ليست البلاد العربية الوحيدة، من بين جيران إيران، التي فيها أتباع للمذهب الشيعي، بل جميع جيرانها فيها أتباع لهذا المذهب الإسلامي، ولكن ولسوء حظنا فنحن جيرانها الأضعف.
ومن هنا فإن الخميني، الذي دبر أمر وصوله إلى السلطة، عام 1979، بليل، لم يفكر بتصدير ثورته الطائفية لا إلى الهند أو باكستان النوويتين، ولا إلى تركيا، الدولة العضو في حلف الناتو، بل ولا حتى إلى تركمستان (حينها كانت عضواً في الإمبراطورية السوفيتية وحلف وارسو)، بل كانت وجهته بلاد الجوار العربي، الحلقة الأضعف في معادلة الجوار الإيراني.
ولعل غزوة الشاه إسماعيل الصفوي للعراق، عام 1508، التي خرب خلالها أهم معالمه الحضارية خلالها، وفرض عبرها التشيع الصفوي على العراقيين، بهدف تشويه الإسلام والنيل منه ومن أتباعه، خير دليل على ما نقول.
ومنذ تلك الغزوة الهمجية، لم تتحرر العقلية الإيرانية لا من نزعة الغزو ولا من النظر إلى بلاد العرب إلا من خلال نظرة التبعية للتاج الفارسي، سواء كان قلنسوة من الذهب أو عمامة سوداء.
لم تعامل إيران دول الجوار العربي إلا عبر أحقادها وضغائنها التاريخية، رغم أن العرب لم يخرجوا معها عن فكرة الجوار ورابطة الدين
ولأن الرجل الإيراني ظل يعيش في غبش انتصار تلك الغزوة، فإنه لم يستطع التحرر من فكرة الغطرسة والنظرة الدونية للعرب، حتى بعد أن تغيرت كل الأحوال وتحول العرب إلى دول مستقلة ولها سيادتها وحدودها التي تؤكدها وتصونها القوانين الدولية.
لم تعامل إيران دول الجوار العربي إلا عبر أحقادها وضغائنها التاريخية، رغم أن العرب لم يخرجوا معها عن فكرة الجوار ورابطة الدين، التي لم تحترمها إيران يوماً، لأنها صنعت لنفسها (ديناً جديداً، التشيع الصفوي) وطالبت العرب المسلمين باتباعه، وإلا فهم كفار ومارقون ويستحقون الغزو والتنكيل بهم وببلدانهم.
وحتى في عصورها الحديثة، أي بعد تأسيس الأمم المتحدة وانضمامها إليها وقبولها لشرائعها، في جانب العلاقات الدولية ومتطلبات وشروط الأمن والسلام الدوليين، لم تتصرف إيران، مع الدول العربية يوماً، وفق قواعد الصداقة وحسن الجوار بين الدول، ولم تساهم في إقرار أي قاعدة، سعى إليها العرب، من أجل إرساء قواعد السلام والاستقرار في منطقة الخليج العربي. فقد داومت، خلال تاريخها الحديث، على ممارسة سياسة الاستفزاز والتحرش مع جميع دول جوارها العربي، ومن موقع التسلط والنظرة الاستعلائية العنجهية، تلك الممارسات التي انتهت باستيلائها على الجزر الإماراتية الثلاث في الخليج العربي، مطلع سبعينيات القرن الماضي، وشنها لحرب تصدير ثورتها الهمجية ضد العراق، بقصد فتح ثغرة في الجدار العربي من أجل تصدير ثورتها والسيطرة على باقي دول العرب المجاورة.
كان وصول الخميني ونظام الملالي إلى سدة الحكم في إيران، هو الحلقة الأكثر شراسة وعدوانية في تاريخ إيران العدائي والتوسعي ضد جوارها العربي. فهذه الطغمة التي أعلنت وتصرفت من موقع وصايتها المذهبية على الشيعة العرب، استغلت الدعوة لحماية المذهب كذريعة للتدخل في أغلب بلاد المشرق العربي، والتي كان تمظهرها الأكبر حربها العدوانية ضد العراق في عام 1980 ومن ثم احتلالها لهذا البلد عقب غزوه من قبل أميركا وإسقاطها لنظام وهيكل دولته عام 2003.
وبعد أن استتب الأمر لدولة الولي الفقيه في العراق، وسعت من نشاطها العدائي ضد أغلب دول حوض الخليج العربي، وبكل أساليب همجيتها العدوانية، التي أثبتت للجميع أن نزعة العداء الإيرانية ضد جيرانها العرب متأصلة، وهي نابعة من عقدة استعلاء عنصرية، لا تلقي بالاً لا لقواعد حسن الجوار ولا للأعراف والمواثيق الدولية التي تنظم شكل العلاقات بين الدول.
وللأسف فإن نزعة العداء والاستقواء والتدخل الإيرانية، قد واكبتها ظروف، عربية محلية ودولية، ساعدتها على تحقيق موضع قدم في العراق، وهذا ما ضاعف طموحها في التمدد لممارسة عدوانيتها ضد دول الخليج العربي، تلك العدوانية التي قابلتها دول الخليج بصبر وحكمة، ولكن من أين للعصابة التي تحكم إيران أن تقدر كل ذاك الصبر وأن تتفهم أن العلاقات بين الدول تحكمها قواعد حسن الجوار والمصالح المشتركة؟
ليس في رأس صانع القرار الإيراني غير تفكير وأساليب العداء والبلطجة: من لا يرد على اعتداءاتي وتدخلاتي في شؤونه الداخلية، فهو بالتأكيد ضعيف وعاجز، وعليه فعليّ استغلال ظرفه من أجل ابتزازه وتحويله إلى تابع لي.
وسلسلة تدخلاتها، التي تحولت إلى احتلالات صريحة في النهاية، في العراق وسوريا ولبنان واليمن، أثبتت لنا كعرب ولكل العالم، أن إيران لا تؤمن بالقانون الدولي ولا بقواعد حسن الجوار ولا باحترام سيادة الدول على أراضيها. لذا فلم يعد لأي دولة عربية أن تثق بها وبنواياها، لأنها لا يمكن أن تكون جارة محترمة لأي كان ولا تقدم أي مؤشر على استعدادها لتغيير سلوكها العدائي.
إيران ليست على استعداد لتغيير نهجها ولا طريقة رؤيتها لنظام علاقاتها الدولية مع دول محيطها العربي؛ بل هي تمعن في خلق واستغلال فرص التدخل والعدوان في الشؤون الداخلية للدول العربية
ما دفع إيران لركوب رأسها والإمعان في نزعتها العدائية لجوارها هو موقف المجتمع الدولي المتراخي وربما المؤيد لسلوكها. فالمجتمع الدولي، سواء الممثل بالأمم المتحدة ومجلس أمنها، أو بالتحالف الأوروبي – الأميركي، لم يتخذ منها أي موقف رادع، بل بالعكس كانت مواقفه معها بمنتهى التراخي والمداهنة، وخاصة فيما يتعلق ببرنامجها النووي ومشاريع تطوير صواريخها البالستية، حتى بدا الأمر، في السنوات الأخيرة، وكأن المجتمع الدولي يتوسل بها توسلاً من أجل أن تجلس إلى مائدة المفاوضات، التي عمدت، وبحسب الأخبار المسربة من داخل تلك المفاوضات، إنها كانت الطرف الذي يسعى لفرض شروطه في تلك المفاوضات، وليس القبول بمشيئة المجتمع الدولي، ممثلة بأميركا بالذات، الحليف التقليدي لدول الخليج العربي، هذه الدول الأكثر تضرراً من التهديدات والتدخلات الإيرانية، من خارج منظومة الدول العربية التي تحتلها ميليشيات إيران بطريقة علنية، وهذا ما دفع تلك الدول – مؤخراً فقط – لاتهام أميركا بالتواطؤ مع إيران وفتح الباب لها لتمارس عدوانها ضدها وبشكل سافر.
وكما أثبت السلوك الإيراني، خلال العقود الأربعة الأخيرة، التي تمثل عمر ثورة الخميني وخلفه خامنئي، وخاصة بعد احتلالها لأربع دول عربية، بشكل فعلي، فإن إيران ليست على استعداد لتغيير نهجها ولا طريقة رؤيتها لنظام علاقاتها الدولية مع دول محيطها العربي؛ بل هي تمعن في خلق واستغلال فرص التدخل والعدوان في الشؤون الداخلية للدول العربية، ومن منطلق أنها هذا حق من حقوقها وهبها إياه مبدأ تصدير ثورتها الذي شرعه وليها الخميني.
إيران لن تتخلى عن نهجها العدائي ورؤيتها في حقها في تصدير ثورتها لدول جوارها العربي، إذا لم تجد قوة تقف في وجهها وتردعها، وهذه القوة يجب أن تكون عربية وقادرة بالفعل على ردعها وإلحاق الهزيمة بها، كما حصل لها في حربها العدوانية على العراق في ثمانينيات القرن الماضي، وخاصة بعد أن أثبت المجتمع الدولي عدم جديته في التعامل معها، إن لم نقل تواطؤه وسكوته عن سلوكها العدواني وجرائم احتلالها للدول العربية الأربع بصورة مباشرة.