شرق أوكرانيا غرب سوريا!

2022.04.23 | 05:58 دمشق

thumbnail_alkarykatyr_alawl_lshhr_adhar_2022_alarhaby_alawl.jpg
+A
حجم الخط
-A

نحو شهرين على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية ولم يحقق بوتين حلمه بعد، فقد كان يخطط لإنهاء الوضع خلال ساعات أو أيام مع هزيمة مذّلة لأوكرانيا وفرض واقع على الأرض، واقع ربما يعيد تشكيل أوروبا بعد التغيير الذي أفرز دولًا جديدة بعد انهيار المنظومة الاشتراكية، لكن كل هذا لم يحصل بل لعل ارتدادات الحرب تكون على الاتحاد الروسي أكثر وضوحًا، فثمة ثلاثة سيناريوهات ربما نرى إحداها حقيقة على الأرض.

الأول: أن ينجح بوتين في شطر أوكرانيا إلى قسمين قسم شرقي يسيطر عليه، وآخر غربي منزوع السلاح وأن تتحول أوكرانيا لدولة محايدة.

الثاني: أن يتمكن الأوكرانيون من الصمود وتزداد فاتورة الخسائر ما يدفع لثورة داخلية تطيح ببوتين.

الثالث: أن يدفع الغرور ببوتين نتيجة الخسائر المتتالية لأن يوسع دائرة الحرب مما يعني حربًا تتخطى أوكرانيا.

مشكلة الحرب الحالية ليست بين دولتين متجاورتين ما يؤدي لانعكاس مشكلات الحرب على البلدين أو محيطهما في أسوأ الأحوال، ولكن مفاعيل هذه الحرب انعكست على العالم أجمع، لاسيما في الطاقة والغذاء فضلاً عن التهديد الذي يمسّ النظام العالمي الذي بني بعد الحرب العالمية الثانية وانتهى منذ حرب الخليج الثانية لسيطرة الولايات المتحدة بوصفها الدولة العظمى الوحيدة في العالم. وبناء على تلك المفاعيل الخطيرة ثمة سؤال: هل ما نشهده صراع بين روسيا والغرب؟

الاتفاق في سوريا والاختلاف في أوكرانيا

قبيل الحرب بين روسيا وأوكرانيا بسنوات، بدا أنّ روسيا تعود للساحة الدولية كقوة ثانية بعد الولايات المتحدة الأميركية، حيث غزت القرم ولم يحصل أيّ تحرّك دولي تجاهها، ثم غزت سوريا لمقاتلة الثورة وحماية نظام سقط بالشرعية الثورية، وارتكبت مجازر ضد الإنسانية ولم يتم تجريم غزوها ولا دعم الشعب السوري في مواجهة العدوان، ثم منعت الحراك الشعبي في كازاخستان تحت ذريعة محاربة الإرهاب وأبقت النظام المستبد المحسوب على موسكو. كل هذه الأفعال المخالفة للقانون الدولي ارتكبتها روسيا لفرض واقع في الأماكن التي ذكرناها، تزامن كل ذلك مع تراجع أميركي في عدة ملفات دولية، وانسحاب مفاجئ من أفغانستان؛ وقد ذهب الخيال بكثير من المحللين أنّ روسيا عادت قوة عظمى وأنّها تتصرف كندّ للولايات المتحدة الأميركية، وقد تمّ رسم صورة جديدة عن القوة العسكرية الروسية الهائلة وذلك من خلال ما فعلت روسيا في سوريا! لكن الحقيقة التي تكشّفت مع حرب أوكرانيا أن روسيا ذهبت لمقاتلة الشعب السوري "الأعزل" بطلب أميركي وموافقة غربية وبدعم من أنظمة عربية، ولعل تصريح رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق دومنيك دوفلبان أنهم أخطؤوا حين لم يحددوا وقتًا زمنيًا لروسيا في سوريا فضلاً عما كشفته صحف فرنسية أن فرنسا زودت الدبابات الروسية بأجهزة رصد حديثة. وقبل ذلك ثمة شهادة شهيرة في الكونغرس الأميركي لأندرو أكسوم أنّ أميركا سمحت لروسيا بالذهاب إلى سوريا، هذه الأمور دفعت ببوتين إلى أن يتخيل نفسه قادرًا على فرض واقع على أوروبا من خلال غزو أوكرانيا، ولا شك أن أميركا أغرته بذلك فقد عملت منذ الأزمة وقبيل الغزو على نصح القيادة الأوكرانية بالخروج وتحدثت أن الغزو قادم لا محالة، لكن الدول الأوروبية وفي القلب منها ألمانيا سارعت لدعم أوكرانيا بالسلاح واتخذت موقفًا حازمًا من موسكو حتى بدا أن الحرب بين روسيا والدول الأوروبية على أرض أوكرانية!

سوريا الحاضر الغائب في الحرب الأوكرانية

فتحت جرائم روسيا في أوكرانيا الأعين على ما حصل في سوريا من تدمير على يد بوتين، وكان يظن السوريون أن الصمت الدولي كانت نتيجة القوة التي تتمتع بها روسيا فضلاً عن حيازتها لحقّ الفيتو في مجلس الأمن ما جعلها تتصرف كبلطجي لا يقيم وزنًا لقانون دولي أو أعراف دولية، لكن الحقيقة المرّة تكشفت في الحرب على أوكرانيا أن بوتين كان مندوب القوى الكبرى في سوريا فمهمته تكمن في منع الثورة السورية من الانتصار والعمل على حماية إسرائيل مهما كان الثمن، وكل ذلك كان تحت ستار محاربة الإرهاب وحماية مصالح روسيا ، لكن هذا التفويض أفضى لجرائم لم تشهدها البشرية من قبل ومع ذلك فقد صمت الغرب تمامًا عن ذلك ولم يتكلم أحد أن روسيا دولة غازية دخلت سوريا دون تفويض من مجلس الأمن وأن النظام في سوريا نظام ليس شرعيًا بعد أن سقط بالشرعية الثورية وارتكب جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، بل كان العمل على استكمال المرحلة الأخرى من الحرب على الشعب السوري بإفراغ سوريا من "الكتلة الصلبة" وتهيئة الظروف لجعلها دولة مكونات أو أقليات وهذا ما يسمح فيما بعد بتحويلها من دولة بسيطة إلى دولة مركبة يقوم نظامها القادم على المحاصصة الطائفية أو ما يُطلق عليه الديمقراطية التوافقية، والغاية أن تنتهي سوريا لدولة ضعيفة لا تشكل خطرًا على إسرائيل.

الفرصة الضائعة

قدر الثورة السورية أنّها لم تفرز قيادة تمثلها وتسعى لتحقيق أهدافها، بل فرض عليها معارضة لا ترقى لمستوى تضحيات الشعب السوري، ولو كان هناك قيادة لأدركت أن التغيير الذي يحصل الآن في العالم نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا قد صنع تقاطع مصالح بين الثورة السورية وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي، ولكن هذا لم يحصل ما ترك الروس في مأمن في سوريا، بل إنّ أي هزيمة لروسيا في أوكرانيا ستجعل الروس في حالة توحش في سوريا وسوف تعمد لإظهار قوتها العسكرية التي أذلت في أوكرانيا على الشمال السوري وربما ستنهي أي بقعة خارج سيطرة النظام حتى تصنع نصرًا يعيد شيئًا من مهابتها.

والمخيف في الأمر أن تقبل روسيا بهزيمة في أوكرانيا مقابل احتفاظها بشرق أوكرانيا، مع تعهدات بعدم دخول أوكرانيا حلف الناتو مع إطلاق يد روسيا في سوريا، ولا تقف قواعدها عند غرب سوريا. ولعل واقع سوريا الجيوسياسي بوصفها ركيزة أساسية في البناء الدولي، وأن التغيير فيها لا يقف عند حدودها بل ستمتد مفاعيله لأبعد من ذلك بكثير، ولاسيما أمن إسرائيل، وأن ثمة أنظمة في المنطقة ستتداعى بعد سقوط النظام، كل هذا قد أسهم ببقاء النظام ودعمه من قوى مختلفة وتحويل الثورة السورية لمثال بائس بدل أن تكون ملهمة لبقية البلدان العربية.

عودة القوة الأوروبية وانعكاسها على الحالة السورية

لكن هذا الواقع الذي سهّل لروسيا أن تغزو سوريا وتقاتل الثورة السورية وتثبّت النظام بدأ يتغير مع غزو بوتين لأوكرانيا حيث شعر الأوروبيون أنّ الحرب لا تستهدف أوكرانيا وليست نتيجة مخاوف بوتين من امتداد حلف الناتو إلى حدوده فكل هذا يمكن أن ينتهي بالتفاوض مع بوتين، ولكنها تستهدف أوروبا بشكل عام، ولاشك أن الحرب العالمية الثانية أضعفتها كثيرًا وأصبحت بحاجة إلى حماية أميركية، وقد بدا الموقف الأميركي قبيل الغزو أقرب لدعم بوتين أو رغبة أميركية بجعل أوروبا ولاسيما "ألمانيا" ودول الثراء الأوروبي بحالة رعب من الروس وهذا يجعل هذه الدول بحاجة ماسة لأميركا، ولكن الموقف الأوروبي بدا متقدمًا على الموقف الأميركي فقد سارعت الدول الأوروبية لدعم أوكرانيا عسكريًا، والعمل على بناء قوة عسكرية تحمي أوروبا، بل وصل الأمر بألمانيا لرفع ميزانيتها العسكرية لثلاثمئة في المئة، هذا الدعم أدّى لنجاح الأوكرانيين في الصمود وقد حولوا الغطرسة الروسية العسكرية لهزائم مذلّة، ولاشكّ أن هذه الانتصارات لم تتوقف عند الدعم العسكري بل لابدّ من دعم معلوماتي دقيق عن تموضع القطعات العسكرية الروسية وتحركاتها وهذا ما وفرته الولايات المتحدة لأوكرانيا. الموقف الأوروبي الداعم لأوكرانيا أمام الغزو الروسي وما نتج عنه من مشكلات اقتصادية مع أوروبا من خلال الضغط عليها بسلاح الطاقة ولاسيما الغاز الروسي، يحتم على الأوكرانيين والأوروبيين البحث عن حلفاء لهم أو أعداء لروسيا، وهذا يتوافر في سوريا بتوفير الدعم للثورة السورية، ولكن أمن إسرائيل يبقى المعيار الذي يتحركون من خلاله، وهذا مرتبط أيضًا بتوسع الحرب ومدى تأثر أوروبا بذلك، ومع التأييد الذي أبداه النظام السوري لغزو أوكرانيا فضلاً عن دعمه بمرتزقة للقتال إلى جانب القوات الروسية فإن كل ذلك يصبّ في مصلحة الثورة السورية، والتغيير الذي بدأ يظهر في الخطاب الإعلامي الأوروبي تجاه النظام السوري والحديث عن الجرائم التي ارتكبها الروس في سوريا، ولذلك تبقى سوريا مرشحة أن تكون مقبرة للروس في جزء آخر في العالم إذا ما تطورت الحرب وتعدّت حدود أوكرانيا لاسيما وأن دولاً محايدة مثل السويد وفنلندا اللتين تدرسان تقديم طلب انضمام لحلف الناتو وهما دولتان مرشحتان لأن تكونا هدفًا لبوتين.