عاد ترمب بـ "عصاه السحرية".. كيف سيؤثر على إسرائيل وسوريا وتركيا وإيران؟

2024.11.08 | 10:32 دمشق

422222
+A
حجم الخط
-A

عاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض من جديد فهل سيطلعنا على قراراته يومياً على منصة "إكس" التي يملكها حليفه الجديد وأحد ممولي حملته الانتخابية الملياردير إيلون ماسك؟ أم أن ترمب القديم قد تغير وسيكون لديه إدارة أكثر نشاطاً وصلاحيات من التي كانت في حقبته الأولى؟

عاد ترمب بصلاحيات الرئيس مدعوماً بكونغرس يضم أغلبية جمهورية في الشيوخ ومجلس النواب، إضافة إلى حلفائه في المحكمة العليا، ما يعني حكومة مرتاحة تشريعياً وقضائياً، وتحمل نفساً انتقامياً من رئيس يعتبر أنه لم يخسر انتخابات عام 2020 وعدّ نتيجتها مزورة، وعاد بأصوات الشعب والمجتمع الانتخابي في قفزة استثنائية للحزب الجمهوري في آخر عقدين.

ويبدو أن هذا النصر الانتخابي بالنسبة للحزب الديمقراطي كان هزة كبيرة جداً، خصوصاً أن فرص تجديد الإدارة لنفسها بولاية ثانية عادة ما تكون هي الأكثر حظوظاً باعتبارها تنال مكاسب السنوات الأربع في البيت الأبيض، إلا أن ترمب عاد مجدداً إلى الحكم في إصرار كبير مع محاولتي اغتيال أعطته زخماً شعبياً مضاعفاً، وإن كانت منافسته كامالا هاريس أكثر لباقة ودبلوماسية ومهارة سياسية، ومتواءمة مع منطق المؤسسات الأميركية وما يعرف بالدولة العميقة في البلاد.

وفي ظل صعود اليمين المتطرف بالعالم وخصوصاً في القارة الأوروبية، تعد عودة ترمب فرصة جديدة لدعم سياساتهم القومية والعرقية، خصوصاً بعد خسارتهم المدوية في المملكة المتحدة التي فاز فيها حزب العمال الذي يعد شبيهاً للحزب الديمقراطي في سياساته وتوجهاته بشكل عام.

وفي إطار ذلك، قد يكون المرشح التالي للجمهوريين بعد 4 سنوات أو 8 أخرى هو إيلون ماسك فهو يشبه ترمب بسلوكياته وأفكاره وصفقاته التجارية ويمثل فرصة لرؤية أميركا بصورة أكثر جنوناً وعنجهية.

ولا شك أن الداخل الأميركي سيأخذ حيزاً كبيراً من اهتمامات الرئيس العائد إلى بيته الأبيض، خصوصاً بما يتعلق بالاقتصاد والرعاية الصحية وملف الهجرة غير الشرعية والإجهاض، باعتباره قد استند على هذه الملفات بشكل كبير في حملته الانتخابية.

من غير المرجح أن يضرب ترمب إيران عسكرياً، فهو يتحدث عن سلام لا تشارك فيه الولايات المتحدة بقواتها، وهو ليس سلاماً بالمعنى المجرد بقدر ما هو ضبط لإيقاع الحروب.

صديق نتنياهو

أما فيما يخص السياسة الخارجية، فهناك من يتوقع أن ترمب القديم قد تغير، وهناك من يرى أنه ازداد خبرة إلا أنه الشخص نفسه ويغلب الطبع فيه على التطبع، ولذلك فقد يعيد سيناريوهات قديمة على رقعة العالم الجغرافية، فيقسم المقسم ويزيد التناحرات من دون أن يسمح بمزيد من الحروب باعتباره يفضل أن تكون الولايات المتحدة قوة ضاربة من دون استخدام البطش العسكري، ليظهر بأنه أقوى رئيس أميركي في تاريخ البلاد، ويرضي نزعته الجنونية بالعظمة والإنجازات و"القيادة الضرورة والمرحلية".

وفي المنطقة العربية والشرق الأوسط، يعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكثر الأشخاص فرحاً وسروراً بعودة ترمب إلى حصنه، فقد عمل نتنياهو على مط مدة الحرب لأكثر من سنة وشهر حتى الآن من أجل هذه اللحظة ونجح فيها، رغم كل الجرائم والمجازر التي ارتكبها في غزة، ثم نقل حربه إلى لبنان واغتال قيادات الصف الأول والثاني في حزب الله بمن فيهم أمينه العام حسن نصر الله، بعد أن سبق أن اغتال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران، ثم مقتل زعيم الحركة الجديد يحيى السنوار في مواجهات مع قوات الاحتلال بالمصادفة.

وقبل ساعات من إعلان فوز ترمب أقال نتنياهو وزير الدفاع في حكومته يوآف غالانت وعين بدلاً منه يسرائيل كاتس في خطوة يبدو أنها استقرائية سريعة لفوز ترمب بالرئاسة.

لدى نتنياهو لأربع سنوات أخرى حليف وصديق قوي بالبيت الأبيض سيكون سنده الأبرز بعد وقف الحرب، التي يتوقع أن تنتهي بصفقة حتى قبل أن تنتهي حقبة بايدن الرئاسية في شهر يناير/ كانون الثاني عام 2025، ما سيعطي المكاسب جميعها لترمب إلا إن سارت السفن نحو وجهة يريدها الديمقراطيون تعقد المشهد على الجميع.

أيام صعبة على إيران

في المقابل، تعيش إيران حالة صعبة، فقد حصلت على أكثر من 400 مليار دولار سهلة من عائدات النفط المباع إلى الصين، من جراء تراخي إدارة بايدن أو سعيها لعقد صفقة مع طهران، إلا أن العدوان على غزة ثم لبنان غيّر من ترتيبات المشهد أو عقدته، ثم جاء ترمب الآن ليعيد عقارب الساعة إلى الوراء.

من غير المرجح أن يضرب ترمب إيران عسكرياً، فهو يتحدث عن سلام لا تشارك فيه الولايات المتحدة بقواتها، وهو ليس سلاماً بالمعنى المجرد بقدر ما هو ضبط لإيقاع الحروب، أو الدفع نحو تجميد الصراعات مع تشديد العقوبات وتقليم أظافر إيران بالمنطقة وبالأخص في لبنان وسوريا، تحت إدارة رئيس يهوى الصفقات التجارية.

وقد يساهم انتخاب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الذي قدم على أنه رجل توافقي وإصلاحي بعد المقتل الغامض للرئيس المتشدد السابق إبراهيم رئيسي، في تخفيف صدمة عودة ترمب إلى البيت الأبيض، ويبدو أنه استقراء مبكر من قبل المرشد والدولة العميقة في إيران لسير الانتخابات الأميركية.

هناك الكثير من التعقيد الداخلي الأميركي قد يشغل الرئيس في المرحلة الأولى خصوصاً تتعلق بانتخابات تجديد الكونغرس، إلا أن مساعي اللوبي السوري الأميركي في الإدارة قد تساهمان بخلق تأطير جديد للعمل على الملف السوري وكسر جموده الأخير.

ما تأثير ذلك على سوريا؟

تعد سوريا اليوم على هامش الاهتمام الأميركي في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وكذلك الغزو الروسي لأوكرانيا، إلا أنها مرتبطة بتداعيات الملفين بطبيعة الحال، فنفوذ إيران وروسيا في سوريا هو الأكبر، مع العقوبات الأميركية على النظام السوري والتي تتجلى بشكل أساس في قانوني قيصر والكبتاغون 1و2.

ولا شك أن بقاء بشار الأسد في الحكم إلى الآن تم بقرار دولي تقوده الولايات المتحدة وتدعمه إسرائيل بشكل أساس ثم الفاعلين الآخرين من روسيا وإيران، وحتى وإن تغيرت الإدارات الأميركية، قد يؤدي ذلك لتغير التعاطي الدولي مع النظام وتقليل فرص إعادة إحيائه من جديد، فكل عمليات التطبيع العربي التي جرت مع النظام عام 2023، لم تستطع أن تعيد إنقاذه ولم يحصل منها على ما يريده من أموال أو مكاسب اقتصادية.

ومع قدوم ترمب اليوم، لا شك أن النظام السوري في وضع أصعب من السنوات الأربع الماضية، فقد تتسبب الإدارة الجديدة في حصاره بشكل أكبر ودفعه لتقديم تنازلات أوسع ليس بالضرورة بما يخص الحل، إنما بما قد يفيد إسرائيل في ظل قطفها لكل الثمار بالمنطقة بعد عملياتها السريعة في لبنان وجرائمها الجنونية في غزة.

ولعل أسماء الإدارة الجديدة ستكشف بعضاً من مؤشرات تعامل ترمب مع الملف السوري، فهناك الكثير من التعقيد الداخلي الأميركي قد يشغل الرئيس في المرحلة الأولى خصوصاً تتعلق بانتخابات تجديد الكونغرس، إلا أن مساعي اللوبي السوري الأميركي في الإدارة قد تساهمان بخلق تأطير جديد للعمل على الملف السوري وكسر جموده الأخير.

أردوغان العائد مع ترمب

كما أن إمكانية انسحاب الجيش الأميركي من مناطق معينة في شمال شرقي سيغير من تعقيدات المشهد على الحدود التركية السورية، التي قد تصبح ضمن النفوذ التركي وتوسع من مساحات وجودهم العسكري.

وهنا تركيا بمكان المرحب الأكبر بعودة ترمب الذي تسبب بتقوية نفوذها العسكري في المنطقة بعد ضبطه وتحجيمه في ظل إدارتي أوباما وبايدن، لنرى الترتيبات التركية المختلفة على الصعيد الداخلي والخارجي، فكل الخطاب الودي الذي وجهه زعيم الحركة القومية دولت بهتشلي لحزب العمال الكردستاني من إلقاء السلاح وبدء صفحة جديدة وما تلاه من هجوم عنيف يمكن وضعه في إطار استعداد أنقرة لمرحلة جديدة قد يتضمنها دخول عسكري إلى مناطق شمال شرقي سوريا.

وهنا لا بد من الإشارة إلى نهاية حقبة بريت ماكغورك الذي يعد راسم الخرائط الأبرز في إدارة بايدن بما يخص الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذي تحدث عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكثر من مرة معتبراً أنه مدير "قوات سوريا الديمقراطية (قسد)" ومن خلفها حزب العمال الكردستاني.

وقد تؤدي العلاقات الشخصية بين أردوغان وترمب لتحسين العلاقات التركية الأميركية، وتلغي فكرة التطبيع مع النظام السوري في المرحلة الحالية على الأقل.

كما أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي عقد في سوتشي في عام 2019، ربما قد يحمل أشكالاً جديدة، في حال تقلص النفوذ الإيراني في سوريا، وسعت الولايات المتحدة لتغيير قواعد اللعبة على الأرض.

كما يتوقع أن يلعب أردوغان دوراً مهماً في أي وساطة أوروبية روسية في أوكرانيا، التي يعد ترمب بتقليص الدعم العسكري لها، وهو ما ظهرت ملامحه في الأمس القريب بالقمة الأوروبية التي تشمل كل دول القارة العجوز تقريباً.

الحقبة الترامبية قد تساعد بعض الملفات على كسر حالة الجمود الموجودة فيها، وبالأخص الملف السوري، إلا أنها تحمل انحيازاً كاملاً لدور إسرائيل في المنطقة.

العرب والحقبة الترامبية

وعلى الصعيد العربي، تفضل معظم دول الخليج وأنظمة المنطقة العربية إدارة ترمب، فلا نقد حقوقي شكلي ولا إيقاف للمساعدات العسكرية وصفقات السلاح، وهو بالطبع يصب في صالح الإمارات والسعودية بشكل أساس، خصوصاً مع العلاقات الشخصية لجاريد كوشنر صهر الرئيس ترمب مع زعماء تلك الدول، خصوصاً بعد توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية في 2020، والتي أدت لتطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين والمغرب والسودان مع الاحتلال الإسرائيلي.

ويسعى ترمب لتوسيع اتفاقيات أبراهام أو اتفاقيات التطبيع مع الاحتلال بما يشمل أكثر من 7 دول عربية ما يعني انضمام ثلاث دول عربية أخرى للاتفاقيات التي لم تنجح إدارة بايدن في توسيعها.

وهنا يكمن التحدي الأبرز في أن الحقبة الترامبية قد تساعد بعض الملفات على كسر حالة الجمود الموجودة فيها، وبالأخص الملف السوري، إلا أنها تحمل انحيازاً كاملاً لدور إسرائيل في المنطقة وهو ما يعني تراجعاً إيرانياً مقابل تغول إسرائيلي وهو لا يحمل الكثير من المبشرات، لأن أي انتصار لإسرائيل لا يعني بالضرورة حدوث انفراجة بالنسبة لشعوب المنطقة بل العكس هو الصحيح المجرب تاريخياً، خصوصاً أن ترمب يرى جيوب العرب وثرواتهم ولا ينظر أبداً لتطلعات أي من شعوبهم.