"فالق شرق الأناضول": رسائل فوق الركام

2023.02.12 | 05:58 دمشق

  "فالق شرق الأناضول": رسائل فوق الركام
+A
حجم الخط
-A

لليوم السابع على التوالي تواصل فرق الإنقاذ التركية، البحث عن الأحياء تحت ركام زلزال "فالق شرق الأناضول"، الذي طال 10 مدن جنوبية ووصل إلى شمال سوريا موقعا في الجانبين آلاف القتلى والجرحى ومتسببا بكارثة طبيعية يصعب الخروج المبكر من ارتداداتها الحياتية والاجتماعية والاقتصادية وحتما السياسية.

الأرقام تتحدث عن مشاركة 140 ألف متطوع وناشط وموظف من داخل تركيا وخارجها في حملة سباق مع الزمن لإنقاذ ما بمقدورهم إنقاذه من أرواح تنتظر تحت الأنقاض. لكن حقيقة المشهد المأساوي تتحدث أيضا عن تعرض مساحة جغرافية تتجاوز مساحة ألمانيا لارتدادات الزلزال وتضرر 13،5 مليون مواطن تركي يعيشون هناك وسقوط نحو 6000 آلاف مبنى مما حول الفاجعة إلى كارثة العصر في تركيا. المقلق أكثر هو أرقام يتحدث عنها بعض الأكاديميين الأتراك حول عدد المدنيين الموجودين تحت الركام والذين يقدرونهم بعشرات الآلاف دون أي توضيح رسمي حول ما يقال بعد.

فرق الإغاثة الروسية والأوروبية والأميركية والعربية والإسلامية التي تتحرك فوق الأنقاض على مقربة من بعضها بعضا همها الأول هو انتشال مواطن من تحت الركام

تجاوز عدد الدول المشاركة في عمليات الإنقاذ وتأمين الاحتياجات للمتضررين في زلزال تركيا الثمانين دولة من مختلف بقاع الأرض. العامل الإنساني هو الأول طبعا لكن هناك علاقات دولية ومصالح ثنائية وإقليمية مشتركة أيضا وهناك وهو الأهم مسارعة تركيا للوقوف إلى جانب هذه البلدان في أزماتها وكوارثها الطبيعية والمشاركة في تأمين احتياجاتها دون تردد: رئيسة وزراء فيتنام ورئيس وزراء باكستان يخصصان راتب شهر كامل كمساعدات لمتضرري الزلزال. هي خطوة رمزية إلى جانب ما يقدمه كلا البلدين لتركيا في هذه الآونة. فرق الإغاثة الروسية والأوروبية والأميركية والعربية والإسلامية التي تتحرك فوق الأنقاض على مقربة من بعضها بعضا همها الأول هو انتشال مواطن من تحت الركام. اللغة المختلفة والتباعد السياسي لا مكان له هناك اليوم. 9 دول غربية توترت علاقاتها مع أنقرة قبل يومين من وقوع الزلزال، بسبب إغلاق أبواب قنصلياتها في إسطنبول تحت ذريعة الأسباب الأمنية، تأخذ مكانها في الصف الأول بين القادمين للمساعدة والوقوف إلى جانب تركيا. الرئيس المصري يتصل بنظيره التركي معزيا ومتضامنا ومؤكدا استعدادا بلاده لإرسال المزيد من فرق الإغاثة والدعم. رئيس الوزراء اليوناني يقول كل إمكاناتنا تحت تصرفكم. والفرق الإسرائيلية تضع اللمسات الأخيرة على المستشفى الميداني الذي تنجزه.

في الداخل التركي ينتظر الحزب الحاكم أياما صعبة وهو يرد على تصعيد قوى المعارضة التي أسقطت باكرا جدا الهدنة السياسية رغم هول الكارثة:

- لماذا الإعلان عن حالة الطوارىء لمدة 3 أشهر في المناطق المنكوبة مع أن هناك خيارات قانونية أخرى تمنح المحافظين والبلديات صلاحيات استثنائية في ظروف من هذا النوع؟

- أين ما قيل من قبل قيادات حزب العدالة والتنمية عام 2003 بعد زلزال مدينة بينغول في الشرق التركي والانتقادات اللاذعة إلى قوى المعارضة وقتها وتحميلها مسؤولية سقوط الكثير من المباني بسبب عدم احترام مواصفات البناء والفساد والرشاوى؟

- كيف تعاملت الحكومة مع تحديد أرقام الموازنات العامة المخصصة للعديد من الوزارات والمؤسسات بالمقارنة مع موازنة رئاسة إدارة شؤون الكوارث والطوارىْ التركية (أفاد) التي كان نصيبها 2،3 مليار ليرة في موازنة العام 2023، وهي نسبة متدنية جدا بالمقارنة مع العديد من الأموال المخصصة لمؤسسات رسمية أخرى؟

- هذا إلى جانب مطاردة ما أعلنه الرئيس التركي لناحية الوعد بإعادة بناء ما تهدم خلال عام واحد. وهو الأمر الذي يحتاج إلى طاقات جبارة وتمويل بمليارات الدولارات. وتذكيره أن قوى المعارضة ستحول دون تجييره لهذا الوعد إلى فرصة سياسية انتخابية بعد أشهر.

- ودون أن ننسى نقاشات كيف ستوفر السلطات المليارات لتمويل إعادة بناء ما تهدم وتلبية احتياجات المتضررين المعيشية والاجتماعية والصحية الملحة؟

امتحان جديد لأردوغان وحزبه في السلطة وهما اللذان كانا يستعدان لخوض انتخابات رئاسية وبرلمانية صعبة بعد 4 أشهر. الأولوية لإكمال عمليات الإنقاذ وإسعاف الجرحى والمصابين ونقل المدنيين إلى مناطق مجاورة وتأمين احتياجاتهم من إيواء وطبابة وطعام وتعليم. الحديث يدور عن عشرات الآلاف الذين ينتظرون هذه المعاملة.

يقول الرئيس التركي إن الدولة ستعيد إنشاء ما تهدم خلال 12 شهرا. رهان كبير في مساحة جغرافية واسعة وسط انتقادات المعارضة السياسية التي رفضت المهادنة وانتظار خروج البلاد من الوضع الإنساني الصعب الذي تعيشه. فما الذي ستفعله حكومة العدالة والتنمية خلال الأشهر الثلاثة القادمة مستفيدة من إعلان حالة الطوارئ في المناطق المنكوبة؟ أم أنه سيكون لردة فعل الطبيعة نتائجها السياسية كما تقول بعض الأصوات المعارضة حول أن الحزب الحاكم جاء بعد زلزال مرمرة عام 1999 وهو قد يرحل بعد زلزال قهرمان مرعش 2023؟ أنصار حزب العدالة لن يتركوه وحيدا طبعا وسيبذلون ما بمقدورهم لإفشال محاولات قلب المعادلات السياسية والحزبية في البلاد وحيث تعجز قوى المعارضة حتى اليوم في إقناع الناخب التركي بالتخلي عن أردوغان وحزبه؟

من يقود السفينة عليه الإبحار بها نحو شاطىء الأمان وإلا فإن الثمن لن يقل عن أضرار وخسائر الكارثة.

المطلوب هو قيادة مستقلة متخصصة بتمويل موحد ومراكز وفروع في دول المنطقة على تواصل دائم بموازنة تليق بالثروات والخبرات والمؤهلات التي نملكها وروح التضامن والتكافل التي رأيناها فوق الركام

إقليميا منح الزلزال في تركيا وسوريا العديد من القيادات السياسية والنخب العلمية وكبار المشرفين على منظمات وهيئات الإغاثة في المنطقة فرصة استخراج الدروس والعبر حيال ما يجري والتأكد أن الوقت قد حان لتبني سياسة إقليمية حقيقية في التعامل مع الكوارث والآفات الطبيعية التي يتزايد عددها يوما بعد يوم. الدرس الأهم ربما هو ضرورة الاستعداد الإقليمي بين دول المنطقة لبناء منظومة علمية متخصصة تساهم في تجهيز الآلاف من فرق الإنقاذ بكفاءات عالية للتعامل مع كوارث طبيعية من هذا النوع. بقدر ما نهتم بالسياسة والاقتصاد والسياحة والأمن والرياضة، مواجهة ارتدادات كوارثنا في الزلازل والحرائق والفيضانات تستحق أن نتوحد معا في الإقليم أيضا. المطلوب هو قيادة مستقلة متخصصة بتمويل موحد ومراكز وفروع في دول المنطقة على تواصل دائم بموازنة تليق بالثروات والخبرات والمؤهلات التي نملكها وروح التضامن والتكافل التي رأيناها فوق الركام.

طالما أن معظم خبراء الجيولوجيا وعلماء الزلازل يحذرون باستمرار من ويلات وكوارث قادمة فالنقاشات حتمية بين دول الإقليم باتجاه بناء هذا التكتل بخطط وبرامج علمية منظمة وفرق عمل مؤهلة تستنفر خلال ساعات وتكون جاهزة للانتقال من دولة إلى أخرى عند اللزوم بعيدا عن نداءات التطوع وحملات التعبئة الشعبية لتلبية الاحتياجات. ستمر الأيام وننسى المصيبة التي حلت بنا ونواصل حياتنا الروتينية بإنتظار كارثة جديدة تحل بنا لنتوحد مجددا في مواجهتها. أليس من الأفضل الاستعداد الحقيقي لمثل هذه الأزمات وتحضير الكوادر المؤهلة والمدربة وأصحاب الخبرة والمهارات لتنظيم عمليات الإنقاذ والتعامل مع الموقف وهو ما ينبغي أن يكون له الأولوية قبل البحث عن متطوعين وانتظار النجوم والمشاهير لتحريك الناس وتنظيم حملات التضامن والتبرعات لمواجهة النكبات؟