رهينة التقلبات السياسية.. مستقبل السوريين الغامض

2024.07.10 | 06:54 دمشق

52222222222222222222
+A
حجم الخط
-A

لا تبدو أن علاقة السوريين المقيمين في تركيا ستعود إلى بداية عهد السوريين هناك، لم يعد التضامن الشعبي التركي موجودا بوفرة مع السوريين اللاجئين ومع مأساتهم منذ أن تم استخدام السوريين اللاجئين هناك بوصفهم الطرف الأضعف في اللعبة السياسية الداخلية والخارجية التركية.

حيث كان يتم الاشتغال على تصعيد خطاب الكراهية الشعبي ضد اللاجئين السوريين منذ سنوات حتى وصل إلى ما وصل إليه مؤخرا من اعتداءات مؤسفة وخطيرة بحقهم في غير مكان ومدينة في تركيا؛ اعتداءات وتجاوزات أمنية يبدو أنها مدعومة بشكل من الأشكال من قبل أطراف وجهات سياسية مختلفة غارقة في قلب اللعب السياسية التركية الداخلية؛ ولا ندري إن كانت بالصدفة متزامنة مع تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن موافقته على لقاء (السيد الأسد) وإعادة العلاقات التركية السورية إلى ما كانت عليه قبل 2011.

ما يعني أن مصير أكثر من ثلاثة ملايين سوري سوف يكون في مهب الريح السياسية خصوصا مع الحديث التركي المستمر عن العودة (الطوعية) للاجئين إلى سوريا، ومع الارتكابات التي تمارسها سلطات الأمر الواقع ضد السوريين في إدلب، ومع ما يكشف عن اعتقال النظام لأعداد كبيرة من العائدين إلى سوريا من لبنان أو من المرحلين قسريا منها.

ونعلم جميعا أيضا ما يحدث في لبنان بحق اللاجئين السوريين منذ سنوات وتحميلهم مسؤولية كل ما ترتكبه الطبقة السياسية اللبنانية من نهب وفساد وسوء إدارة وطائفية وارتهان، حتى بات السوري هناك هو المسؤول عن تغيرات الطقس والمناخ والحر الشديد. ولم يعد الأمر في مصر كما كان عليه سابقا مع تصاعد خطاب الكراهية ضد اللاجئين إثر نزوح أعداد مهولة من السودانيين ودخول معظمهم بطرق غير شرعية إلى مصر ومحاولة الحكومة المصرية فرض تقنين لأوضاع اللاجئين وفرض تغيير في القوانين الناظمة لوضع اللاجئين والمقيمين من غير المصريين ومنهم السوريين طبعا الذين كانوا في الأساس يخضعون لشروط دخول وإقامة صعبة.

لا يبدو أن تغييرا ما سيحصل في الداخل السياسي السوري، فالنظام سعيد بمحاولات إعادة تدويره عربيا وإقليميا على الأقل، ومشغول بالتخلص من صناديقه السوداء وصراعاته الاقتصادية.

وفي أوروبا التي بدأ اليمين المتطرف فيها بالصعود إلى سدة الحكم، ومع انكشاف الوجه المخفي للحكومات الأوروبية بعد حرب غزة، خصوصا في ألمانيا التي لجأ إليها العدد الأكبر من السوريين، لا يبدو أن وضع اللاجئين سوف يكون كما كان عليه سابقا، إذ يخشى كثر منهم اليوم ممن لم يحصلوا بعد على جنسيات أوروبية، يخشون أن لا يتم تجديد إقاماتهم أو رفض طلبات تجنيسهم أو خلق أسباب لطردهم، وبينهم كثيرون لا يمكنهم العودة إلى سوريا لأسباب سياسية وأمنية، ولا مكان لهم يمكنهم الذهاب إليه، وهو الوضع الذي يميز حال غالبية اللاجئين لا سيما المقيمين في تركيا ولبنان والأردن.

ولا يبدو أن تغييرا ما سيحصل في الداخل السياسي السوري، فالنظام سعيد بمحاولات إعادة تدويره عربيا وإقليميا على الأقل، ومشغول بالتخلص من صناديقه السوداء وصراعاته الاقتصادية، وهو في الأساس محكوم بالرؤية السياسية الإيرانية والروسية ومصالح البلدين في الوقت الراهن وصراعهما الخفي على السيطرة الكاملة على سوريا اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، ومحكوم بالصراع السوري السوري بين حلفاء كل من البلدين المحتلين لسوريا. هذا عدا عن أن حال السوريين في الداخل لا يمكن تخيله من فرط قسوة العيش في ظل الانهيارات الاقتصادية والفساد وانعدام الأمن والفقر والجوع وانتشار التسول وعمالة الرقيق الأبيض والأطفال والتعاطي والفارق الطبقي المهول، وكل ما يخطر في البال من الكوارث الناتجة عن حرب أهلية طويلة كما حدث في سوريا خلال العقد الماضي.

ولم يعد خافيا أن غالبية من في الداخل يعيشون على ما يتمكن سوريو الخارج من إرساله إليهم، ما يعني أن الإعادة القسرية للسوريين سوف تحفر في عمق الأزمة الاقتصادية الشعبية أكثر؛ وهنا أيضا يحضر سؤال عن الحالة اللوجستية السورية وإن كانت قادرة على استقبال المرحلين، سواء في الشمال أو باقي أنحاء سوريا.

ما الحل إذا أمامنا نحن السوريين الذين ضاقت بنا الأرض والأمصار؟ نحن الكثر جدا الذين لا يمكننا العودة إلى سوريا لأسباب كثيرة تبدأ من الخوف على الأمان والسلامة الشخصية ولا تقف عند الكرامة التي تمنعنا من العودة للعيش بالذل الذي يفرضه النظام على جميع السوريين

هكذا يعيش السوريون اليوم في كل أماكن وجودهم بانتظار ماذا ستكشف عنه الرؤى والخطط السياسية القادمة للدول ذات الشأن في الملف السوري المعقد، وكأن مصير هذا الشعب مقدر له أن يبقى متأرجحا بين موازين القوى الإقليمية والدولية، والعربية التي فقدت وزنها الدولي مكتفية بدور التابع للقوى العظمى دون أن يكون لها أي تأثير يذكر على أي ملف كبير من الملفات العربية إلا لمزيد من دمار الشعوب، سواء في سوريا أو السودان أو اليمن أو العراق أو لبنان أو ليبيا، وبطبيعة الحال في فلسطين المحتلة التي كشفت الواقع الحقيقي للأنظمة العربية المتهافتة على التطبيع مع كل أنظمة الإجرام في هذه المنطقة المنكوبة.

ويبدو السؤال عن دور مؤسسات المعارضة بما يحدث للسوريين في تركيا ولبنان وباقي دول اللجوء سؤالا عبثيا، لا سيما الائتلاف أو حكومة الإنقاذ أو باقي الأجسام السياسية التي تنطحت لقيادة الثورة وأسهمت بهزيمتها جنب إلى جنب النظام وحلفائه، بسبب ارتهان هذه الهيئات والمؤسسات لدول أخرى لعبت وتلعب في الملف السوري حسب مصالحها الشخصية، وجندت مؤسسات المعارضة بسلوكها ومواقفها وخطابها لخدمة أجنداتها الخاصة غير المعنية لا بالشعب السوري ولا بثورته ولا بأحلامه ولا تطلعاته، بل كان لها الدور الأكبر في عسكرة الثورة وأسلمتها وتحويل كثير من حملة السلاح فيها إلى مجموعات من المرتزقة والمستبدين المتحكمين برقاب من يعيش تحت سيطرتهم من السوريين الذين خرجوا من تحت دلف النظام إلي مزراب فصائل تفرض سيطرتها وإيديولوجيتها بقوة السلاح والأمر الواقع.

ما الحل إذا أمامنا نحن السوريين الذين ضاقت بنا الأرض والأمصار؟ نحن الكثر جدا الذين لا يمكننا العودة إلى سوريا لأسباب كثيرة تبدأ من الخوف على الأمان والسلامة الشخصية ولا تقف عند الكرامة التي تمنعنا من العودة للعيش بالذل الذي يفرضه النظام على جميع السوريين، فكيف سيكون الحال مع معارضين له عادوا بمصالحة أو بموافقة منه بعد كل ما حدث؟ عني أنا شخصيا، وأعرف مثلي عشرات الألوف لا يمكنهم العودة لأسباب أمنية أو يرفضونها طالما مازال النظام قائما. ما الحل فعلا وأين يمكن أن نذهب فيما لو قيل لنا غادروا البلاد التي تقيمون فيها؟ ما هو حال ملايين السوريين في تركيا ولبنان وهم في غالبيتهم معارضون للنظام وهاربون من بطشه ومطلوبون لأجهزة أمنه وهم الأكثر تضررا حاليا بين جميع اللاجئين أو المقيمين خارج سوريا؟ (لا بد هنا من التنويه أن السوريين في مصر يصنف تسعون في المئة منهم تحت بند المقيمين بسبب أن معظمهم يذهبون إلى سوريا بشكل دوري ولا مشكلة لديهم مع النظام السوري، هم هاربون من الحرب وليس من النظام إلا بعض من هم في سن الشباب ممن فروا من خدمة العلم كي لا يصبحوا قاتلين أو مقتولين).

أدرك مثل غيري أن هذه أسئلة سوف تبقى طويلا بلا إجابات ذلك أنه لا أحد يكترث بما يشعر به السوريون، ولا أحد يهتم بمصيرهم، ولم تعد القضية السورية مثيرة للاهتمام العالمي فقد أصبحت قديمة، هنالك قضايا أكثر جدة وأقل تعقيدا في الفهم.

وقد يكون من قبيل المصادفة أنني تلقيت وأنا أكتب هذا النص خبرا سريعا من تطبيق خاص بالأخبار عن تصريح للرئيس التركي يقول فيه إنه قد يرسل دعوة لـ (الرئيس السوري) لزيارة تركيا في وقت قريب. وتخيلت ماذا سيكون الوضع النفسي للسوريين في حال تمت هذه الزيارة فعلا. السوريون الذين يخشون الآن الخروج من منازلهم كي لا يتعرضوا لهجمات وعنف العنصريين من الأتراك سوف يضطرون لحبس غضبهم داخل أجسادهم وهم يرون من أوصلهم إلى ما هم فيه من ذل وقهر وخوف يستقبل بترحاب وهم ممنوعون من قول أية كلمة احتجاج أو اعتراض وعاجزون عن التعبير عن غضبهم من هذا التدوير لمجرم العصر. ترى هل سيجبرون على الوقوف في الشوارع يلوحون بالأعلام التركية وعلم النظام السوري تعبيرا عن الترحاب به؟!