أن يحافظ فضل شاكر المحاصر في مخيم بجنوب لبنان على حصد ملايين المشاهدات لكل أغنية يطرحها عبر قناته على اليوتيوب خلال أيام، هو أكبر استفتاء على شعبيته الكبيرة، وهو أعظم دليل على أن كل حملات التشويه التي تطوله من الإعلام البترو إيراني والأسدي مجرد زوبعة في فنجان، وكذلك هو برهان على تفوق فضل شاكر على أغلب مطربي الصف الأول العرب، الذين يتمتعون بإمكانات إنتاجية ضخمة، وتسويق وترويج عالٍ تقوم به محطات الخليج العربي، إلا أن نتائجهم يمكن اعتبارها هزيلة، أمام فنان ملاحق يغني في استديو منزلي بسيط، وتحجم أغلب المحطات العربية واللبنانية عن عرض أغانيه.
أغنية ملك الإحساس الجديدة التي طرحها كمعايدة منه لجمهوره بمناسبة عيد الأضحى، استطاعت أن تنال ملايين المشاهدات خلال أيام، كما هي عادته في أغانيه "السنغل" التي بات منذ عودته عن اعتزال الفن عام 2018 يطرحها مفردة من دون ألبوم كامل كل عدة أشهر، وتلقى إعجاباً وتفاعلاً كبيراً من المتابعين المتعطشين للحس الرومنسي الصادق، في زمن بات الفن فيه تجارة والأحاسيس مجرد ادعاء، والضحالة والخفة تتسيَّدان المشهد في وسائل التواصل الاجتماعي.
على أن هذا الفنان معروف بانتقاء كلمات أغانيه بعناية فائقة، ومنها ما يعبر عن واقعنا بشكل عام والواقع العربي المنكوب خصوصاً، فمثلاً أغنيته الأخيرة التي هي من كلمات رؤوف رأفت وألحان أحمد العمر ومحمد الأيوبي وتوزيع عمرو الخضري، تقول بعض كلماتها "عايشين ومش عايشين، أيام نقضيها.. خايفين ومش شايفين، نهايتنا أي فيها"، وكأنها إسقاط على الحالة العربية الراهنة فيما بعد الانتكاسات التي تعرضت لها موجات الربيع العربي.
رغم شكواه من الظلم الواقع بحقه من الإعلام اللبناني والعربي فإنه بدا غير نادم على مناصرته الشعب السوري في ثورته على النظام الأسدي
قبل نحو سنة ظهر شاكر في أكثر من بث مباشر مع ابنه محمد عبر صفحته على الإنستغرام، فرغم شكواه من الظلم الواقع بحقه من الإعلام اللبناني والعربي فإنه بدا غير نادم على مناصرته الشعب السوري في ثورته على النظام الأسدي، وكلنا يتذكر كيف أنه تفاعل مع الثورة السورية منذ بداياتها، وفي مهرجان موازين الشهير بالمغرب عام 2012 دعا على بشار الأسد أمام عشرات الآلاف من الجماهير لأن جيشه كان ينكل بالمدنيين السلميين على امتداد المدن السورية، بدون أن يعبأ بما قد يناله من أذى جراء ذلك، فأغلب الفنانين في حالات كهذه يلتزمون الصمت كي لا يخسروا من جماهيريتهم، في حين أن فضل قال كلمته بكل شجاعة، رغم أن النظام مجرم، ومغطى دولياً، والدليل عشرات الاغتيالات والجرائم التي اقترفها خلال نصف قرن دون أن تتم محاسبته، ألم يقتل بالمشاركة مع ميليشيا حزب الله رفيق الحريري، ثم تمت تبرئة النظام وتمييع القضية!
حال فضل شاكر يشبه حال الشعب السوري الذي عندما وقع تنكر له الجميع وخذلوه، وهو حتى باصطفافاته الخاطئة يشبه اصطفافات الثورة السورية، فكان يكفي ملك الإحساس أن يكون إلى جانب الثورة بصوته الجميل ومواقفه الإنسانية النبيلة، دون أن ينجر للجماعات السلفية، وحينها كان سيخدمها أيما خدمة.
لقد دفع فضل ثمناً باهظاً لقاء التزامه مع جماعة الشيخ السلفي أحمد الأسير، وهو ما اعترف به لاحقاً خلال أكثر من لقاء صحفي، صحيح أنه تمت تبرئته من قبل محكمة لبنانية في تموز عام 2018 من تهمة تشكيل عصابة مسلحة، والقيام بأي أعمال إرهابية، وسلب أموال الناس، ولكن الرجل ما زال لديه حكم غيابي من القضاء العسكري يقضي بسجنه خمسة عشر عاماً على خلفية مشاركته في ما بات يعرف بأحداث عبرا، وهي المعركة التي استدرجت فيها ميليشيا حزب الله عبر أذرعها في الجيش اللبناني الشيخ أحمد الأسير إلى قتال مع الأخير عام ألفين وثلاثة عشر.
فضل شاكر الذي كان حينذاك معتزلاً الفن، ومنضماً لجماعة الشيخ السلفي أحمد الأسير، متهمٌ بالمشاركة في تلك المعركة، وإن كان إعلامياً فقط.
بكل الأحوال القاصي والداني يعلم أن الإعلام في لبنان مسيس من بابه لمحرابه، فمجرم مثل ميشيل سماحة ضُبط بالصوت والصورة وهو يعد المتفجرات لتفجيرها في الكنائس والمساجد، إضافة إلى إدانته بتشكيل عصابة مسلحة لاغتيال شخصيات سياسية وميدانية، خرج من السجن خلال عدة سنوات، مقابل كفالة مالية.
عاد فضل شاكر عن اعتزاله الغناء عام 2018، وكانت عودته ميمونة، بدأها مع أغنية "بديت أتعافى من جرحك بديت أطيب" وجاءت كتمهيد لعودته للساحة الفنية التي ظل لسنوات من ألمع نجومها، وكان المنعطف مع أدائه أغنية مسلسل "أقوال أخرى" التي لعبت بطولته يسرى، إذ تراجعت الشركة المنتجة عن أداء شاكر للشارة، ولكن الأغنيةَ بقيت على اليوتيوب لتحصد ملايين المتابعات، الأغنية الثانية التي طرحها فضل وكانت علامة فارقة هي "ليه الجرح" والتي تكلم فيها عن خذلان الأصدقاء وتنكرهم، وكأنه يصف حال الثورة السورية، التي لم يبعها أصدقاؤها -الذين كانوا يُسمون حينذاك بأصدقاء الشعب السوري- سوى الكلام والكلام فقط.
أغنية "إبقى قابلني" التي طرحها قبل عدة أشهر زادت مشاهداتها على 53 مليونا على اليوتيوب، وفيها عاد فضل شاكر رسمياً من مخبئه، إلى صدارة المشهد الفني، وكأن هذه الأغنية لامست شيئاً مفقوداً عند الجماهير العربية، المتعطشة للعودة للحب، بعد أن أُبعدت عنه طيلة سنوات الربيع العربي، وما رافقها من خذلان، وانتهاكات ومتاجرة، ومزايدات، ومحاولات للخروج من الواقع الحالي إلى واقع أفضل باءت كلها بالفشل.
لولا صدقه لما كان وضعه على ما هو عليه اليوم، وهو يدفع فاتورة صدقه وموقفه من نظام الأسد
فضل واحد من مطربين عرب قلائل يؤدي الغناء بسلاسة، فيغني وكأنه يتكلم بشكل طبيعي، وهي ذات مدرسة عبد الحليم حافظ التي لا تعتمد على الطبقات الصوتية العليا، إنما الطبقات الوسطى والدنيا، المحملة بكم كبير من الدفء والأحاسيس الصادقة، ولولا صدقه لما كان وضعه على ما هو عليه اليوم، وهو يدفع فاتورة صدقه وموقفه من نظام الأسد، ولكن لا ظلم يدوم، لا سيما أن هذا الظلم قد بلغ أقصى مداه وبات يخيم بظلاله السوداء على عدة بلدان، ما يجمع بينها هو أن أغلبها أصبح وضعه على شفا مجاعة.