل كبير، مما أدى إلى تقليل القدرة الشرائية وزيادة معدلات الفقر.

الناتج المحلي الإجمالي

يمثل الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة أداة اقتصادية فعالة لقياس النمو الاقتصادي. فهو يعزل تأثير ارتفاع الأسعار والضغوط التضخمية ويعبر بشكل أدق عن حجم الناتج المحلي الإجمالي، خاصة مع تدهور سعر الصرف للعملة المحلية. من خلال مقارنة الناتج بالأسعار الجارية والثابتة، بلغ إجمالي الناتج المحلي (بالأسعار الثابتة للدولار) عام 2022 قيمة 279 مليون دولار مقارنة بـ 35.4 مليار دولار للناتج المحلي الإجمالي بالدولار بالأسعار الجارية لنفس العام. هذا يعكس حجم التضخم الكبير. وقياس معامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي لبداية 2023 يظهر نسبة 126 ضعفًا لعام الأساس 2000. يعزز ذلك ضعف الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (الثابت) وانكماشه، مما يثبط عجلة الاقتصاد ويدفعها للتراجع. علاوة على ذلك، ارتفع الدين العام من 30% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2010 إلى أكثر من 200% في عام 2019.

التضخم

مع تصاعد حدة الصراع داخل سوريا، ارتفعت معدلات التضخم بشكل حاد. ففي عام 2012، بلغ التضخم 10.81%، وسرعان ما ارتفع ليصل إلى 88.30% في عام 2013. يُعزى هذا الارتفاع الكبير إلى انهيار العديد من القطاعات الاقتصادية، وانخفاض قيمة الليرة السورية، وتدهور الوضع الأمني وغياب الرقابة المالية. بين عامي 2016 و2019، شهدت معدلات التضخم تذبذبًا كبيرًا، إذ وصل التضخم في عام 2016 إلى 43.22%، لكنه انخفض في عام 2017 إلى 1.05% نتيجة استقرار نسبي في بعض مناطق سيطرة النظام، لكن التضخم عاد للارتفاع إلى 34.52% في عام 2019. دخل الاقتصاد السوري مرحلة جديدة من التدهور في السنوات الأخيرة، حيث بلغ التضخم 163.10% في عام 2020 نتيجة الانهيار الاقتصادي الكامل والعقوبات الدولية وجائحة كورونا. استمرت موجة التضخم المرتفع في السنوات التالية، حيث بلغت 79.10% في عام 2021 و84.90% في عام 2022، وصولًا إلى 139.60% في عام 2023. تسبب التضخم المرتفع في تدهور كبير في مستوى المعيشة في مناطق سيطرة النظام السوري، وارتفعت أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية بشكل كبير، مما أدى إلى تقليل القدرة الشرائية وزيادة معدلات الفقر.

تعاني البلاد من ركود عميق وانكماش اقتصادي مصحوب بتضخم مستمر، مما يجعل الوضع أقرب إلى "الركود التضخمي".

البطالة والفقر

في ظل غياب إحصائيات دقيقة، أفاد اقتصاديون وأكاديميون في جامعة دمشق أن نسبة البطالة في يونيو 2024 ضمن مناطق سيطرة النظام تتجاوز 37%، بينما تصل نسبة البطالة المقنعة إلى أكثر من 85%. وأوضحوا أن الاقتصاد السوري يقترب من "الشلل الكامل"، بسبب خلل بنيوي في سوق العمل نتيجة هجرة العمالة، وأن جميع القطاعات الإنتاجية تعمل عند الحد الأدنى من طاقتها. أما فيما يتعلق بالفقر، فقد وصل معدل الفقر المدقع إلى 27%، ويعاني 69% من السكان، أي نحو 14.5 مليون سوري، من الفقر، وفقًا لتقرير رفاه الأسر السورية الصادر عن البنك الدولي في مايو 2024.

وفي ضوء كل هذه البيانات والتحليلات، يظهر جليًا أن مناطق سيطرة النظام السوري تواجه أزمة حادة تلتهم حاضرها وتخنق آمال مستقبلها.

شهدنا انخفاضًا حادًا في الإنفاق الاستثماري وزيادة ضخمة في معدلات التضخم، مع تراجع في الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع البطالة والفقر بشكل غير مسبوق. تعاني البلاد من ركود عميق وانكماش اقتصادي مصحوب بتضخم مستمر، مما يجعل الوضع أقرب إلى "الركود التضخمي".

ويهدد فشل الإدارة الاقتصادية المتواصل بإغراق البلاد في دوامة من الفقر والضعف الاقتصادي، ويعقد حياة المواطنين اليومية.