شهدت سوريا تحولًا جذريًا لم تشهده منذ أجيال عقب إسقاط نظام بشار الأسد الذي فر هاربًا إلى روسيا، بعد 13 عامًا من الحرب و53 عامًا من الاستبداد.
أثار هذا السقوط لدى كثير من طالبي اللجوء السوريين في دول الاتحاد الأوروبي مشاعر ممتزجة بفرح النصر والخوف من مستقبل مجهول عقب تعليق الدول الأوروبية النظر في طلبات اللجوء المقدمة من السوريين.
مستقبل مجهول
بالرغم من سقوط نظام الأسد، إلا أن الغموض حول استقرار سوريا يجعل من الصعب على اللاجئين التفكير في العودة. كما أن دمار البنية التحتية وضعف الخدمات الأساسية يعزز مخاوفهم ويؤجل أملهم في العودة إلى وطن قد لا يحقق لهم الطمأنينة داخله.
حلا (29 عامًا) شابة سورية أوضحت لموقع تلفزيون سوريا أنها وصلت إلى ألمانيا قبل خمسة أشهر وهي الآن تنتظر البت في قرار طلب لجوئها بتخوف.
غادرت الشابة سوريا في عام 2015 متجهة إلى تركيا، بعد وفاة عائلتها في القصف الممنهج من قبل النظام السوري وكانت الناجية الوحيدة بالإضافة إلى أخيها الذي غادر وطنه في السنوات الأولى من الثورة السورية بعد اعتقاله.
"فرحة مليئة بالقلق"، هكذا عبرت حلا عن فرحتها بانتصار الثورة. وأضافت أن العودة لا تتوقف على سقوط بشار، فالمنازل والمستشفيات وجميع البنى التحتية مهدمة، والاقتصاد سيئ، وهذا من الأسباب التي تعد عائقًا للعودة بشكل سريع.
وتصف الشابة هذه الفترة بأنها "ضبابية" وأن المواطنين ما يزالون بحاجة إلى المساعدة، وأن البقاء في هذه الدول هو بمثابة الدعم. مضيفة: "بذلنا كل السبل للوصول إلى هنا ولم يبقَ لنا شيء، وهذه الدول الأمل الأكبر لضمان الحياة لنا إلى حين التأكد من أمان البلاد".
قلق على مستقبل الأطفال اللاجئين
يتشارك عمار (44 عامًا) بذات المخاوف مع حلا، إذ يقول: "فرحون بالنصر وتحرير بلدنا من هذا الطاغية الذي شردنا، ولكن هذه القرارات صاعقة لنا".
غادر عمار مع زوجته قبل 11 عامًا، ويقيم في هامبورغ مع عائلته المكونة من خمسة أطفال جميعهم في المدارس. ويرى أن أطفاله سيكونون أمام اختلاف ثقافي ومجتمعي كبير، خاصة أن سوريا ما زالت في مرحلة سابقة لاعتبارها آمنة بشكل مؤكد، على حد قوله.
كما يصعب عليه إعادة بناء ما بدأ به خلال السنوات السابقة، مؤكدًا أنه لن يتخلى عن وطنه بل سيساهم في إعادة إعماره، لكن عودته لن تكون هي الخيار الأنسب. موضحًا أن لديه العديد من المخاوف التي سيواجهها في حال العودة، فالمنازل والمدارس وكل مؤهلات الحياة ما زالت مفقودة، وسوريا ما زالت تتعرض لقصف خارجي وعشوائي، إضافة إلى عدم وجود ضمانات تؤكد سلامة الأطفال من القصف أو من عدم تكرار ما حصل سابقًا.
استنكرت العديد من المنظمات الحقوقية إجراءات تعليق طلبات اللجوء التي سارعت الدول الأوروبية لاتخاذها، واعتبرت أنها قرارات مستعجلة تضحي بأمن السوريين في الخارج، في ظل الوضع الضبابي وغير المستقر الذي ما زالت تعيشه سوريا.
وكانت برلين أول من فتح الباب أمام قرار تجميد فحص طلبات اللجوء الجديدة والطلبات التي ما زالت قيد المعالجة، بعد أن كانت المضيفة الرئيسة في الاتحاد الأوروبي بقرابة مليون لاجئ، لتحذو دول أخرى حذوها.
الأمان مطلوب لعودة اللاجئين السوريين
"الأسد لعنة سقطت على السوريين حتى بعد زواله"، تقول رهف (30 عامًا، وأوضحت رهف لموقع تلفزيون سوريا أنها وصلت إلى فرنسا قبل مدة قصيرة بعد مقابلة أجرتها في مكتب القنصلية الفرنسية في تركيا، وبعد وصولها بأيام صدر هذا القرار وهي حاليًا بلا أوراق قانونية ومهددة برفض طلب اللجوء وتعتبر أن مصيرها غير واضح.
تصف رهف هذه القرارات بـأنها "غير منصفة"، وتضيف "أنا لا أعلم كيف تفكر الحكومة الجديدة خاصة وأن هيئة تحرير الشام مازالت مصنف ةعلى قائمة الإرهاب، فمن يضمن سلامتي بحال تغير الوضع الراهن؟ أنا ممتنة للنصر الذي حققوه، لكنني ما زلت خائفة".
وأضافت: "أتمنى من الدول تعيين مدة زمنية كافية للتحقق من سلامة وأمن البلد والمواطنين، فالمدة التي قرروا بناء عليها إيقاف الطلبات غير كافية، ويتوجب وضع العديد من الاعتبارات، منها السلاح المتواجد مع فئات غير شرعية أو قانونية قبل البت بهذه القرارات المصيرية"، حسب قولها.
دعا رئيس المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إلى "الصبر واليقظة"، وأضاف أن المفوضية "تأمل أن تتطور الأوضاع على الأرض بطريقة إيجابية، مما يسمح بالعودة الطوعية والآمنة والمستدامة في النهاية".
من جانبها، وصفت مسؤولة الدفاع عن الهجرة في منظمة العفو الدولية هذه الإجراءات بـ"المتسرعة"، معتبرة أن التركيز على أمن اللاجئين وكرامتهم لتجنب تعرضهم لمزيد من المخاطر يجب أن يكون الأولوية.
سوريا ليست آمنة
بدأت بعض دول الاتحاد الأوروبي بتعليق طلبات لجوء السوريين مستندة إلى أن سوريا تبدو "آمنة"، إلا أن هذا الموضوع يظل معقدًا ومثيرًا للجدل. فبالرغم من عودة الحياة الطبيعية ما زالت سوريا غير مستقرة.
المحامي السوري والمستشار والخبير القانوني أسامة خضرو قال لموقع تلفزيون سوريا: "جميع الدول الأوروبية وقعت على أحكام اتفاقية جنيف التي تنص على حماية اللاجئين ومنع الترحيل القسري لهم، وعلى هذا الأساس لا يمكن إعادة الحاصلين على حق اللجوء أو رفض لجوئهم، وهذه المعلومة ليست جديدة يعلمها معظمنا".
وفيما يخص تعليق الطلبات، أوضح أن هذا القرار يعني التريث للبت في تلك الطلبات وليس رفضها، وإلى الآن لم يثبت لهذه القرارات أي أثر سلبي على اللاجئين.
كما أضاف: "حتى في حال تم رفض بعض طلبات اللجوء في هذه الدول، فإنها تمنح للمتقدم الذي رُفض لجوؤه بطاقة الحماية الفرعية. أي عندما يتم إعلان بلاده آمنة يعود لها، حتى حاملي هذه البطاقة يصعب ترحيلهم في ألمانيا بعد مضي ثلاث سنوات على حملهم للبطاقة".
وأوضح أن هناك العديد من الإقامات التي تحمي حامليها من قرار الترحيل.
اعتبارات أخرى لدراسة طلبات اللجوء
أشار خضرو إلى اعتبارات أخرى في دراسة الطلبات تكون تَبَعًا لكل حالة على حدة، ويتوجب دراستها وفقًا لظروف الحالة في بلدها الأصلي.
فعلى سبيل المثال، هناك حالات لم تكن آمنة أثناء حكم نظام الأسد، وكذلك لا تكون آمنة في ظل المجموعات المتواجدة على أرض الواقع، فالخياران يهددان أمنها. إذًا، هذه الحالات تحتاج الدراسة بشكل يتماشى مع خصوصيتها.
وأضاف أن الحاصلين على حق اللجوء ومن يحملون الإقامة الدائمة أو "البلاو كارته" أو الجنسية، ومن مضى على وجودهم 3 أو 5 سنوات حسب قانون كل دولة، يعتبرون غير مدرجين ضمن هذه القرارات، حيث إنهم يستطيعون تبديل إقامتهم بإقامة اندماج أو عمل أو تدريب مهني حسب عملهم.
أما من حيث إعلان سوريا بلدًا آمنًا، هناك العديد من الأسس التي تسبق هذا القرار، منها الاعتراف بشرعية الحكومة الحالية في سوريا، ورفع العقوبات عنها، إضافة إلى رفع قانون قيصر، ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي، ووقف العمليات الحربية، وتفعيل نظام التحويل البنكي. وبعد ذلك يمكن وصف سوريا بأنها بلد آمن.
مشيرًا إلى أن معظم الدول الأوروبية ما زالت تصنف الجماعات الموجودة على الأراضي السورية على أنها مجموعات غير قانونية (إرهابية)، وهذا يعني أن سوريا ما تزال غير آمنة.
تبدو مخاوف اللاجئين السوريين في الدول الأوروبية كبيرة حول احتمالية ترحيلهم. كما يعتبر كثيرون منهم أن مسألة الفوضى الأمنية وإعادة الإعمار وانتشار السلاح أسباب قد تعيق عودتهم بشكل يضمن الأمان لهم.