بعد آلاف التضحيات التي قدمتها حركة أحرار الشام على كامل التراب السوري، وإرث فكري خطّه حسان عبود ورفاقه، ما يزال تفجير "رام حمدان" الذي أودى بقادة الحركة، جرحا غائراً في ذاكرة النضال السوري.
ورغم مرور 10 سنوات على حادثة الاغتيال الأكثر غموضا في تاريخ الثورة السورية فإن أصابع الاتهام لم تجد ضالتها بين خصوم الحركة الكثر، ليبقى دم أكثر من 45 من قادة الحركة ضائعا بين القبائل.
تشكلت حركة أحرار الشام الإسلامية أواخر كانون الثاني 2013 من اندماج عدة فصائل عاملة في الساحة أهمها: كتائب أحرار الشام والطليعة الإسلامية وألوية الإيمان وألوية الفجر وكتائب الحمزة والجبهة الإسلامية الكردية وشهداء دير الزور.
وكان التركيز الرئيسي لقادة الحركة هو العمل على إنشاء تيار إسلامي يتميز بخصوصيته السورية، بعيدا عن تأثيرات وأفكار القاعدة وكذلك بعيدا عن توجهات الإخوان المسلمين.
وحرص قادة الحركة على رسم مسار فكري مستقل يتماشى مع الخصوصية السورية وظروفها، حيث بات هذا التوجه هو البوصلة الفكرية التي وجهت الحركة منذ نشأتها.
في حين اشتد التنافس بين تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان المسلمين على استقطاب حركة أحرار الشام، وذلك للاستفادة من القاعدة الشعبية الواسعة التي اكتسبتها الحركة خاصة بعد النجاحات الميدانية التي حققتها على الأرض.
وعكس الرواية السائدة التي تقول إن قادة الحركة خرجوا من سجن صيدنايا، فإن الثابت أنها تشكلت قبل خروجهم، بل إن كثيرا من قادتها ومؤسسيها لم يدخلوا صيدنايا أصلا.
صورة نمطية جديدة
وشكلت الحركة صورة نمطية جديدة للجماعات الجهادية، حيث ظهر قادتهم بأسمائهم ووجوههم بعيدا عن اللثام، وتميزت عن غيرها بالعمل المؤسساتي والنظام الإداري وهو شيء نادر بالجماعات المقاتلة في ظل الحروب. فلم تكلل المساعي لوصمها بالإرهاب بالنجاح، كما لم تنجح الضغوط التي مورست عليها من أجل ترويضها وتحويلها إلى أداة بيد القوى الخارجية.
حتى جاءت حادثة الاغتيال في مدينة رام حمدان في التاسع من أيلول/ سبتمبر 2014 إذ انفجرت عبوة تحمل غازا كيميائيا داخل مستودع لتخزين الأسلحة قرب غرفة الاجتماع. ليذهب في هذا التفجير أغلب قادة الحركة ومنظروها الذين يُعدّون حملة المشروع، على رأسهم قائد الحركة حسان عبود "أبو عبد الله الحموي" وأبو يزن الشامي، أبو طلحة الغاب، أبو عبد الملك الشرعي، أبو أيمن رام حمدان ومحيي الدين الشامي، أبو أيمن الحموي، طلال الأحمد تمام، أبو الزبير الحموي.
وأدى هذا الاغتيال في قيادات الصف الأول والثاني إلى زعزعة كيان الحركة وأدخلها في حالة من الموت السريري لم تصحُ منه حتى اللحظة. فقد بدأت النزاعات الداخلية بالخروج إلى العلن إذ بدا واضحا أن أحرار الشام تواجه ارتباكا فكريا داخل مجلس الشورى بين التوجه الجهادي والتوجه الوطني، ورغم المحاولات للتوازن مع هذا التباين الفكري
فقد خسرت الحركة كلا الطرفين. إذ لم تتمكن هذه القيادات من رأب الصدع داخل جسم الحركة بل وقادها للدخول في حالة من الضبابية انعكست بشكل سلبي ليس فقط على مستوى القرارات التي كانت تتخذها، بل أيضا على أدائها المؤسساتي.
فبدلا من اتخاذ قرارات حاسمة تسهم في تقوية موقف الحركة، كانت تلك القيادات عاجزة عن تقديم رؤية واضحة مما أدى إلى تراجع فعاليتها على الساحة الميدانية.
هيئة تحرير الشام.. المستفيد الأكبر
وبينما كانت هيئة تحرير الشام هي المستفيد الأكبر من هذا الصراع، لم تدّخر الأخيرة أي جهد في تعزيز ذلك الصراع داخل جسم ألدّ أعداء مشروعها، وقد توّجت تلك الجهود بالهجوم والسيطرة على مقرات الحركة وأهمها معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.
كما استطاعت تمزيق الحركة إلى جماعات تابعة لها كما هو الحال فيمن تبقى في مناطق إدلب وريفها والذين يطلق عليهم مسمى "أحرار صوفان" نسبة إلى (حسن صوفان) قائد الحركة عام 2017.
أما القسم الآخر ممن ذهب إلى مناطق الجيش الوطني في ريف حلب فقد انضوى تحت راية فصائل الجيش الوطني عموما والجبهة الشامية خصوصا.
أما على الصعيد الخارجي فقد شكل مؤتمر أستانا نقطة تحول هامة في طبيعة العلاقة بين حركة أحرار الشام وتركيا، فبحسب مصدر مقرب من قيادة الحركة في تلك الفترة أفاد بأن رفض أحرار الشام لمطالب الجار التركي المتمثلة بالمشاركة الفعالة في المؤتمر، جعل الأتراك يعيدون النظر في مدى جدوى هذا التعاون.
لينكشف الستار لاحقا عن واقع جديد لم تعد حركة أحرار الشام تحظى فيه بأي اعتبار يذكر، لتتحول إلى مجرد فصيل آخر ضمن عشرات الفصائل. دون أن يكون لها التأثير الذي كانت تتمتع به في الماضي أو القدرة على لعب دور بارز في التطورات العسكرية والسياسية.
بين قيادات منفية ومهمشة آثرت الاعتزال والانتظار، وأخرى تتحرك كبيادق على رقعة لعب أكبر منها من يعيد لأحرار الشام سيرتها الأولى؟ أو من يطلق عليها رصاصة الرحمة.