لماذا الاندفاع العربي نحو البريكس؟

2023.08.27 | 05:59 دمشق

آخر تحديث: 27.08.2023 | 05:59 دمشق

لماذا الاندفاع العربي نحو البريكس؟
+A
حجم الخط
-A

في فترة يشهد العالم معها كثيرا من الخضات والأزمات الاقتصادية والمالية والتصعيد العسكري على أكثر من جبهة والمصحوب باصطفافات وتحديات لا تعد أو تحصى، وجهت منظومة دول البريكس التي تضم الخماسي الروسي والصيني والهندي والبرازيلي إلى جانب جنوب إفريقيا، وبشكل مفاجئ في أعقاب قمتها ال15 في مدينة جوهانسبورغ، دعوة لمجموعة من الدول بينها، إيران وأثيوبيا والأرجنتين و3 دول عربية هي مصر والسعودية والإمارات للالتحاق بعضوية التكتل اعتبارا من العام المقبل.

خطوة البريكس هذه تذكرنا بما فعله الاتحاد الأوروبي عام 2004 في أهم توسعة خامسة له عندما استقبل 10 دول من مختلف المناطق والأماكن دفعة واحدة قربت الأفكار والنظم والجغرافيا والمصالح تحت السقف الأوروبي. البريكس أيضا يستقبل بدوره دولا محورية في الشرق الأوسط والخليج وإفريقيا وهو ما سيقلق أميركا وأوروبا حتما.

أمر عادي أن يقرر أحد أهم التكتلات الاقتصادية في العالم التوسع واستقبال أعضاء جدد. وأمر عادي أيضا أن يستجيب من توجه له الدعوة طالما أن المصالح المشتركة ستكون محمية وستقوى أكثر مما هي عليه. ما هو مفاجئ أن يفتح خماسي منظمة البريكس أبوابه دفعة واحدة أمام 6 دول بينها 3 دول عربية، وأن يكون بين العديد من المدعوين الكثير من أسباب الخلاف والتباعد، وأن يكون بعض من قبل الجلوس أمام هذه الطاولة بتركيبتها الجديدة، بنى منظومة علاقات بطابع استراتيجي مع أبرز خصوم رموز التكتل.

هناك من هو منزعج في الجزائر بسبب عدم قبول طلب عضويتها الذي تقدمت به في تشرين الثاني من العام 2022. لكن هناك من يقول إن مسألة قبولها هي قضية وقت فقط ستعالج في الأشهر القليلة القادمة. وأنه من بين 23 دولة تقدمت رسميا بطلبات انضمام لمجموعة بريكس وافقت قمتها على قبول طلبات 6 دول، على أمل مواصلة التوسعة الثالثة بعد هضم هذه التوسعة.

مرحلة جديدة ستبدأ بالنسبة للدول العربية الثلاث يواكبها الكثير من الإثارة المصحوبة بالعديد من التساؤلات حول أسباب الدعوة وهل سيتم قبولها وما الذي يعني ذلك بالنسبة لهذه الدول وللمنظمة أولا، وللعبة التوازنات الاقتصادية والتجارية والمالية الجديدة في العالم ثانيا؟

يطمح البريكس كما هو معلن إلى ايجاد نظام اقتصادي مواز للنظام الغربي الذي تقوده أميركا، ويعد بتحويل القوة من الشمال إلى الجنوب العالمي إرضاء للصين وروسيا، فلماذا تقبل السعودية والإمارات ومصر الالتحاق به وهي التي تقيم علاقات بطابع أمني عسكري مع واشنطن والعديد من العواصم الأوروبية؟ وهل ستننجح في إقناع أميركا بمسألة ضرورة الفصل بين الملفات والمسائل وأن ما يجري لن يكون على حساب التنسيق الاستراتيجي معها؟ أم هي لم تعد عابئة بما ستقوله الإدارة الأميركية خصوصا بعد بناء منظومة علاقات تجارية وسياسية واسعة مع بكين وموسكو ونيودلهي والانفتاح الأخير على طهران؟ تبحث العواصم العربية الثلاث عن شراكات اقتصادية ومالية عالمية في لعبة التوازنات التجارية والمالية وضمانة مصالحها. فلماذا تتجاهل مبادرة الحزام والطريق الصينية وخطط الهند لتطوير 100 مدينة ذكية مرتبطة بقطارات سريعة، والثقل الروسي في الزراعة والطاقة؟

مرحلة جديدة ستبدأ بالنسبة للدول العربية الثلاث يواكبها الكثير من الإثارة المصحوبة بالعديد من التساؤلات حول أسباب الدعوة وهل سيتم قبولها وما الذي يعني ذلك بالنسبة لهذه الدول وللمنظمة أولا، وللعبة التوازنات الاقتصادية والتجارية والمالية الجديدة في العالم ثانيا؟

تمثل مجموعة بريكس 42 بالمئة من سكان العالم الإجمالي وتظهر البيانات أن مساهمتها في الاقتصاد العالمي بلغت 31.5 بالمئة بنهاية 2022، مقابل 30.7 بالمئة للقوى السبع الصناعية، وأنها تسيطر على 17 بالمئة من التجارة العالمية. وأن التكتل يضم 3 قوى نووية هي: روسيا، الصين، الهند. وأهم جيوش العالم وأكثرها تسلحا وتدريبا. لكن البريكس بعد انضمام الدول الجديدة خصوصا المنتجة للطاقة سيتحكم بأكثر من نصف حصة النفط والغاز الطبيعي في العالم، وسيضاعف ثقله التجاري ومساحة انتشاره الجغرافي في العالم ورقعة تمدده الاستراتيجي على أكثر من خط حيوي.

المسألة أبعد من أن تكون مسألة اقتصاد ودور حيوي واعد للعواصم الثلاث في ربط خطوط التجارة في المنطقة من خلال البنية التحتية والموقع الجغرافي المميز الذي تتمتع به. فالكثير من الثروات الطبيعية ومخزون الطاقة الواعد هو في هذه الدول. وهناك الثقل الإقليمي السياسي والاستراتيجي الذي تحظى به، إلى جانب الموقع الجغرافي المهم الذي يعتبر فرصة لا تفوت بالنسبة لدول المجموعة، وخطوط التواصل العسكري والأمني والعلاقات المحورية التي بنتها الدول الثلاث مع الإقليم في العقد الأخير.

تشكل هذه الدعوة فرصة جديدة للبلدان الثلاثة لتعزيز موقعها ودورها الاقتصادي والتجاري الإقليمي، لكنها بحسب العديد من المراقبين والمتابعين هي خطوة ستحمل معها الكثير من النقاشات بسبب ما قد يواكبها من تحولات استراتيجية في علاقات هذه الدول مع حلفاء وشركاء لهم في الغرب وسط لعبة التوازنات الاقتصادية الإقليمية والدولية القائمة أولا، وما سيواكب كل ذلك من عمليات إعادة تموضع ومراجعة في خطط التعاون والتنسيق باتجاه إصطفاف وتمحور تجاري واقتصادي حاصل على خط الشمال (الأميركي) والجنوب (الروسي والصيني) ثانيا. الأهم قد يكون بالنسبة لمجموعة البريكس هو كسب الدول الثلاث إلى جانب محور يضع نفسه في حالة مواجهة مع الاقتصاد الغربي والأميركي تحديدا. لكن الدول العربية الثلاث قد تتحول إلى فرصة لعب دور جسر التواصل التجاري والاقتصادي والسياسي بين المنظومتين أيضا.

بدأت مجموعة البريكس طريقها قبل 14 عاما في طرح أهداف تجارية اقتصادية ومالية تقرب بين الدول الأعضاء. لكن التكتل بدأ يتحول اليوم إلى مركز ثقل اقتصادي وبشري وعسكري وسياسي بشكل متدرج

تجاهلت أميركا لعقود الصعود الاقتصادي لدول البريكس وتمسكت بفكرة الهيمنة والتفرد على مسار الاقتصاد العالمي فجاءها الجواب من البريكس التي ظهرت إلى العلن في العام 2009. ثم من خطوة التوسعة الأخيرة التي ستجد واشنطن صعوبة في تقبلها واستيعابها لسنوات طويلة، وبعد انقلاب السحر على الساحر وتحرك السفينة بما لا تشتهيه الرياح الأميركية. على واشنطن أن تستعد للمزيد من المفاجآت فالرئيس الصيني شي جين بينغ أحد أبرز مؤيدي خطوات التوسعة المجموعة يصف ما جرى في القمة الأخيرة بأنه "توسع تاريخي يعكس عزم دول بريكس على الاتحاد والتعاون مع الدول النامية الأوسع نطاقا بهدف بناء نظام دولي متعدد الأقطاب، وليس نظاما أحادي القطبية".

بدأت مجموعة البريكس طريقها قبل 14 عاما في طرح أهداف تجارية اقتصادية ومالية تقرب بين الدول الأعضاء. لكن التكتل بدأ يتحول اليوم إلى مركز ثقل اقتصادي وبشري وعسكري وسياسي بشكل متدرج. الهدف غير المعلن هو تقديم نفسه كخيار عالمي بديل في مواجهة النفوذ الغربي والأميركي تحديدا. فهل تمنحه الدول الست الجديدة مثل هذه الفرصة؟

ستبقى الأنظار مشدودة نحو القيادة السياسية التركية التي تبحث منذ أشهر عن فرص اقتصادية وتجارية جديدة خارج الحدود. فهل تسرع أنقرة دعوات دول البريكس للالتحاق بها شرط مراجعة علاقاتها الاقتصادية مع الغرب؟ أم أن أنقرة لا تريد المغامرة وستحاول البقاء بعيدة قريبة عبر حماية خطوط التواصل الاقتصادي مع الجانبين بقدر ما تستطيع؟