منذ بداية شهر حزيران الماضي، وإلى عدة أيام خلت جرت أحداث تتعلق بالشأن السوري العام (مؤتمر مدنية، باريس، مسودة مشروع قرار أممي بشأن المغيبين قسرياً، تفاهمات سياسية بين هيئة التنسيق وقوات سوريا الديمقراطية) يمكن إعطاؤها جميعاً عنوان: "على هامش الحال السورية الراكدة" إذ تكتسي تلك الأحداث أهمية خاصة من كونها جرت على أرضية الفراغ أو الركود الذي تعانيه الحال السورية، ورغم أنَّ السوريين قابلوها بردود أفعال، ومواقف متناقضة، تباينت بين (ضد أو مع أو بين.. بين!) إلا أن تلك المواقف عبرت عن حالة صحية، فرضتها الروح الجديدة التي أخذت تتغلغل داخل المجتمع السوري، وخاصة في بلاد الاغتراب! كما يفرضها ثبات الحال السورية، واستمرار معاناة السوريين وتعقيدها، ولا يزال الصراع الدولي محتدمًا حول سوريا، كما لا تزال الاحتلالات قائمة ويؤيد النظام بعضها، وبعضها الآخر مسكوت عنه بفعل الواقع الذي يفرض نفسه، وثمة احتلال اقتحم المنطقة الشرقية دون استئذان من أحد، واعتمادًا على ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية.. وستحاول هذه المقالة إبداء رأي حول أهم تلك الأحداث..
أولاً: في السادس من حزيران عُقد في باريس مؤتمر تحت اسم "مدَنِيَّة"، وتمثلت فيه نحو مئة وخمسين منظمة مجتمع مدني، وموَّله رجل الأعمال السوري "أيمن الأصفري" وإذا كانت منظمات المجتمع المدني ممنوعة من الشغل في السياسة بطلب من المموِّلين! فهذا المؤتمر استدرك ذلك الأمر. إذ كيف لهؤلاء الشباب الذين قاموا بدءاً من العام 2011 وما بعده باحتجاجات ثورية ذات محتوى سياسي ألّا يساهموا في العمل السياسي؟! وخاصة أنّهمَ ومن خلال عمل منظماتهم قد اكتسبوا خبرات متنوعة سوف تصب، في نهاية المطاف، في بناء مجتمع الحرية السوري الذي يطمح إليه السوريون. ولم تتعارض نتائج المؤتمر مع ما توصل إليه المجتمع الدولي من توجهات للحل في سوريا وفق القرار 2254، وفي النهاية، يُعَدُّ هذا المؤتمر، خطوة إيجابية على طريق بناء دولة الحرية والمواطنة المتساوية المصانة بمبادئ وقوانين ديمقراطية يسعى إليها السوريون كافة..
يبقى مجرد طرح هكذا مشروع، إدانة قوية للنظام وهو مشروع يساهم في تعرية النظام أكثر فأكثر إلى جانب المجازر المتعددة واستخدام الكيماوي وصناعة المخدرات وتجارتها..
ثانياً: توصلت الأمم المتحدة إلى مسودة قرار يقضي بتشكيل مؤسسة أممية مستقلة تهدف إلى متابعة ملف المفقودين في سوريا، وكشف مصيرهم، وقد جاء القرار بأغلبية 83 دولة، ومعارضة 11، وامتناع 62 عن التصويت. ومن المؤسف حقاً أن تمتنع الدول العربية عدا "قطر" و"الكويت" عن التصويت، ولكن ماذا تقول إذا كانت معظم الدول العربية الممتنعة هي التي تطبِّع مع العدو الصهيوني، وتدعو للتطبيع معه، ورغم أن القرار ذو غايات إنسانية محضة، إلا أن الدول العربية أخذت هذا الموقف الشائن! فالمؤسسة التي اتُّخذ قرار بتشكيلها سوف تسعى للكشف عن مصير آلاف المفقودين وتريح آلاف الأمهات والآباء والأبناء والإخوة في سوريا، منذ اندلاع الثورة السورية وإلى اليوم، ويقدر "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عدد السوريين المفقودين أو المخفيين قسراً منذ عام 2011، بنحو مئة ألف إنسان سوري، فيما ترى مؤسسات سورية أن الرقم أعلى من ذلك بكثير، وربما وصل إلى أضعاف هذا العدد.. ومع ذلك يبقى مجرد طرح هكذا مشروع، إدانة قوية للنظام وهو مشروع يساهم في تعرية النظام أكثر فأكثر إلى جانب المجازر المتعددة واستخدام الكيماوي وصناعة المخدرات وتجارتها.. ومن هنا كان انزعاج ممثلي النظام، وعدّوا ذلك تدخلاً في شؤونهم الداخلية.. وبالفعل هو تدخل، إذ ليس لهم من شؤون الحكم غير القتل العمد، وقهر الشعب بأشكال شتى..
ثالثاً: توقيع وثيقة تفاهم بين "هيئة التنسيق الوطنية" و"مجلس سوريا الديمقراطية"، وهي الأهم رغم معارضة أغلبية السوريين لها، و(المعارضة هنا مشروعة لما لاقاه سكان الجزيرة السورية من معاناة تحت ظل حكم قسد) ولذلك يجب التوقف عندها، وقراءة بنودها، والتطورات الجارية في شمال شرقي سوريا والمتغيرات السياسية المحتملة هناك..
تضمنت الوثيقة خمسة بنود رئيسة نوجزها بما يلي: 1- إن تأسيس جبهة وطنية ديمقراطية سوريّا لقوى الثورة والمعارضة السورية ضرورة لمشروع التغيير الوطني الديمقراطي الذي يُخرج سوريا من محنتها باتجاه الخلاص من الاستبداد والتحول نحو الديمقراطية.
2- إجراء العملية السياسية دون إقصاء أحد وفق القرار الأممي 2254 وجميع القرارات الأخرى ذات الصلة، بما يكفل إنهاء نظام الاستبداد، وبناء سوريا ديمقراطية تعددية ذات نظام سياسي لامركزي، يتوافق عليه السوريون!
3- يتبنى الطرفان وحدة الجغرافيا السورية والسياسية، ويرفضان أشكال التقسيم كافة.
4- يتبنى طرفا الوثيقة الحل السياسي وفق القرار المذكور، ويرفضان وجود أية ميليشيا أو أي احتلال، ويجب أن يترافق ذلك مع الإفراج عن المعتقلين كافة، ويرفض الطرفان أي تغيير ديمغرافي في سوريا..
5- يؤكد الطرفان على أن الثروات السورية ملك للشعب السوري وأن محاربة الفساد مهمة وطنية..
لا بد من تأكيد أن الحل في سوريا هو الذي يحافظ على وحدتيْ الأرض والشعب ويتخلص من الاستبداد وآثامه كلياً لن يكون إلا وفق نظام ديمقراطي لامركزي ينسجم مع تطلعات السوريين..
إضافة إلى بنود الوثيقة (مفصَّلة على موقع تلفزيون سوريا: الإثنين/25/ 6/ 2023) يمكن قراءة خلفياتها في فشل تنظيم قسد وملاقاته معارضة كبيرة من المجتمع المحلي (العربي) في الجزيرة السورية، والأهم إدراك أميركا لذلك الفشل والعمل على "تشكيل حزام سنّي عشائري في سوريا، يتبعه امتداد له في العراق لتقويض نفوذ إيران وقطع شريانها البرّي من طهران إلى بيروت". (بحث نشره صالح الحموي الأسبوع الماضي على موقع "مركز كاندل للدراسات") ويتوافق هذا الحل في حال وجوده مع تركيا التي يلاحظ اليوم بداية انفراج مع أميركا..
وبغض النظر عن مدى دقة ما ورد في البحث لا بد من تأكيد أن الحل في سوريا هو الذي يحافظ على وحدتيْ الأرض والشعب ويتخلص من الاستبداد وآثامه كلياً لن يكون إلا وفق نظام ديمقراطي لامركزي ينسجم مع تطلعات السوريين.. وأن وثيقة التفاهم تأخذ بالحسبان، فيما أعتقد، أن مشكلة المكوِّن الكردي أو سواه من المكونات لا تُحل إلا من خلال تلبية حاجات الفرد السوري المادية والروحية وهذه لا يحققها هذا الحزب أو ذاك بالمحاصصة السياسية التي سوف تقود إلى استبداد آخر، بل عبر نظام ديمقراطي يقف معه، ويدعمه السوريون كافة، وأن الأحزاب التي ستشكل مستقبلاً لن تحمل صفات إيديولوجية بل سمات وطنية سورية ذات توجهات تنموية شاملة تفسح في المجال لإبداع المواطن السوري أينما وجد ومهما كان مكونه..