تتكرر الضربات الإسرائيلية بشكل مستمر على المواقع والمنشآت السورية التي توجد فيها القوات الإيرانية ولعل أبرز ما يميز هذه الضربات الانتقائية الدقيقة للأهداف والدقة المتناهية في اختيار توقيت هذه الضربات وهذا ما يؤكد على الخسائر الكبيرة البشرية والمادية التي تتكبدها الميليشيات الإيرانية جراء هذه الضربات، ومن الملفت امتناع إيران وجيش الأسد عن الرد على هذه الضربات إلا من خلال رشقات عشوائية من الصواريخ المضادة للطائرات متزامنة مع توقيت الضربات وحتى بعد تنفيذها، ولم تتمكن حتى الآن من إسقاط أي هدف طائرة كانت أم صاروخ، وهذا يستدعي كثيرا من الأسئلة والاستفسارات المشروعة من أهمها لماذا لا يتم التعامل الجدي مع هذه الضربات؟ وهل هذا بسبب نقص في الإمكانيات الفنية والقتالية لسلاح الدفاع الجوي السوري؟ أم أن هناك أسباب خفية متفق عليها بين بعض الأطراف داخل نظام الأسد وروسيا من جهة وبين إسرائيل من جهة أخرى؟
وسؤال آخر يتردد دائما لماذا لا ترد إيران على الضربات الإسرائيلية طالما باتت تمتلك ترسانة من الصواريخ بعيدة ومتوسطة المدى في سوريا ولبنان؟، وللإجابة على كل هذه الأسئلة لابد من معرفة البنية القتالية للدفاع الجوي السوري الذي يتكون من ثلاث طبقات جوية الأولى يصل مداها إلى "300" كيلومتر وتسمى بالعالية ومسؤولة عن تغطيتها ثلاث أنواع من محطات الصواريخ بعيدة المدى مثل أفواج أل ""S-200 وأفواج ألـ "S-300" وكتائب الصواريخ فولغا، والطبقة الثانية وتسمى المتوسطة ويصل مداها إلى 45 كيلومترا ومسؤول عن تغطيتها كتائب الصواريخ بيتشورا وكفادرات وبانتسير وبوك.
لماذا لا ترد إيران على الضربات الإسرائيلية طالما باتت تمتلك ترسانة من الصواريخ بعيدة ومتوسطة المدى في سوريا ولبنان؟
أما الطبقة الثالثة وتسمى بالطبقة المنخفضة ويصل مداها حتى "15" كيلومترا ومسؤول عن تغطيتها كتائب الصواريخ أوسا وستريلا والكوبرا والمدفعية المضادة للطائرات، بالإضافة إلى بعض قواعد الصواريخ الإيرانية المضادة للطائرات التي لم يُعلن عنها ولم تستخدم حتى الآن، ويلحق بهذه القواعد محطات استطلاع على مختلف الارتفاعات وفي كل الاتجاهات، وتنتشر هذه القواعد على مساحة القطر كاملة، وبهذا ومن المفروض أنه لا يمكن اختراق هذه المنظومات بسهولة إلا أن معظم هذه الأنواع من الصواريخ دخلت الخدمة في جيش الأسد في الفترة الواقعة بين عامي "1969" وحتى عام "1981" باستثناء ثلاث أنواع حديثة دخلت الخدمة بعيد عام "2007" ولم يتوفر منها ما يمكن أن يغطي كامل الأراضي السورية خاصة بعد فقدان كثير من المحطات القديمة خواصها الفنية والقتالية نتيجة الزمن وتطور الأسلحة الجوية الإسرائيلية وغيرها.
ومن هنا علينا أن نعترف بأن الإمكانيات القتالية لمنظومات الدفاع الجوي السورية والروسية والإيرانية المجتمعة على الأراضي السورية لا تضاهي فنياً وقتالياً الإمكانيات القتالية والفنية للأسلحة الجوية والصواريخ الإسرائيلية الحديثة وهذا هو سبب واقعي لا يمكن تجاوزه عندما نريد تفنيد أسباب عدم فعالية الدفاع الجوي الأسدي في مواجهة الغارات الإسرائيلية، أما الأسباب الأخرى وأهمها ما يمكن أن يكون اتفاقا إسرائيليا روسيا وجناحا تابعا لروسيا في الجيش السوري والذي يأتي في إطار إخراج القوات الإيرانية من سوريا وأعتقد أن هذا هو الاحتمال الأكثر واقعية خاصة أن الضربات تستهدف مناطق دقيقة جداً وبتوقيت دقيق يؤشر وبشكل واضح على أن من يشي بالإحداثيات الدقيقة لهذه المواقع وما تحتويه وتوقيت اجتماع أو وصول المسؤولين الإيرانيين إليها لابد أن يكون قريب جداً من أصحاب القرار في هذه المنشآت والمسؤولين عنها.
وما يعزز هذه الفرضية هو عدم القيام بأي رد فعل بُعيد أي ضربة إسرائيلية يمكن من خلالها استهداف المواقع الإسرائيلية في العمق على الرغم من وجود إمكانية ذلك بسبب امتلاك جيش الأسد صواريخ أرض - أرض قصف بها الشعب السوري الثائر والتي وصلت إلى الحدود التركية التي تبعد أكثر من "350" كيلومترا عن دمشق ومن المؤكد أنها قادرة على الوصول إلى أي هدف في إسرائيل، كما يعزز فرضية الاتفاق الروسي الإسرائيلي هو عدم تصدي قواعد الصواريخ الروسية "S-400" الموجودة في قاعدة حميميم على الساحل السوري والتي تملك الإمكانيات للتصدي لهذه الطائرات ولو بشكل جزئي، أما لماذا لا يقوم الإيرانيون بالرد على الاستهداف المتكررة لحرسها الثوري وميليشياتها وكبار ضباطها وفنيها العاملين في سوريا فهذا السؤال أعتقد الإجابة عليه من خلال تقدير الإمكانيات القتالية للقوات الإيرانية في سوريا وقدرتها على المواجهة العامة مع إسرائيل وأميركا في سوريا أو لبنان أو العراق وأعتقد جازماً أن نظام الملالي لو يستطيع الرد على هذه الضربات وخاصة الضربات التي أدت إلى مقتل خيرة قياداته في الحرس الثوري أمثال قاسم سليماني وغيره من كبار قادة الحرس الثوري لما تأخر لأنه يعرف بأنه لا يملك خطة جاهزية لقواته في الوقت الحالي يمكن أن تقارع القوات الجوية والصاروخية الإسرائيلية، ولهذا السبب أعتقد أنه يلتزم الصمت مكتفياً بالتهديد والوعيد الإعلامي بانتظار استكمال البنية القتالية والفنية لقواته في مناطق نفوذه في سوريا والعراق ولبنان، وأعتقد أن إسرائيل معها الولايات المتحدة الأميركية لن تسمح له بهذا وستبقى الضربات الجوية والصاروخية مستمرة من أجل ذلك إلى أن يصل الأمر لمرحلة الانفجار الكبير، ويمكن أن يكون هذا الانفجار شرارة حرب عالمية ثالثة ستكون الحرب السيبرانية مرتكزاً رئيسياً لها وما حدث منذ أيام قليلة من استهداف تجريب لإيران بهجوم سيبراني أدى إلى انقطاع الكهرباء عن مجمل الدولة الإيرانية مؤشر واضح على استخدام هذا الأسلوب من الحروب في الحرب القادمة وأعتقد أن هذه التجربة ستكون بداية النهاية لنظام الملالي في طهران.