منذ بدايات عام 2013 بات الثوار في مدينة حلب وريفيها الغربي والجنوبي يولون اهتماماً كبيراً بطرق إمداد نظام الأسد إلى الأحياء الخاضعة لسيطرته في شطر المدينة الغربي، والكتل والثكنات العسكرية التي حصّنها جنوب المدينة وجنوب غربها ، حيث كانت الإمدادات تصل إليه من ريف حلب الجنوبي عبر الطريق المسمى "طريق خناصر" مروراً بمدينة السفيرة، باتجاه مطار حلب الدولي شرقي المدينة، ومنه عبر طريق حلب - دمشق الدولي الذي يلتف حول المدينة جنوبها باتجاه منطقة "الكليات" جنوبي غربي المدينة، ليدخلها من الغرب عند حي الحمدانية إلى الأحياء المحتلة.
خاصة بعد تحريرهم حي الشيخ سعيد في أقصى جنوب الشطر الشرقي المحرر من المدينة، في المعركة التي قادها "تجمع فاستقم" أول تشكيلات مدينة حلب الثورية الكبرى مع بدايات عام 2013، والذي منحهم إشرافاً على الطريق الواصل بين مطار حلب الدولي وحي الحمدانية، متمكّنين من قطع هذا الطريق في نيسان عام 2013 في المعركة التي سيطروا فيها على حاجز جسر عسان، لتصبح الأحياء الغربية من المدينة محاصرة بشكل كامل.
إلا أن هذا الحصار لم يطل كثيراً وتمكّنت قوات النظام من استعادة الحاجز، وإعادة فتح الطريق مجدداً، دافعة الثوار للتفكير في قطع الطريق من مناطق أخرى يكون الدفاع عنها أسهل، بشكل يصعب على النظام فيه استعادتها لفتح الطريق مجدداً.
اقرأ أيضاً: "قطع طريق إمداد النظام إلى حلب - 2013"
كان طريق إمداد النظام إلى المدينة يلتفّ حولها من الشرق جنوباً باتجاه الغرب، في شريط ضيق فصل بين المناطق المحررة في الريف والمدينة، ورغم أن الخريطة تظهر شريطاً باللون الأحمر (الذي يرمز لمناطق سيطرة النظام) يمتد بين مناطق صبغت باللون الأخضر (ترمز للمناطق المحررة)، فإن هذه المناطق المحررة كانت بعيدة عن أن تشكل منطقة واحدة، فلا قيادة مشتركة ولا تنسيقاً معتبراً بين فصائل الثوار المنتشرة فيها، ولا حتى غرفة عمليات عسكرية تدير المعركة على جانبي الشريط، وهو ما سمح لقوات النظام في الفترة الممتدة منذ أواخر عام 2012 وحتى أواسط عام 2013 لبناء دفاعها عن طريق إمدادها في محيط المدينة، بعدد من المباني والكتل التي حصّنَتْها بشكل قلاع دفاعية!
(توزع مناطق السيطرة في مدينة حلب ومحيطها - تموز 2013)
فصائل ريف حلب الغربي
ترافق فشل ثوار المدينة في قطع طريق إمداد النظام إليها انطلاقاً من الأحياء المُحَرَّرة فيها، مع توسّع دائرة المواجهة في ريفي حلب الغربي والجنوبي ضد قوات النظام، حيث كانت فصائل ريف حلب الغربي قد تمكّنَت من تشكيل غرفة عمليات مشتركة أواخر عام 2012، استهلّتْها بإطلاق معركة "فالمغيرات صبحاً" لتحرير بوابات حلب الغربية، بداية من قرية كفرناها في ريف حلب الغربي، آخر معاقل النظام في المنطقة مع بلدة خان العسل، وهي المعركة التي تُعتبَر أطول معارك حلب مُمتدّة على سبعة مراحل كان آخرها في آب عام 2014.
(بيان إطلاق معركة فالمغيرات صبحاً في ريف حلب الغربي – كانون الأول 2012)
تميّزَت غرفة العمليات هذه باقتصارها على تشكيلات الجيش السوري الحر، وذلك في وقت كان فيه الشمال -وسوريا كلها عموماً- تشهد حالة تراجع في الحالة الثورية الوطنية لحساب المدّ الإسلامي السلفيّ، الذي باتت تشكيلاته الكبرى (أحرار الشام – جبهة النصرة... إلخ) شريكاً أساسياً في معظم غرف العمليات والمعارك، حتى إنّ كثيراً من تشكيلات الجيش الحر أضافَت كلمة "الإسلامي" لاسمها، ونزعَت علم الثورة من شعاراتها ابتعاداً عن "الغمز بديمقراطيتها" الذي بات تهمة شائعة للفصائل في تلك الفترة.
لذلك كان تشكيل غرفة عمليات من فصائل الجيش الحر، ونجاح هذه الغرفة عبر سلسلة من العمليات العسكرية المُنظّمة في تحرير منطقة هامة استراتيجياً، يمثّل استعادةً لدور الجيش الحر في الشمال السوري، حيث ضمّت غرفة العمليات عدداً من الفصائل التي اندمجَت لاحقاً ضمن (الفرقة 19) التابعة للجيش السوري الحر، وكان أبرزها: (لواء الأنصار – لواء أمجاد الإسلام)
(بيان تشكيل الفرقة 19 – حزيران 2013)
معركة رصّ الصفوف
دفع توسّع المواجهات جنوبي وغربي حلب أواسط عام 2013 ثوار المدينة للتفكير في ضرب طريق الإمداد حولها انطلاقاً من الريف، ليدخلوا ضمن غرفة عمليات مشتركة مع كتائب الريف بدؤوا فيها معركة "رصّ الصفوف"، والتي كان لها من اسمها نصيب.
فأهمية هذه المعركة لا تقتصر على المناطق التي استهدفَت تحريرها فقط جنوبي المدينة، بل في كونها أول تجربة عسكرية واسعة مشتركة بين ثوار المدينة والريف الغربي، ولأول مرة بات التخطيط للعمل العسكري يتم على مستوى المحافظة ككل، فكتائب الثوار من ريفي حلب الشرقي والشمالي كانت توجد بكثافة داخل الأحياء الشرقية من المدينة منذ تحريرها، لتأتي معركة "رص الصفوف" رفعاً لسوية التواصل العسكري ليشمل أرياف المدينة الغربية والجنوبية، وليصبح الثوار في أرياف حلب الشمالية والشرقية والغربية والجنوبية مع المدينة يتحركون بتنسيق مشترك عالٍ، ليس على مستوى القيادة فحسب، بل على المستوى الميداني أيضاً.
كما سمحَت المعركة بخلق تواصل من نوع خاص بين "تجمع فاستقم" من المدينة مع لوائي "الأنصار" و"أمجاد الإسلام" من ريف حلب الغربي، فانشغال تشكيلات الريف الغربي في معارك منطقتهم منعهم -باستثناء كتائب نور الدين الزنكي- من المشاركة في معركة تحرير المدينة، والتي خلقَت حساسيّة بين كتائب ثوارها وكتائب ثوار الريف الحلبي الشمالي والشرقي المشاركين في تحريرها، وهو ما جعل التواصل بينهم (التجمع - الأنصار - الأمجاد) يبدأ دون حساسية مسبقة، مختبِرين إمكانياتهم ضمن معركة عسكرية يستهدفون فيها تحرير منطقة لا ينتمي إليها أكثر مقاتليهم (ريف حلب الجنوبي)، فجنّبهم ذلك حساسيّةً -كالموجودة في مدينة حلب- تنشأ بشكل طبيعي عند تحرير أي منطقة يشترك فيها أبناؤها وأبناء مناطق أخرى.
كما كان لكتائب المدينة دافع آخر للتحرك باتجاه معارك الريف، فالمعارك داخل المدينة التي لا تقل ضراوتها عن معارك الريف، بل تزيد عليها بالاستنزاف على صعيد الأعداد والإصابات، كانت تفتقد للغنائم من السلاح الثقيل الذي يندر استخدامه من قِبلِ قوات النظام في المدينة، وهو السلاح الذي كان يعني امتلاكه تحول الفصيل من تشكيل صغير إلى كبير، تسعى إليه بطبيعة الحال معظم الفصائل العسكرية.
(مشاهد من معركة رص الصفوف في ريف حلب الجنوبي – تموز 2013)
تمكن الثوار في معركة رص الصفوف من تحرير مساحات واسعة من ريف حلب الجنوبي شملت 13 قرية هي: (القبتين ـ حقلة ـ أم عامود الصغرى ـ أم عامود الكبرى ـ الجنيد ـ البوز ـ رسم النفل ـ حجارة صغيرة ـ حجارة الكبيرة ـ الرشادية ـ القرباطية ـ عبيدة)، متمكنين من الوصول إلى مدينة "خناصر" الاستراتيجية أواخر آب عام 2013 وتحريرها، قاطعين بذلك طريق إمداد النظام إلى حلب.
يتبع..