قنابل وتصريحات، مآسٍ وتحليلات

2020.03.01 | 23:11 دمشق

20200301_2_41121181_52659223.jpg
+A
حجم الخط
-A

قتل النظام، بموافقة روسية، 34 جندياً تركياً، فيما شكل نقطة تحول هامة في الصراع الدائر في إدلب. وجاء الرد التركي بسلسلة من الهجمات لا أحد يعرف، على وجه اليقين، خسائر النظام الناجمة عنها، بالنظر إلى أن معلومات وزارة الدفاع التركية بهذا الخصوص تبدو مبالغ فيها (طائرة بدون طيار، 8 طائرات هليكوبتر، 103 دبابات، 72 راجمة ومدفعية، 3 بطاريات صواريخ دفاع جوي، 2212 جندياً بين قتيل وجريح حسب وزير الدفاع خلوصي آكار، في تصريحات أدلى بها بعد ظهر الأحد قبل إسقاط طائرتي السوخوي اللتين اعترف إعلام النظام بسقوطهما).

على هامش هذه الأرقام، لا بد من الإشارة إلى أن العصابة الحاكمة في دمشق لا تتأثر بارتفاع خسائرها البشرية وغير البشرية، مقابل الصدمة التي تلت خبر مقتل الجنود الأتراك، والصرخات المطالبة بالانتقام لهم. ومقابل أعداد غير معروفة من قتلى ميليشيات النظام، برز خبر مقتل نحو عشرة من "مجاهدي" حزب الله الإيراني في لبنان، فهؤلاء وراءهم دولة بحجم إيران ودويلة تابعة في الضاحية الجنوبية، في حين أن من يقتلون في صفوف ميليشيات النظام لا أحد يهتم بهم غير أهاليهم.

لا يمكن الجزم بشأن آفاق التصعيد الميداني التركي فيما يتجاوز الانتقام لقتلى الجيش التركي كضرورة داخلية لامتصاص الصدمة. أما الأهداف المعلنة التي لخصتها تركيا في وجوب انسحاب قوات النظام إلى ما وراء نقاط المراقبة التركية، فلم تجد آذاناً مصغية في موسكو. موسكو التي أغلقت أبواب الكرملين أمام أردوغان وأعطت مقاتلات النظام إحداثيات القافلة العسكرية التركية لتضربها، أرادت فرض "رؤيتها" على تركيا بفظاظة. فجاء الرد التركي، بعد اجتماع أمني – سياسي رفيع المستوى في القصر الرئاسي استمر6 ساعات، بشن هجمات كبيرة متزامنة على مواقع قوات الأسد وبعض مطاراته، بالتوازي مع اتصالات مع أبرز الحلفاء في الناتو، واجتماع عاجل للحلف لم ينتج عنه وعد بدعم عسكري مباشر، بل مجرد دعم سياسي لا ينفع في المواجهة الخطرة بين تركيا وروسيا.

موسكو التي أغلقت أبواب الكرملين أمام أردوغان وأعطت مقاتلات النظام إحداثيات القافلة العسكرية التركية لتضربها، أرادت فرض "رؤيتها" على تركيا بفظاظة

ومن جهة أخرى تواصلت الاجتماعات بين وفدين تركي وروسي في أنقرة بحثاً عن توافق على احتواء التصعيد، ثم كانت المكالمة الهاتفية بين بوتين وأردوغان، أعلن الكرملين أنهما اتفقا خلالها على احتواء التصعيد و"مواصلة الحرب على الإرهابيين"! مع تراجع بوتين عن رفضه لقاء أردوغان، فقد أعلن الكرملين أن اللقاء سيتم في موسكو في الخامس من شهر آذار كما كانت تركيا تأمل. لكنه لن يكون لقاء رباعياً، بحضور كل من ميركيل وماكرون. أما الرئيس الإيراني حسن روحاني فقد عرض على الرئيس التركي، بعد مقتل مقاتلي حزب الله، قمة ثلاثية تضمهما إلى بشار الكيماوي، وبغياب فلاديمير بوتين!

ومن نتائج الاجتماع الأمني المخصص للتباحث حول وسائل الرد على مقتل الجنود الأتراك، فتح الحدود الغربية لتركيا أمام عبور اللاجئين باتجاه الدول الأوروبية، في محاولة للضغط على تلك الدول لتقف مع تركيا في صراعها مع روسيا. وفتحت السلطات التركية أبواب مراكز احتجاز "المهاجرين غير الشرعيين" وقدمت لهؤلاء حافلات مجانية لنقلهم إلى البوابات الحدودية مع اليونان وبلغاريا. بل إن التلفزيون الرسمي التركي، بقناته الناطقة باللغة العربية، بثت "خريطة الطريق" من مختلف أنحاء تركيا باتجاه الحدود الغربية!

كما لو كان السوريون مجذومي هذا العصر الذين تتهرب جميع الدول من الاهتمام بمأساتهم. علق عشرات الآلاف في المنطقة المحايدة الفاصلة بين نقاط العبور التركية ونظيرتها اليونانية والبلغارية

النازحون السوريون الفارون من جحيم قنابل بوتين والأسد، يجدون أمامهم الجدار الإسمنتي الذي يمنع عبورهم إلى تركيا، في حين فتحت تركيا حدودها الغربية فتدفق أكثر من 76 ألفاً منهم (حسب الرقم الذي أعلنه وزير الداخلية التركي) على أمل العبور إلى الدول الأوروبية. منع عبور من جهة وتشجيع على العبور من الجهة المقابلة. كما لو كان السوريون مجذومي هذا العصر الذين تتهرب جميع الدول من الاهتمام بمأساتهم. علق عشرات الآلاف في المنطقة المحايدة الفاصلة بين نقاط العبور التركية ونظيرتها اليونانية والبلغارية، في البرد والعراء. استخدمتهم تركيا كورقة ضغط، ولا تأبه الدول الأوروبية لمصيرهم. لا عزاء للسوريين الموزعين بين جحيم الأسد وجحيم مناطق "خفض التصعيد" والمنافي.

من المحتمل أن تواصل موسكو غض نظرها عن الرد الانتقامي التركي ضد ميليشيات النظام إلى حين اجتماع موسكو في الخامس من الشهر الجاري الذي سيحدد مصير الصراع الدائر ويرسي تفاهمات جديدة بين أنقرة وموسكو.