حاضر د. عزمي بشارة في ندوة عقدها المركز العربي للدراسات والأبحاث الإثنين الماضي تحت عنوان: "صفقة ترمب - نتنياهو خطة اليمين الأميركي الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية سياق تاريخي" المحاضرة تضمنت ثلاثة أقسام، قراءة تحليلية نقدية للصفقة في سياق تاريخي، ثم لماذا وصلنا إلى هنا كعرب وفلسطينيين؟ وأخيراً ما العمل لمواجهة الصفقة على طريق إفشالها؟
في بداية القسم الأول استعرض د عزمي المبادرات الأمريكية لحلّ الصراع العربي - الفلسطيني الإسرائيلي، الفلسطيني - الإسرائيلي بداية من مبادرة وليام روجرز وزير خارجية الرئيس ريتشارد نيكسون 1970 إلى مساعي جون كيري وزير خارجية باراك أوباما – 2014 - مروراً بمشروع بيغنيو بريجنسكي مستشار الرئيس جيمي كارتر – 1977 - ومفاوضات كامب ديفيد 1978 - ومشروع الرئيس رونالد ريغان – 1982 - وإعلان الرئيس جورج بوش الأب -1991 - ثم خريطة طريق جورج بوش الإبن – 2003 - المبادرات التي كانت منحازة لإسرائيل رغم سعي الإدارات الأمريكية المتعاقبة للتصرف كوسيط في سياق دورها كقوى عظمى في العالم، ورغم ذلك فقد قبلها العرب والفلسطينيون، بينما رفضتها إسرائيل - وصف رئيس وزرائها مناحيم بيغن مشروع ريغان بأنه جنين ولد ميتاً، رغم أنه أي ريغان اعتبر من أقرب الرؤساء الأمريكيين إلى إسرائيل - على عكس ما تروّجه بعض الأنظمة العربية لتبرير تخليها، وربما تساوقها مع المساعي الأمريكية والرواية الإسرائلية المنبثقة عن العبارة الزائفة والشهيرة لوزير الخارجية أبا إيبان ومفادها أن الفلسطينيين لم يضيعوا فرصة لتضييع الفرص.
د عزمي انتقل بعد ذلك لتقديم قراءة تحليلية نقدية لصفقة أو رؤية ترمب مفادها أنها تجاوزت أو بالأحرى كسرت كل القواعد التي اتبعتها الإدارات الأمريكية، إن كان لجهة الحفاظ على دور الوسيط، أو حتى الالتزام بقواعد القانون الدولي والسياسات
واصل د عزمي قراءته النقدية، عارضاً كيف هيمنت الرواية والسردية الإسرائيلية على رؤية أو خطة ترمب "صفقة القرن" حتى من الناحية الدينية والتوراتية
المتراكمة للإدارات المتعاقبة، كما أنها تكرّس قاعدة القوة على حساب القانون، وهي القاعدة التي يجب أن ينتبه إليها جيداً الأوروبيون والآسيويون حسب تعبيره.
ثم أشار د عزمي إلى النبرة الاستعمارية الوصائية التي اتبعتها الرؤية - الخطة تجاه الشعب الفلسطيني القاصر العاجز برأيها عن تقرير مصيره عبر طرح دفتر شروط أمامه كي يثبت جدارته من وجهة نظر إسرائيل التي ستمارس وفق هذا المنطق دور الخصم والحكم.
واصل د عزمي قراءته النقدية، عارضاً كيف هيمنت الرواية والسردية الإسرائيلية على رؤية أو خطة ترمب "صفقة القرن" حتى من الناحية الدينية والتوراتية، حيث استخدمت الخطة لغة يرفضها ليس فقط العلمانيون الصهاينة من مؤسسي إسرائيل إنما حتى المتدينون اليهود، ممن يعتبرون قيام إسرائيل تعدّياً على الإرادة الإلهية والخلاص عبر عودة المسيح، كما ارتبطت مصطلحات السلام والأمن بالإسرائيليين مع تصويرهم كضحايا مقابل شيطنة الفلسطينيين واتهامهم بالإرهاب والتخلف وتحميلهم المسؤولية عما وصلت إليه أوضاعهم، وليس الاحتلال الإسرائيلي الذي لم يرد ولا مرّة في الخطة التي كتبت بأيادي اليمين الإسرائيلي المتطرف.
إضافة إلى ذلك شرح د عزمي وبالأمثلة كيف هيمنت لغة المطورين العقاريين على الخطة تجاه الفلسطينيين تحديداً مع الحديث عن مرافق سياحية وفنادق، وحتى مطاعم ومراكز ترفيهية في سقطة تفضح نوايا وخلفيات واضعيها مع التصرف وكأن فلسطين قطعة أرض تعطى لرجال أعمال للاستثمار فيها.
ثم عرض د عزمي بعد ذلك كيف أن الخطة طبقت أو وضعت أسسها فعلياً على الأرض قبل إعلانها رسمياً عبر ثلاث خطوات قامت بها إدارة ترمب تمثلت بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ثم إيقاف الدعم عن وكالة الأونروا للاجئين الفلسطينيين وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وأخيراً إعلان وزير الخارجية مايك بومبيو عن شرعية المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في تناقض مع مواقف كل الإدارات السابقة علماً أن الخطوة الأولى أزاحت ملف القدس عن الطاولة. أما الثانية فطوت موضوع اللاجئين عبر إضعاف الوكالة التي دعمتها وموّلتها تاريخياً الإدارات الأمريكية. أما الخطوة الثالثة فلها علاقة بملف الحدود وتكريس فكرة الضمّ، وعدم الانسحاب إلى حدود حزيران/ يونيو 67، ما يعني عدم الالتزام بل كسر أسس عملية التسوية التي رعتها الإدارات الأمريكية في العقود الثلاثة الأخيرة.
د عزمي تطرق كذلك إلى الفريق الأمريكي الثلاثي الذي عمل على الخطة، صهر الرئيس جاريد كوشنير والمبعوث الأمريكي للمنطقة المحامى جيسون غرينبلات والمستوطن السفير لدى تل أبيب ديفيد فريدمان، ثم الشاب أفي بيركوفيتش الذي انضم للفريق بعد استقالة غرينبلات ساخراً من خلفياتهم وقدراتهم السياسية التفاوضية، مشيراً إلى أن الفتى بيركوفيتش يكاد يعبر عن المشهد كله، حيث عمل مساعداً شخصياً لكوشنير، هو - القهوجي خاصته - أو فتى القهوة كما وصفته مجلة فانيتي فير.
ثم انتقل د عزمي بعد ذلك للحديث وبالأدلة عن المغالطات الفجة والمستفزة التي تضمنتها الرؤية - الخطة عبر الزعم بانسحاب إسرائيل من 88 بالمائة من الأراضي المحتلة عام 67، علماً أن ذلك يتعلق بشبه جزيرة سينا وليس الضفة وغزة والجولان التي تمثل 12 بالمائة، كما جرى الزعم بتنفيذ إسرائيل لقرار 242 عبر الانسحاب من أراضٍ وليس الأراضي المحتلة، رغم أن القرار يتعلق بما تم احتلاله في حرب حزيران 67 حصراً للتمييز عما تم احتلاله قبل ذلك.
المغالطات المستفزة تضمنت كذلك الاستعداد لإعطاء الفلسطينيين حق استخدام ميناء حيفا واسدود، ومطار اللد، علماً أن هذا حاصل فعلاً حالياً لكون إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال.
ضمن المغالطات تطرق د عزمي إلى حديث الخطة عن تعويض اللاجئين اليهود الذين هاجروا من الدول العربية الإسلامية إلى إسرائيل، علماً أن هذه الأخيرة تعتبرهم قادمين جدد ولا تتعاطى معهم كلاجئين، كما لم يتم تهجيرهم قسراً بل هاجروا طوعاً نتيجة جهود ومساعي مكثفة قامت بها الوكالة اليهودية.
في المغالطات أيضاً وعند الحديث عن قرى المثلث ونقلها إلى سيطرة السلطة الفسطينية فإن الأمر لا يتعلق بتبادل أراض إنما بترانسفير وتهجير يجرى العمل لتنفيذه بحق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948.
مقابل ذلك يتم طيّ حق العودة للاجئين الفلسطينيين مع تجاهل حق التعويض أيضاً رغم أن كل الزعماء الإسرائيليين وافقوا مبدئياً على فكرة العودة ولو لعدد محدد من اللاجئين الذين هجروا فعلاً من فلسطين في العام 1948 وليس لأبنائهم وأحفادهم.
ثم خلص د عزمي إلى أن الخطة هي استمرار للواقع الراهن تحت مسمى دولة دون تغييره جدياً مع الإشارة إلى تنظير على الفلسطينيين للتخلي عن السيادة وتقبل دولة دون سيادة حقيقية، وتقديم أمثلة عن التحكم الإسرائيلي التام بها؛ سياسياً وأمنياً واقتصادياً مع سيطرة تامة على الحدود والأجواء وحتى على حفر آبار المياه فيها.
من هنا أكد د عزمي أن الدولة الفلسطينية المزعومة هي في الحقيقة تنفيذ لرؤية أو خطاب نتنياهو في جامعة بارا إيلان – 2009 - الذي كان رداً على خطاب باراك أوباما في جامعة القاهرة، وتجاوب نظري مع حلّ الدولتين حيث اعتبر نتنياهو آنذاك أن التسمية لا تهم إنما المضمون الذي ستتحكم فيه إسرائيل.
وفيما يتعلق بآثار الخطة أكد د عزمي أنها ستبقى أقله فيما يتعلق بنقل السفارة إلى القدس، ربما يتم تعديل ما عليها من قبل إدارات أمريكية قادمة، لكن الأخطر أنها ستكرّس عند الإسرائيلين فكرة أن خيار القوة هو المناسب والأمثل في مواجهة الفلسطينيين والعرب.
رغم ضيق الوقت فإن د عزمي عرض بإيجاز، لكن بتركيز القسمين الأخيرين شارحاً أسباب وصولنا إلى هنا في السياق الفلسطيني وتحديداً ما العمل لمواجهة صفقة اليمين الأمريكي الإسرائيلي المستفزة الاستعلائية والوصائية؟
في السياق الفلسطيني فقد كان اتفاق أوسلو العامل الرئيسي لوصول الأوضاع إلى ما وصلت إليه، لثلاثة أسباب رئيسية لأنه مكن إسرائيل من تحويل المناطق الفلسطينية إلى بانتوستانات أو معازل على الطريقة العنصرية في جنوب إفريقيا، ولأنه أقام سلطة
اعتبر د عزمي أن لا جدوى من الانشغال بفكرة الخروج من اتفاق أوسلو أو إنهائه لكون إسرائيل قضت عليه فعلاً
بدون دولة، ما جعل الصراع حولها مسألة وقت فقط، وأخيراً لأنه همّش منظمة التحرير لصالح السلطة، وحوّل القضية إلى مسألة تتعلق بجزء من الشعب الفلسطيني على جزء من أرض فلسطين بعدما كانت المنظمة حركة تحرر للاجئين الفلسطينيين تنال تأييد فئات وشرائح واسعة حول العالم.
أما حول سؤال ما العمل؟ فقد اعتبر د عزمي أن لا جدوى من الانشغال بفكرة الخروج من اتفاق أوسلو أو إنهائه لكون إسرائيل قضت عليه فعلاً، كما رأى أن لا جدوى من الحديث حول حلّ السلطة الفلسطينية لأن ثمة عشرات بل مئات آلاف الموظفين، ولأن الناس يحتاجون من يدير مناحي حياتهم المختلفة من أجل القدرة على الصمود لمواجهة الاحتلال والصفقة، وبالتالي لا بد من إعادة الحياة والاعتبار إلى منظمة التحرير كإطار قيادي جامع أو أي إطار قيادي آخر على هيئة المؤتمر الإفريقي – مثلاً - لتولي الجانب السياسي وإدارة الصراع مع إسرائيل بعيداً عن قيود الاتفاقات معها، والاستفادة من طاقات الفلسطينيين في أماكن وجودهم، كما لا بد من دعم أحرار العالم لهم والمواجهة لا بد أن تكون وفق خيار المقاومة طبعاً، مع التشخيص الصحيح للواقع الذي تريد الخطة تكريسه وتأبيده، ضد واقع الابارتهايد، والاستعمار الاحلالي والصمود الميدانى في مواجهة الاستعمار وتجلياته الاستيطانية والتهويدية فيما يتعلق بالأرض ومواجهة الابارتهايد في سياق نضال ديمقراطي إنساني يفهمه ويقدره العالم.