قد تصح تسمية هذا العام بعام الانتخابات الكبير، حيث تستعد سبعون دولة في العالم تقريباً لخوض انتخاباتها العامة، ومن المتوقع توجه أكثر من نصف سكان الكوكب إلى صناديق الانتخابات.
فمع ترقب العالم للحملات الانتخابية الأميركية التي تجري معاركها الصغيرة يومياً في أروقة الكونغرس وبرلمانات الولايات الأميركية، بين حزبي المحافظين والديموقراطيين، تشتعل التصريحات الإعلامية بين دونالد ترامب وجو بايدن، فبعض الولايات أعلنت منع ترامب من الترشح في أراضيها للانتخابات الرئاسية مثل ولاية كولورادو وولاية ماين، تُظهر تصرفات الرئيس جو بايدن بأن تقدمه في السن قد لا يسمح له بنشاط عقلي ثابت ومستمر تجاه أزمات العالم المشتعلة في عهده ومنها حرب أوكرانيا وحرب غزة، فبعد اضطرابه في تذكر اسم الرئيس المكسيكي ولفظه اسم الرئيس المصري بدلاً عنه اشتعلت التعليقات في وسائل الإعلام الأميركية عن أهلية الرئيس بايدن للترشح إلى دورة جديدة من الانتخابات، وبالطبع زاد الحزب الجمهوري من التركيز على أخطاء بايدن، في مقابل تركيز وسائل الإعلام المنحازة للديمقراطيين على تصريحات ترامب التي هزت العالم والتي دعا فيها إلى دعمه لبوتين في غزو الدول الأوروبية التي لا تدفع مستحقات التزاماتها في حلف الناتو. مما سبب هزة في أوساط الحلفاء الأوروبيين والأسيويين.
في مقلب آخر وعلى الجانب الروسي يتحضر الرئيس الحالي فلاديمير بوتين إلى خوض الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية في السابع عشر من شهر آذار القادم، وسط تكهنات مسبقة بنتيجة الانتخابات التي لم تتغير منذ تسلمه السلطة عام 2000، استبق بوتين الانتخابات بحوار صحفي مع الصحفي الأميركي كارلسون تكر، الذي لا يخفي توجهاته المحافظة والذي بدوره غادر محطة فوكس نيوز سابقاً، ليعلن استمرار عمله الإعلامي عبر منصات التواصل الاجتماعي حيث نشر لقاءه مع الرئيس الروسي، وخصوصاً منصة إكس، حيث حصدت تلك المقابلة بحسب تصريحات توكر نفسه أكثر من 80 مليون متابع عبر العالم.
تعد القضية الأوكرانية المسألة الأشد حساسية للإدارتين الروسية والأميركية، ويتهم أنصار المعسكر الروسي الإدارة الديمقراطية بدعم الحرب عبر تسليح الطرف الأوكراني المستمر
حرص الرئيس الروسي على مخاطبة الرأي العام الأميركي، وأكد في أكثر من مرة في خضم اللقاء على دعوة مواطني العالم لمشاهدة اللقاء بتأن، وكأنه يعلن بدء حملته الانتخابية عبر مخاطبة الرأي العام العالمي وليس الرأي المحلي الذي لا حول له ولاقوة في معارضة رأي التيار الحاكم في البلاد الروسية، ومن الجدير بالذكر أن اتهامات متعددة ذكرت التعاون أو التقارب بين بوتين وترامب سابقاً، إبان فترة الأخير الرئاسية، ولم يكن خفياً إعجاب ترامب بالرئيس الروسي والذي صرح عنه علانية أكثر من مرة.
تعد القضية الأوكرانية المسألة الأشد حساسية للإدارتين الروسية والأميركية، ويتهم أنصار المعسكر الروسي الإدارة الديمقراطية بدعم الحرب عبر تسليح الطرف الأوكراني المستمر، بينما يعتبر المحافظون بأن هذه الحرب عبثية وبأنه يجب على الحكومة الفيدرالية عقد صفقة مع بوتين لإنهاء الحرب التي كادت أن تطيح بالاقتصاد العالمي، بوتين يعلم بدقة بأن الاتهامات التي طالته بالتدخل في الانتخابات الأميركية سوف تتكرر، وهو إذ يساند المحافظين وعلى رأسهم ترامب في معركته الانتخابية شدد على ضرورة المفاوضات مع أميركا حول أوكرانيا، وليس على المفاوضات مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي.
تشتعل الانتخابات في أجزاء كبيرة من العالم، في مفصل حاسم في سياق التغييرات الدولية، فمن روسيا إلى الولايات المتحدة إلى بريطانيا وانتخاباتها العامة، إلى الهند وتايوان في آسيا
مما لا شك فيه بأن إدارة بايدن الديمقراطية وقبلها إدارة أوباما الديمقراطية قد أسهمتا بتدمير أحلام الربيع العربي، وربما أسهمتا بالتوسع الإيراني الكبير في الشرق الأوسط، لذلك تتمحور أكبر انتخابات في العالم في موسكو وواشنطن حول تلك الملفات وحول الضغط الاقتصادي الصعب الذي يعانيه العالم في الفترة الأخيرة والذي بدا في أجلى صوره مع الحرب على غزة وفي هجمات الحوثيين على السفن التجارية العابرة لمضيق باب المندب، وبالتالي عرقلة سلاسل الإمداد الممتدة من الصين إلى أوروبا وبالعكس. وبالطبع فإن وجود الحوثيين في اليمن هو إصبع جديد لبوتين في البحر الأحمر، عبر حليفه الإيراني. الذي بحسب وكالات الأنباء بدأ بالاهتمام بالشأن السوداني عبر استقبال قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، والذي عقد صفقة لشراء المسيرات الإيرانية في خطوة تعلن بدء تصعيد جديد في أكبر بلد عربي في القارة الإفريقية. لم ينته الأمر ها هنا بل إن الانتخابات الباكستانية التي عقدت مؤخراً والتي خاضها نواز الشريف ضد فريق عمران خان القابع في السجن، تؤكد على ترابط الملفات الدولية في الانتخابات عبر العالم، فكلا الطرفين أعلنا فوزهما بالانتخابات، عمران خان أعلن من سجنه فوزه بالانتخابات، وهو المقرب من المعسكر الروسي، ونواز الشريف كذلك أعلن فوزه بالانتخابات وهو المقرب من الولايات المتحدة. وفي قراءة سريعة للتطورات في شرق آسيا، حيث تبادلت إيران وباكستان الضربات الصاروخية قبل تهدئة سريعة، فإن الأحداث في باكستان تنذر بانقسام مشابه للانقسام السوداني، وبحرب أهلية ربما تستفيد منها جميع الدول المجاورة وعلى رأسها إيران. الناقمة على استضافة باكستان للمعارضة الإيرانية.
تشتعل الانتخابات في أجزاء كبيرة من العالم، في مفصل حاسم في سياق التغييرات الدولية، فمن روسيا إلى الولايات المتحدة إلى بريطانيا وانتخاباتها العامة، إلى الهند وتايوان في آسيا وخطورة الانتخابات فيها على سياق التوترات في جنوب شرق آسيا، إلى الانتخابات البلدية في تركيا، أما إقليمياً فإن الانتخابات الرئاسية في الجزائر ستكون حاسمة لجهة التعاون مع أوروبا وفرنسا بالذات، وبخصوص التطورات السياسية والعسكرية في دول الساحل خصوصاً بعد الانقلابات الثلاثة في دول مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
أما في إيران فإن انتخابات مجلس خبراء القيادة في عام 2024، فلن تكون مفصلية على الصعيد الشعبي وإنما على قدرات هذا المجلس في انتخاب المرشد العام، الذي سيقوم هذا المجلس بتسميته وانتخابه في حال تدهور صحة المرشد الحالي خامنئي.