شويغو الذي زار دمشق وإيران قبل أيام من اغتيال نصر الله

2024.10.02 | 06:52 دمشق

65111111
+A
حجم الخط
-A

في 16 أيلول 2024، ودون إعلان مسبق، ودون تصوير للقاء، هبطت طائرة سيرغي شويغو، سكرتير مجلس الأمن الروسي، في أول زيارة له بهذا المنصب إلى سوريا.

يبدو أن الأمر خطير، بل خطير جداً. لينتقل شويغو بعدها إلى طهران، لكن مع خبر مصور لاجتماعه برئيس الجمهورية في طهران مسعود بزشكيان والطاقم السياسي للرئيس.

الزيارة جاءت في أجواء الحرب التي ربما ستشنها إسرائيل برياً على حزب الله، وتزامنت أيضًا مع عملية البيجر. فماذا حمل شويغو في هذه الزيارة؟

إنذار شويغو.. كولن باول

يبدو أن الزيارة كانت ثقيلة على النظام؛ حيث لا خبر مصور ولا صورة مع الأسد ولا أي شيء سوى خبر وصور من الأرشيف. فيما يبدو أن الضيف كان محملاً بأشياء لا تسر. إذا ما قارناها مع زيارة شويغو لطهران، ستأخذنا هذه المقارنة إلى أن ما سمعه الأسد من شويغو كان لوماً وتقريعًا وتحذيرًا. خصوصًا أنه جاء متزامنًا مع عملية البيجر وعشية إطلاق إسرائيل عملياتها العسكرية والأمنية ضد حزب الله.

وإذا انتقلنا من دلالات التعاطي مع الزيارتين من جهة البروتوكول والإظهار الإعلامي إلى ما تم على الأرض من تعاطي الأسد مع تفجيرات البيجر وما لحقها من تعاطيه الفاتر عند انطلاق الحرب الإسرائيلية على حزب الله، نستطيع وضع تصور أولي لما سمعه الأسد من شويغو.

يبدو أن الرجل قدّم ورقة تحذيرات وطلبات شبيهة بتلك التي قدمها وزير الخارجية الأميركي كولن باول لرأس النظام في أعقاب احتلال العراق، والتي تمحورت حينها حول إغلاق مقار حماس والتنظيمات الفلسطينية وفك ارتباطه بحزب الله وإيران ووقف إرسال المقاتلين إلى العراق، وغيرها من المطالب التي اعتبرها النظام حينها إخضاعًا له وإنذارًا غير مقبول. فما الذي جعلنا نستدعي تلك الزيارة من الذاكرة لتكون قرينة لزيارة شويغو؟ الأسد هو الذي ترجم ورقة شويغو إلى أفعال على الأرض، وإن لم تخرج إلى العلن كما كان إبان زيارة كولن باول.

بشار الأسد تعامل مع الأحداث وكأنها تجري في الكونغو وليس على مسافة ساعة ونصف من قصره في دمشق.

كيف تم الاستنتاج؟

بسرد متسلسل لطبيعة تعاطي النظام مع الأحداث، بدايةً من "عملية البيجر" ولاحقًا تعاطيه مع العملية العسكرية التي لا تزال إلى الآن جوية. لم يقم النظام بتعزية حزب الله ولا حتى لبنان الرسمي بما يخص البيجر - مع أنهما كيان واحد في ظل حكومة ميقاتي - فقد ظهر الأسد في اجتماع مع الحكومة الجديدة ولم يأتِ على ذكر ما جرى وما يجري في لبنان. فإذا قارنا التعاطي السياسي والإعلامي مع حرب تموز 2006، لوجدنا أن بشار الأسد تعامل مع الأحداث وكأنها تجري في الكونغو وليس على مسافة ساعة ونصف من قصره في دمشق.

لتكتمل الصورة بخبر نشره موقع "تلفزيون سوريا"، حيث أورد: "أغلق النظام السوري قبل أيام مكتب تجنيد كان قد افتتحه حزب الله بالقرب من مقام السيدة زينب بريف دمشق بهدف استقطاب متطوعين للقتال ضمن صفوف (المقاومة الإسلامية في لبنان) في مواجهة إسرائيل على الجبهة الجنوبية في لبنان".

وتابع الموقع: "كشف مصدر أمني لموقع تلفزيون سوريا عن زيارة التقى فيها ضباط من مكتب الأمن الوطني مع القيادي في الحزب الحاج 'أبو علي ياسر' المسؤول المباشر عن مكتب التجنيد لإقناعه بإغلاق المكتب، وتجنب أي أنشطة تجنيدية علنية.

ورفض النظام السوري بشكل قاطع السماح لحزب الله بتجنيد أي سوريٍ للقتال في صفوفه ضد إسرائيل، رغم الشراكة الاستراتيجية بين نظام بشار الأسد وحزب الله في قمع الثورة السورية منذ العام 2011". انتهى الاقتباس.

في تلك المقارنة بين 2006 و2024، تقفز إلينا أسطر ورقة شويغو:

  1. إياك أن تشارك في أي نشاط معادٍ ضد إسرائيل.
  2. إياك والسماع لكلام الحرس الثوري وميليشياته، خاصة حزب الله.
  3. إياك ونقل الأسلحة أو السماح بالإمداد البشري.
  4. إياك واستخدام مناطق سيطرتك في أي تحرك ضد إسرائيل على جبهات الجولان والجنوب السوري عمومًا.
  5. تعاون معنا ولك قطعة السكر.

من الذي أعطى "المعلومة الذهبية" للموساد عن مكان وزمان وحجم الاجتماع الذي أودى بحياة حسن نصر الله وثلة من مجرمي الحرس الثوري؟

ليلة مقتل حسن نصر الله

ليلة 27 أيلول كان الزلزال الكبير الذي يبدو أن شويغو أشار إليه في زيارته الخاطفة والعاصفة والغاضبة. من المؤكد أن شويغو لم يعلم ما الذي ستفعله إسرائيل مع حسن نصر الله، لكنه كان يعلم أن قواعد اللعبة قد تغيرت، وجاء ليبلغ بشار الأسد بذلك. فماذا حدث؟ الذي حدث في ذلك المساء بدأ فيما يشبه خطاب النصر الذي ألقاه نتنياهو على منبر الأمم المتحدة، عارضًا الخيارات ومهددًا عرش المرشد، وقال: "يدنا ستطول الجميع"، فيما يبدو إيذانًا بإعطاء أوامر تنفيذ العملية التي غيّرت وجه الشرق الأوسط.

وقع الزلزال وقضي الأمر، وتمت الإطاحة بحسن نصر الله الذي ورطته إيران بارتكاب جرائم جسيمة في سوريا دعماً للنظام السوري. انفجارات عنيفة شابهت انفجار مرفأ بيروت، دخان مائل إلى الأحمر، مما يدل على قنابل غير عادية وأهداف محصنة. أقل من نصف ساعة وانطلقت الأخبار: اغتيال قيادة حزب الله بكاملها وعلى رأسها حسن نصر الله. وبين أخذ ورد، حذر إسرائيلي بدأ الخبر يتمدد، ليصبح الاغتيال حقيقة ولكنها تحتاج إلى شجاعة الاعتراف وترتيبات الخلافة. ولكن، من بقي منهم؟

استولى الخبر على حزب الله نفسه، حيث مرت ساعات ولم يستطع نفي الخبر، ولا بصورة ثابتة لحسن نصر الله. لتكتمل الصورة ليل الجمعة والسبت بالإجهاز على مستودعات السلاح الاستراتيجي، فيما يبدو لمنع قيام أي محاولة لبناء سلسلة قيادة جديدة. 50 غارة على الضاحية الجنوبية، وإعلانات متلاحقة عن تفريغ الضاحية. ومع ساعات الصباح، أعلن الجيش الإسرائيلي عن الخبر الصاعق: "قتلنا حسن نصر الله". مع توتر في طهران وأخذ المرشد إلى مكان آمن والتهديد والوعيد، والذي خلا من أي إشارة إلى بطلان خبر الاغتيال.

ساعتان ويعلن حزب الله مقتل قائده وأمينه العام. نعم، قُتل من تورط في دعم النظام السوري، فمن الذي أعطى "المعلومة الذهبية" للموساد عن مكان وزمان وحجم الاجتماع الذي أودى بحياة حسن نصر الله وثلة من مجرمي الحرس الثوري؟ فهل سيكون بشار الأسد هو التالي، استكمالًا لتغيير اسم العملية من "سهام الشمال" إلى "ترتيب جديد" أو "نظام جديد"؟ أم سيكون لشويغو قصب السبق بتحذيراته وطلب (التعاون ونيل قطعة السكر)؟ وبالتالي، هل ستقوم إيران بهذه المهمة؟