لبنان المتأرجح والمتروك.. هل تعود الدوحة من الباب الأمامي؟

2022.07.09 | 06:01 دمشق

الدوحة
+A
حجم الخط
-A

لطالما كان لبنان قاعدة مهمة لكل القوى الدولية والإقليمية ومحطة رئيسية لفك الرسائل المشفرة بين كل الأطراف المتنازعة والمتصارعة، فالإدارة الأميركية وعبر التاريخ كانت تعتبر لبنان نقطة حضور مركزي لها في الشرق الأوسط ويتجلى هذا الحضور اليوم عبر مجموعة من المسارات وهي قيامها بدور الوسيط في ملف الترسيم الحدود مع إسرائيل عبر مبعوث بايدن الخاص لأمن الطاقة آموس هوكشتاين.

 كذلك يبرز مسار مهم عبر بناء سفارة أميركية ضخمة في جبل لبنان وصلت كلفة بنائها لأقل من مليار دولار، وذلك بغية تثبيت الحضور سياسياً وأمنياً واجتماعياً، وهذا النفوذ الأميركي معطوف على نفوذ أوسع في مساحات المال والسياسة والمصارف والمؤسسات العامة والخاصة وعبر دعم مسارات سياسية ووجوه مدنية وعسكرية حتى.

بالمقابل تبرز إيران كقوة سياسية حاضرة في لبنان كقاعدة أكثر من متقدم عبر حزب الله والميليشيات والسيطرة الكاملة على الدولة والمؤسسات وفرض الإرادة، كما جرى استخدامه متراساً دفاعياً عن النظام السوري وحروب المنطقة في اليمن والعراق ودول الخليج.

وبالتأكيد لا يزال النفوذ الأميركي هو الطاغي في لبنان ودول الشرق الأوسط وتحديداً منطقة منابع النفط، لكن الأمور لم تعد كسابقاتها في المنطقة وهو ما ظهر مؤخراً من خلال التوتر السعودي-الأميركي وجنوح السعودية منذ مدة على فتح علاقات متنوعة مع أطراف أخرى على رأسهم خصوم واشنطن التاريخيون أي موسكو وبكين وانعكس ذلك على لبنان عبر رفض السعودية مطالب أميركية بدعم لبنان أو جيشه ومنعه من السقوط في وحول الأزمة المالية الخانقة.

أما موسكو فهي تعيش اليوم أكثر مراحلها دقة وصعوبة، فهي المنهكة عسكرياً في أوكرانيا واقتصادياً عقب سلة العقوبات القاسية التي استهدفتها من المجتمع الدولي، ولا حضور فعلي لها في لبنان ونشاطها مرتبط بتحديات أمنها القومي والتي تُحدّد مسارات أولوياتها، لذا فإن لبنان لا يندرج حتى اللحظة ضمن ذلك، باستثناء البطاقة الحمراء التي أخرجتها في وجه وصول قائد الجيش جوزيف عون إلى رئاسة الجمهورية، بالمقابل فإن روسيا باتت ملزمة بمعاودة نشاطها السياسي والعسكري في سوريا، والتي باتت تمثل حجر الأساس في وجوها المباشر في الإقليم، وهذه المعاودة بدأت منذ يومين بالإنزال الذي جرى في دير الزور عند المثلث الحدودي بين سوريا والعراق. بعد أشهر من توقف كل الأنشطة العسكرية في سوريا نتيجة انغماسها في الحرب في أوكرانيا، والعودة الروسية انطلاقاً من تخوف موسكو بترك الميدان السوري عرضة للتناتش الإيراني-التركي.

بالتأكيد لا يزال النفوذ الأميركي هو الطاغي في لبنان ودول الشرق الأوسط وتحديداً منطقة منابع النفط، لكن الأمور لم تعد كسابقاتها في المنطقة وهو ما ظهر مؤخراً من خلال التوتر السعودي-الأميركي

فيما العودة السعودية إلى لبنان تبدو غير جدية حتى اللحظة على الرغم من قيام السفير السعودي وليد البخاري باستمزاج الآراء السياسية وطلاق الأنشطة الاجتماعية ومساعيه لإنشاء تفاهم بين نواب السنة بعد فراغ الساحة من زعامة جامعة كرسها سعد الحريري لسنوات وأجبر على تركها نتيجة ضغوطات يقال إنها سعودية، فيما العين السعودية متجهة لإنجاز تفاهمات أوسع من لبنان انطلاقاً من أزمات مفتوحة ويجب إغلاقها، لذا فتح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان صفحة جديدة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وسيستقبل خلال أيام الرئيس الأميركي جو بايدن.

ولمحمد بن سلمان مجموعة من السياسات يود تكريسها ابتداء من إنشاء تفاهمات مع الأوروبيين ومن ثم تكريس الوحدة الخليجية وتعزيز تفاهمات عسكرية مع الأتراك، بالمقابل يبدو اليوم أقل حماساً للدخول لنادي "التطبيع مع إسرائيل" فهو لا يريد إعلان التطبيع مع إسرائيل. بالمقابل يحرص على استمرار الحوار مع الإيرانيين عبر العراق وقطر في ظل ما يحكى عن لقاءات جرت بين وفود سعودية وأخرى من حزب الله في بيروت في آذار الفائت وحرصت المملكة على عدم نفيها بشكل رسمي، بالمقابل كانت الرياض على اطلاع باللقاءات التي جمعت مسؤولين من مصر والأردن والإمارات مع مسؤولين إيرانيين في بغداد ويجري أيضاً التحضير للجولة الجديدة من حوار الرياض – طهران برعاية "كاظمية" لكن ستكون هذه المرة على مستويات دبلوماسية وأمنية أرفع وقد يحضرها نائب وزير الدفاع خالد بن سلمان ووزير الخارجية فيصل بن فرحان وذلك بعد انتهاء موسم الحج وإجراء تقييمات فعلية لنتائج تسهيلات السعودية للحجاج الإيرانيين.

وثمة بالمقابل حضور عربي مستجد في لبنان ومساعٍ للعب أدوار منفصلة وفقاً لتحديات الدول وهواجسها، فمصر كانت حاضرة لبنانياً لسنوات خلت قبيل عهد أنور السادات وكامب ديفيد ومن ثم ورث حافظ الأسد هذا الدور، ومع انقلاب 2013 وصعود السيسي جرت مساعٍ حثيثة لاستعادة الحضور في ملفات حساسة بالنسبة للقاهرة كورقة دار الفتوى ومن ثم التضييق على أي حضور "إسلاموي" في لبنان ومساعي لعب أدوار في تسمية رؤساء حكومات أو وزراء في حكومات متعاقبة في إطار تعبئة الفراغ السعودي الحاصل، لكن هذا السعي تراجع وبقي في أطر محددة أبرزها التواصل المستمر مع حزب الله في ملفات فلسطينية والمشاركة في الإحاطة العربية بأدوار سعد الحريري ومن ثم نجيب ميقاتي، وهذا التراجع مرده الرئيسي عدم وجود قدرات مالية لمصر وتطور أزمتها الاقتصادية عقب الحرب في أوكرانيا.

في حين بدا واضحاً أن قطر عادت لتدخل إلى المساحة اللبنانية انطلاقاً من علاقاتها الواسعة مع كل الأطراف المحلية "ومرابط خيولهم" الإقليمية، فالزيارات المتكررة لوزير الخارجية القطري لبيروت والتي توجت آخرها منذ أيام بإعلان بلاده دعماً مالياً للجيش اللبناني بقيمة 60 مليون دولار بالإضافة إلى مساعدات واسعة للجيش ونشاط المؤسسات الخيرية القطرية منذ الأزمة على مختلف الصعد ودعم صمود الجامعات الكبرى على رأسها الأميركية في بيروت.

والحديث عن أن هذا الدعم سيشجع أطرافاً خليجية أخرى للقيام بخطوات مماثلة تهدف لدعم صمود الأجهزة الأمنية طالما أن الجميع يتفق على ضرورة الحفاظ على استقرار البلاد والمؤسسات الباقية حتى اللحظة، وتؤشر إلى اهتمام قطر بالملف اللبناني، تزامناً مع كل ملفات المنطقة المعقدة، وضرورة تحضير الأجواء الإقليمية قبيل زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة وانعقاد القمة الأميركية-الأميركية وهناك حرص قطري على طرح حلول وبحثها مع ضيوف القمة على رأسها أزمات لبنان والعراق واليمن والتي باتت تشكل استنزافاً كبيراً لدول الشرق الأوسط.

وهناك حديث جدي مفاده أن الدوحة جاهزة لاستضافة مؤتمر حوار وطني لبناني بعد استضافتها سابقاً لمؤتمرات مماثلة للبنان أو دول أخرى كأفغانستان ودورها في ملفات اليمن والعراق وتشاد ومحاولة وقف الصراع الفلسطيني – الفلسطيني والذي حالت دون تحقيقه الضغوطات السياسية لدول أخرى، كما تبرز لمسات قطرية للذهاب نحو حل في ملف الغاز وترسيم الحدود بين دول المتوسط.

بالمقابل ينقل الزائر القطري عن مجمل الأطراف العربية على أهمية ملف الإصلاحات ووقف النزيف والتعطيل وانتخاب رئيس جديد في الموعد المحدد بصيغ تخفف الاحتقان، ما يؤسس لمرحلة عنوانها استعادة التوازن في لبنان بعد سنوات من سيطرة فريق واحد على كل المفاصل، وهذه الحلول تكون على ارتباط وثيق بتسوية شاملة تدخل فيها الأطراف في ظل الأزمات العالمية القاسية، لذا فإن الأزمة اليمنية وتداعياتها الخليجية حضرت مع الوزير آل ثاني والذي يتابعها مع الأطراف جميعاً وتحديداً الحزب وإيران اللذين يدعمان الجانب الحوثي، وهذا الملف يحظى بدعم خليجي واسع لقطر لإنجازه لوقف كل أشكال الحرب الحاصلة.

وعليه تعود الدوحة إلى المشهد اللبناني من الباب الأمامي. نظرا لكونها الدولة الخليجية الوحيدة القادرة في الوقت نفسه على الحفاظ على علاقات مميزة مع الأميركيين والإيرانيين وهي حليف لتركيا وصديقة لروسيا، وقطر في وضع جيد لإعادة تأهيل دورها كمحفز للحلول في المنطقة. وستكون الدوحة التي تستثمر في مهمة لرعاية محادثات غير مباشرة بين واشنطن وطهران حول الملف النووي بعد ثلاثة أشهر من المفاوضات المتوقفة في فيينا، نشطة أيضًا في مسألة حل الأزمة في اليمن ومن ثم لبنان.

وللمفارقة فإن الدوحة هي من استضافت مؤتمر وقف الأزمة في 2008 للأطراف اللبنانية وكانت مفتاح الحل لانتخاب ميشيل سليمان حينها رئيساً للبلاد بعد أزمة مفتوحة عصفت به حينها، واليوم وعلى مشارف انتهاء عهد ميشال عون والذي كلف ترؤسه للجمهورية البلاد تكاليف أقسى مما يتحمل تبدو هناك مساعٍ للإتيان برئيس توافقي غير محسوب على أي طرف تزامناً مع المرحلة الدقيقة والحساسة التي يمر بها العالم قبيل وضع ورقة التفاهمات على الطاولة، وهذه المرحلة الدقيقة معطوفة على هدنة في اليمن ومجلس رئاسي جديد، ومعاودة لأعمال القتال في سوريا واستعصاء فتوح على الحلول في العراق فيما الملف الفلسطيني قد يستعيد نشاطه مع رحيل عباس، وأخيراً فإن إسرائيل تتخبط على وقع أزماتها وهي تقترب من موعد إجراء انتخابات الكنيست للمرة الخامسة في أقل من ثلاث سنوات، فهل يمرر لبنان انتخاب رئيسه بأقل الأضرار وبتفاهمات دولية وإقليمية ترعاها قطر؟

فلننتظر!