عن زيارة خالد مشعل إلى لبنان وخسارات حزب الله 

2021.12.21 | 12:40 دمشق

photo_2021-12-21_13-39-48.jpg
+A
حجم الخط
-A

عقب انتهاء الزيارة اللافتة والاستثنائيّة للأستاذ خالد مشعل رئيس حركة حماس في الخارج إلى لبنان لا بدّ من وقفات بعيدًا عن انفعال اللّحظة وردّة الفعل الرّغائبيّة الموافقة أو المخالفة، وبعد انتهاء الزّيارة تغدو الصّورة أكثر وضوحًا والمشهد أكثر تجليًّا. 

  • بين يدي الزيارة إلى لبنان 

بعد انتخاب مشعل رئيسًا لحركة حماس في الخارج أصبح من مسؤوليّاته الملقاة على عاتقه التّواصل مع الوجود الفلسطينيّ خارج فلسطين ورعايته، ولا يخفى على أحدٍ أنّ مخيّمات لبنان اليوم تحوّلت إلى عاصمة الشتات الفلسطينيّ لا سيما بعدَ إخراج الفلسطينيين في سوريا من معادلة الصّراع بفعل النظام السوريّ الذي دمّر مخيّم اليرموك الذي كان يلقّب بعاصمة الشتات الفلسطيني في زمنٍ خلا. 

تلقّى مشعل دعوة عقب انتخابه لزيارة لبنان من عددٍ من الفعاليّات الفلسطينيّة في لبنان، ونوقش الأمر في المكتب السياسيّ لحركة حماس الذي قرّر أن تكون الزيارة في منتصف الشّهر الأخير من عام 2021م متزامنةً مع ذكرى انطلاقة حماس ليكون الاحتفال بهذه الذكرى في مخيّمات لبنان، وتمّ الاتفاق على أن يكون الوفد ممثلًا لحركة حماس بمختلف أقاليمها وليسَ ممثلًا للحركة في الخارج، كما كان القرار أن يكون "أبو الوليد" رئيس الوفد في هذه الزيارة. 

تلقّت الحركة ترحيبًا بالزيارة من الجهات الرسميّة في لبنان بأركانها الثّلاثة الرّئاسة ورئاسة الوزراء ورئاسة مجلس النوّاب، غيرَ أنّ حدثًا استثنائيًّا وقع استلزم التوقف عنده، هذا الحدث هو إبلاغ قيادة حماس أنّ حزب الله في لبنان غير معنيّ بهذه الزيارة وأنّه لن يستقبل خالد مشعل. 

في ضوء المستجدّ الجديد وموقف الحليف المستهجن أعادت حماس تقييم الموقف وكان القرار الذي اتخذ في النهاية على مستوى حماس هو إمضاء الزيارة وإبلاغ حزب الله أنّ هذه الزيارة تأتي لخدمة الشّعب الفلسطيني وليست مناكفةً أو مكايدةً لأحد. 

وهنا لا بدّ من التأكيد أنّ هذا القرار اتخذ أيضًا على مستوى قيادة حماس كلّها بما فيها رئيس الحركة هنيّة ونائبه العاروري وليس قرار مشعل منفردًا. 

قبيل الزيارة بأيّام وقع الانفجار في مخيّم البرج الشّمالي الذي أودى بحياة أحد أبرز القيادات الشبابيّة والتربويّة في حركة حماس وهو الشّهيد حمزة شاهين، وعلى ضوء هذا الحدث المفاجئ قررت قيادة حماس إرسال وفدٍ من قيادتها يضمّ أعضاء من قيادات الأقاليم المختلفة للمشاركة في الجنازة وهو قرارٌ استثنائيّ يُحسب لقيادة حماس التي آثرت أن تكون في صفوف أبناء شعبها في موقفٍ كهذا على الرّغم من التحذيرات الأمنيّة والتوتر المتصاعد. 

وفي يوم الجنازة أطلقت عناصر قوات الأمن الوطني التابعة لحركة فتح النار على الجنازة فأودت بحياة ثلاثة من شباب حماس في لبنان؛ فازداد الوضع توترًا والمشهد تعقيدًا، ووصلت تحذيرات إضافيّة ومطالب جديدةٌ إلى قيادة حماس بعدم إتمام الزيارة والعدول عنها وتأجيلها على أقلّ تقدير. 

أعادت قيادة حماس تقييم الموقف، وكان إصرار مشعل على الزيارة وأنّ القيادة الحقيقيّة هي التي تكون بين أبناء شعبها في الميدان في ظروف صعبة كهذه حافزًا على اتخاذ قيادة حماس قرارًا نهائيًّا بإمضاء الزيارة وأن يكون مشعل رئيسًا لوفدها. 

وهنا لا بدّ من التوقّف مع نقاط في هذا المشهد السّابق للزيارة: 

أولا: قرار زيارة خالد مشعل إلى لبنان ليسَ قرارًا اتخذه مشعل بمعزل عن قيادة حماس كما حاولت الآلة الإعلاميّة لحزب الله تصوير ذلك من اللّحظات الأولى للزيارة، بل كانت الزيارة بقرار من قيادة حماس، وهنا يتضحُ أنّ كثيرًا من الحديث عن وجود رفضٍ من هنيّة للزيارة هو حديث رغائبيّ غير صحيح، وقليلًا من النظر إلى بنية الوفد الرسميّ للزيارة يوضّح ذلك، فالوفد ليسَ خاصًا بحركة حماس في الخارج فهو يضمّ في أعضائه فتحي حمّاد عضو المكتب السياسيّ للحركة وهو من قيادة الحركة في غزة، وحسام بدران  عضو المكتب السياسيّ أيضًا وهو من قيادة الحركة في الضّفة الغربيّة. 

ثانيًا: رفض حزب الله للزيارة هو رفضٌ لشخص خالد مشعل، وهو رفض ليسَ متعلقًا بالمقاومة أو بشيءٍ من تبعاتِها، بل هو رفضٌ نابعٌ من تحميل مشعل مسؤوليّة نأي الحركة بنفسها عن الأحداث في سوريا، وتحميله مسؤوليّة الانحياز إلى خيارات الشّعوب، على الرّغم من أنّ موقف مشعل كان حينئذ موقف حركة حماس الذي قرّرته قيادتها بمجموعها ولم يقرّره مشعل وحده. 

ثالثًا: يخسر حزب الله قبل الشّروع في الزيارة حنكته السّياسيّة التي طالما تباهى بها، إذ يقف في وجه زيارة حماس ويُظهر بموقفه هذا أنّ الحديث عن التحالف مع قوى المقاومة في المنطقة وعلى رأسها حركة حماس هو تعبيرات غير دقيقة عن علاقاتٍ خاضعة للمزاج الإيراني ومشروعها في المنطقة. 

رابعًا: إنّ موقف قيادة حماس في إمضاء الزيارة يُحسَب لها رغم مطالب حزب الله الذي يعدّ أقوى حلفائها في المنطقة هو رسالةٌ واضحة أنّ حماس لا تقبل أن تكون في جيب أحد وأنّ التحالف في إطار مقاومة المشروع الصّهيوني لا يعني خضوع حماس وقيادتها لإملاءات طهران أو حزب الله، وبهذا وضعت قيادة حماس الحركة في موضعها الذي يليق بها، وقد صدَقت العرب إذ قالت: أنتَ حيثُ تضع نفسك. 

  • العمل على إفشال الزيارة 

كانت البداية بتسليط الأقلام الموالية لحزب الله وإيران والنظام السّوري للهجوم على شخص خالد مشعل، فسرعان ما بدأت أقلام فيصل عبد الساتر وحسين مرتضى ووئام وهاب وأسعد أبو خليل وجوزيف أبو فاضل وغيرهم من الكتاب المحسوبين على حزب الله والمقرّبين منه بالطّعن بشخص خالد مشعل والهجوم عليه ومحاولة ترسيخ فكرة وجود خلاف جذري داخل قيادة حماس حول الزيارة. 

ومع وصول مشعل إلى مطار بيروت فوجئت وسائل الإعلام والصحفيون بمنعهم من دخول المطار ولقاء مشعل، وكان هذا أوّل الإجراءات التي تعطي تصوّرًا عن التحديات التي تواجهها الزيارة التي ستكون بالغة التعقيد. 

لم يكتفِ حزب الله برفض الزيارة وإعلانه عبر كتّابه رفض نصر الله استقبال مشعل، هذا الرّفض غير الحقيقيّ إذ إنّ حماس حين علمت بموقف حزب الله من الزيارة لم تطلب من أمينه العام لقاء مشعل أو وفد حماس؛ بل عمل الحزب على إفشال الزيارة أيضًا من خلال إجراءات عديدة  كان من أبرزها؛ الضّغط على نبيه برّي رئيس مجلس النوّاب لإلغاء اللقاء الذي وافق عليه بري مسبقًا وكان ضمن جدول الزيارة، وهو ما كان فعلًا فألغي اللّقاء، والضغط على نجيب ميقاتي لإلغاء اللقاء الذي تمّت عليه الموافقة المسبقة، ومن موافقات القدر أنّ الضغط على ميقاتي لإلغاء لقائه بمشعل كان ضغطًا من حزب الله والنظام السّوري، وعمل ميقاتي على الخروج من الحرج بإلغاء اللقاء في السراي الحكومي وتحويله إلى منزله لتبدو الزيارة زيارة شخصيّة. 

وكذلك كان هناك ضغط مشترك من سوريا وحزب الله على المفتي اللبناني عبد اللطيف دريان لإلغاء لقائه بمشعل، غير أنّ المفتي لم يخضع لهذه الضّغوط وتمّ اللقاء. 

كما عمل حزب الله على الضغط على عموم الشخصيّات اللبنانيّة الإعلاميّة والاعتباريّة لرفض لقاء خالد مشعل ظنًّا منه أنه بذلك يُفشل الزيارة وما درى أنه بسلوكه هذا يطلق النار على شعاراته وسياساته التي حاول جاهدًا تزيينها باسم التحالف مع المقاومة الفلسطينيّة. 

بل وصل الأمر بحزب الله ومعه النظام السوريّ إلى الضّغط على عموم الفصائل الفلسطينيّة ومنعها من لقاء مشعل فاستجابت جميعها إلّا زياد نخالة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الذي جاء زائرًا مشعل في مقرّ حركة حماس في بيروت في خطوة تُحسب له ولحركة الجهاد الإسلامي في رفضهم مطالب حزب الله لقاء خالد مشعل. 

وبلغت ذروة محاولات حزب الله إفشال زيارة مشعل بسحب وإلغاء ترخيص مهرجان ذكرى انطلاقة حركة حماس، هذه الاحتفاليّة التي كان مقررًا أن تكون حاشدةً ويلقي فيها مشعل كلمة حماس بهذه المناسبة. 

وأمام محاولات حزب الله إفشال الزيارة لا بدّ من تسجيل العديد من الملحوظات: 

أولًا: حرصت حماس على عدم الانجرار إلى المناكفات أو المهاترات الكلاميّة أو الهجوم على حزب الله وهي سياسة تنتهجها حماس مع عموم من يعمل على إيذائها أو محاولة الكيد لها، وهو يعبّر عن التوازن وتحمّل المسؤوليّة باقتدار، وهو الذي تتسم به حماس على الخلاف تمامًا من الطيش وفقدان الحصافة والرزانة التي تجلّت في سلوك حزب الله. 

ثانيًا: ركّزت حماس في خطابها الإعلامي على أنّ الزيارة تستهدف الوجود الفلسطيني في لبنان وقد حققت الزيارة هدفها بأفضل مما كان مخططًا له، فكانت الزيارة هي التي وأدت فتنة كادت تطيح بالهدوء والاستقرار في المخيمات الفلسطينيّة في لبنان عقب إطلاق النار على الجنازة وسقوط العديد من الشهداء، كما حققت الزيارة حالة من الالتفاف الفلسطيني غير المسبوق حول قيادة حماس التي حضرت لتكون مع شعبها الفلسطيني في هذا الظرف الحالك المعقّد. 

ثالثًا: عملت قيادة حماس على الرّد العمليّ الهادئ على تصرّفات حزب الله ومحاولة إحداث شرخ في قيادة حماس والترويج لذلك، وتمثّل هذا الرّدّ في حضور نائب رئيس الحركة الشيخ صالح العاروري يوم الجمعة في لقاء أهالي الشهداء في صيدا وظهوره إلى جانب خالد مشعل وإلقائه كلمةً في اللقاء وهو ليسَ عضوًا في الوفد الرسميّ، وذلك في رسالة واضحةٍ لحزب الله وإيران أنّ قيادة حماس قد تتباين وجهات نظرها الداخليّة تجاه القضايا المختلفة في إطار تباين الآراء القياديّة لكنها لا تسمح لأحد أيًا كان أن يستفرد بأحد قياداتها، فكيف إن كان هذا القائد هو خالد مشعل الذي كان رئيس حركة حماس لعشرين سنة ويرأس الآن الحركة في الخارج، كما أنّ قيادة حماس لن تسمح لأحد بمن في ذلك إيران وحزب الله أن يعبث بأحشائها، وهي رسالة تُحسب للشيخ صالح العاروري وتعبّر عن مدى تماسك قيادة حماس في مواجهة محاولات العبث بوحدة الحركة. 

رابعًا: لم تفشل زيارة مشعل بل الذي فشل وخسر هو حزب الله؛ خسر حين قرر أن يواجه حركة مقاومة يقول إنها حليفة له، وخسر حين قرر أن يواجه أحد أبرز أعمدة المقاومة الفلسطينيّة، وخسر حين أفصح بشكل طائش عن إصراره على معاقبة قيادة حماس على موقف مبدئيّ اتخذته في رفض الظلم فكان يعاقب نفسه بمزيد من التعرية أمام الرأي العام، وخسر أيضًا حين جاءت تصرفاته بعكس ما أراد فحققت الزيارة مزيدًا من التماسك الداخلي في بنية حماس بالتفاف أبنائها حول قيادتهم وتماسك القيادة في مواجهة محاولات التفتيت، كما حققت مزيدًا من الالتفاف الفلسطيني حول قيادة حماس في مخيمات لبنان وفي عموم الشتات الفلسطيني، وحققت الزيارة أيضًا التفافًا كبيرًا من شعوب الأمة الإسلاميّة تجلّى في التفاعل الواسع مع الزيارة والتشنيع على موقف حزب الله وهو ما لم يكن حزب الله يحسب له حسابا. 

  • ماذا بعد الزيارة؟ 

لن تمرّ الزيارة من دون أن تلقي بظلالها على العلاقة بين حماس وحزب الله، وهي تعبيرٌ عن وجود إشكال في العلاقة، فلا يمكن اعتبار ما جرى من حزب الله أنه موجّه ضدّ شخص خالد مشعل، فأبو الوليد لا يمثّل نفسه بل هو رئيس الحركة في الخارج، وما فعله حزب الله هو استهداف لحركة حماس ممثلة بقيادتها. 

ليسَ من عادة حماس أن تدخل في مناكفات مع من يؤذيها عادة، لكن هذا الموقف لن يمر من دون أن يلقي بظلاله على العلاقة بين حماس وحزب الله، كما أنه سيأخذ حيّزًا من النقاشات الدّاخليّة في حماس حول التحالفات وطبيعة التعامل معها. 

في نهاية هذه الزيارة ربحت حماس بقيادتها كلّها، وربح خالد مشعل برمزيّته وحضوره القياديّ المتميّز، وخرج حزب الله خاسرًا في معركةٍ أشعلها هو وخسرها من دون أن يُبدي خصمه أيّ موقف مناكف، خسر سياسيًا وأخلاقيًّا في معركةٍ لا تحتاج إلّا إلى القليل جدًا من الحصافة السياسيّة التي لا تغيب عادة عن حزب الله، ولكنّ  الله غالب على أمرة وليقضي الله أمرًا كان مفعولا.

 

كلمات مفتاحية