لا ينفك مؤيدو الرئيس الأميركي من الديمقراطيين عن الحديث عن فترته الرئاسية التي، بحسبهم، استثنائية على صعيد التعامل مع الملف السوري عبر "سياساتٍ متزنة وحكيمة"! قام بها جو بايدن، "المتمرس" في العمل السياسي منذ خمسين عامًا قضاها نائبًا وسيناتورًا ونائب رئيس ثم رئيسًا.
بناءً على ما تقدم، يشدد مسؤولو إدارته على المرونة الكبيرة في المفاوضات التي تجري في الدوحة والقاهرة بين الأطراف المعنية بحرب غزة، إذ تسعى إدارة بايدن خلال الأشهر الأخيرة من ولايته إلى إنجاز اتفاق تاريخي يوقف الحرب ويفتح بابًا على صفقات كبرى ستغيّر وجه المنطقة إلى الأبد.
بالطبع، جميع الأطراف المعنية بهذه المفاوضات، وعلى رأسها إيران وإسرائيل، تعرف نوايا الإدارة الأميركية وتستفيد من رغبة أميركا في إنجاز تقدم سياسي يحول دون انجرار المنطقة إلى أتون حرب ستحرج جميع الأطراف، وعلى رأسها أميركا. الإيرانيون يرغبون في الاستفادة من الوضع الحالي والزمن الحرج في شرعنة أذرعهم في الدول العربية الأربع، حيث لا مانع لدى الديمقراطيين في ذلك مقابل ممارسة طهران ضغطًا على حركة حماس والحوثيين وحزب الله من أجل ضبط النفس ومنع الانزلاق في حرب ستجر القدم الأميركية إلى حرب قد تتدحرج لتصبح حربًا إقليمية أو دولية كبرى. وإسرائيل ترغب في الضغط على بايدن لتحقيق ما لم تستطع آلتها العسكرية إنجازه في حربها الدموية على القطاع وعلى الشعب الفلسطيني، وترغب في توسيع الاتفاق ليشمل وجود حزب الله العسكري وتحييد سوريا عن المعركة والضغط على العراق لإغلاق حدوده أمام الميليشيات المتدفقة من إيران.
الإدارة الأميركية تراقب الوضع الإقليمي بدقة، وشعرت بالرضا من تصريحات وزير الخارجية العراقي حينما تحدث أمام نظيره التركي هاكان فيدان عن تأجيل موعد إعلان إنهاء وجود قوات التحالف الدولي في العراق، بسبب التطورات الأخيرة الحساسة في المنطقة!
في كل هذه الدوامة، تتردد الأقاويل عن رغبة الإدارة الأميركية في سحب قواتها من شرقي سوريا مقابل التزامها بالحفاظ على أمن "قسد" من بقية الأطراف. هذا بالتأكيد سوف يحدث في حال نجاح الرئيس السابق دونالد ترامب، لكن الإدارة الأميركية تراقب الوضع الإقليمي بدقة، وشعرت بالرضا من تصريحات وزير الخارجية العراقي حينما تحدث أمام نظيره التركي هاكان فيدان عن تأجيل موعد إعلان إنهاء وجود قوات التحالف الدولي في العراق، بسبب التطورات الأخيرة الحساسة في المنطقة! إجمالًا، وعلى عكس الدور المحوري للقوات الأميركية في العراق وتأمينها التوازن المنشود في ظل وجود قوات إيرانية غير رسمية هناك، فإنها في سوريا لا تقوم بشيء سوى دورها المعلن والمنوط بها، وهو محاربة تنظيم داعش الإرهابي، الذي تم تقريبًا القضاء عليه، لكنه عاد ليضرب من جديد في عمليتين إرهابيتين خطيرتين في فرنسا وألمانيا، تبنى التنظيم الإرهابي تنفيذهما مما جعل قوات التحالف تعيد التفكير في إعادة هيكلة قواتها في الشرق الأوسط لمواجهة التنظيم الإرهابي!
لكن في المقلب الآخر، تُعد هذه القوات هدفًا سهلًا ومتكررًا للميليشيات في حال انفلات الوضع على الجبهات المشتعلة أو المرشحة للاشتعال في جنوبي لبنان أو الجولان، مما يحرج إدارة بايدن التي تفضل الوجود العسكري الرسمي في قواعد نظامية أو في حاملات طائرات تربض في شرق المتوسط وتترقب الأوضاع.
انتخابات يبدو أنها ستحسم شكل السياسات في الشرق الأوسط ومختلف مساراتها، بما في ذلك مسار المستقبل السوري، على الأقل على المدى القريب المنظور.
ترى إدارة بايدن أن التفاهم مع طهران هو الحل الأمثل لاستيعاب الأزمة المتفاقمة في الشرق الأوسط، وهي بالمناسبة وجهة النظر نفسها التي قدمتها إدارة أوباما في سنواتها الثمانية، والتي وصلت إلى توقيع الاتفاق النووي مع إيران. بينما ترى الإدارة الجمهورية، وخصوصًا دونالد ترامب، أن مزيدًا من العقوبات على إيران ومحاصرتها ودعم إسرائيل اللانهائي قد يساعد في دفع طهران إلى تقديم تنازلات في عموم الشرق الأوسط. التباين الجوهري المتوقع بين تعامل جمهوريي ترامب وديمقراطيي بايدن مع إيران يشل منطقة الشرق الأوسط تقريبًا، ويُبقي الجميع في حالة انتظار سلبية لنتائج الانتخابات الأميركية. انتخابات يبدو أنها ستحسم شكل السياسات في الشرق الأوسط ومختلف مساراتها، بما في ذلك مسار المستقبل السوري، على الأقل على المدى القريب المنظور.
في مختلف الأحوال، فإن المشترك بين الإدارتين هو تمسكهما بتطبيق قرار جنيف الخاص بسوريا 2254، بوصفه الحل الأمثل لإنجاز التغيير السياسي وتشارك السلطة في سوريا بين المعارضة والحكومة، ومثله القرار الخاص بلبنان 1701. كلا القرارين ينتظران مجريات الأمور في غزة وما ستفضي إليه المفاوضات الحساسة والأساسية المنعقدة في الدوحة أو القاهرة، إذ تعي جميع الأطراف أن انهيار المفاوضات يعني، بالضرورة، توسع الحرب إلى مدى محرج بين الأطراف المتقاتلة جميعها.