منذ تبلور ثورة السوريين في آذار 2011، تبلورت معها خطط التآمر بأشكال مختلفة، أفضت إلى شن حرب الإبادة الجماعية على الشعب السوري، مارس فيها نظام الأسد وحلفاؤه معظم الأشكال والوسائل الجرمية، وتسلح بعصابات محلية ومستوردة من خارج الحدود، استند فيهما إلى نفاق دولي وعربي فاضح، كان التحدي الأبرز للسوريين في مواجهة النظام وحلفائه وقاعدته الدولية المبنية على قوى الاحتلال المختلفة على الأرض السورية، من أبرز التحديات التي واجهها السوريون منذ استقلال سوريا العام 1946.
ربما لا نبالغ إذا قلنا إن معظم المفاهيم والمصطلحات المرتبطة بالحرية والكرامة والمواطنة، قد تطورت لحدود نسفها من ذهنية الإنسان العربي التي كانت محصورة في أدبيات وشعارات النظام السوري والنظام العربي الذي وجد "رعب" الانتقال من دائرة الشعار للتمرد عليه وممارسته، خطراً يزعزع أنظمة قريبة وبعيدة عن جغرافية السوريين.
على الرغم من إخفاق السوريين في إسقاط الأسد، ووقف همجيته المستمرة منذ عشرة أعوام، فإن تضحياتهم ستتبلور عاجلاً أم آجلاً، هذا منطق التاريخ والأشياء، خواتيمها حطمت الأبدية وصورة "القائد الآلهة"، وما امتزاج الشعور بالخيبة والإذلال، ومرارة التهجير والتشريد والقمع التي رافقت الثورة السورية، إلا دليل على حتمية تجددها والنهوض من كبوتها، ولتعاظم الأسباب وتراكمها عما كانت عليه قبل العام 2011، مع سقوط طغيان الشعار السياسي المنحدر على ترهيب المجتمع والعمل الكلي لتغييب ما هو متعلق بالكرامة والمواطنة والحرية، أصبحت عوامل النهوض أكبر بكثير مما يتوهم البعض، المتلمس خجل وإرباك قوى ونخب قطعت الربط بين ما كان عليه السوريون وما باتوا إليه وما نتج بالأصل من سلوك الطاغية من أثر على الجغرافيا والديمغرافيا والاقتصاد والسياسة والسيادة المتعلقة بسوريا، آثار تدل على تعاظم الحاجة الماسة للسوريين للتحرر من نظام العصابة وفكرها وسلوكها الإجرامي
في سوريا تفاصيل كثيرة، غني عن شرح كل منها، لكن، اليوم هناك محفزُ أعلى بملايين المرات لاندلاع ثورة شعبية عارمة مقارنة مع ما كان عليه الوضع قبل 2011، ولعل التجربة السورية في دروسها الضخمة الأثمان، تطرح في أكثر من تجربة، وعلى أكثر من صعيد بعد أعوام من النضال والتضحيات، فمن غادر الربط بين دروس ما قبل اندلاع الثورة وبعدها، سيفشل حتما في قراءة النتائج، وسيفشل في تكريس مفاهيم أنانية بالمعنى الوطني أو الحيز الجغرافي لأنها انتهت بطبيعة الحال لعقد صفقات تنحصر بوجود ووظيفة النظام القائم، هنا مكمن الخطر الداهم لنظام ذي أدوات تنفيذية متقدمة في خدمة قوى الاحتلال الروسي والإسرائيلي والإيراني، وصل لدرجة من العشوائية الوقحة بالتعبير عن ذاته، وهنا مكمن التفاؤل التاريخي الذي يلازم ويحتضن مسيرة الثورة السورية في ذكراها العاشرة.
نظام الأسد بسيطرته المدمرة على الجغرافية السورية، أصبح في بداية التقهقر والتراجع ، في حين أن الثورة السوريين خطت لها حيز تحقيق الانتصار
في الذكرى العاشرة للثورة السورية، يمكننا أن نجزم، وإن كان التحليل التاريخي لا يسمح بالجزم القاطع، أن نظام الأسد بسيطرته المدمرة على الجغرافية السورية، أصبح في بداية التقهقر والتراجع ، في حين أن الثورة السوريين خطت لها حيز تحقيق الانتصار، هذا لا يعني أن النظام وقوى الاحتلال الداعمة لبطشه لم تحقق بدورها بعض "الإنجازات" التي تبطئ وتعرقل سرعة التقهقر، وهذا لا يعني أن الثورة السورية ستكون بمنأى عن الانتكاسات المرحلية والطارئة، لكن ما تم حتى الآن هو أن التآكل الفكري والفلسفي والاقتصادي والسياسي والعسكري، بدأ ينهش جوهر النظام، بينما نضوج فكرة الحرية والمواطنة والكرامة آخذة بالتكامل، وهما ما يميزان صورة الشعب السوري وثورته.
أخيرا، يمكن التأكيد، أن الشعب السوري، صار من حيث مصيره، بمنأى عن خطر عودته لقمقم الرعب والخوف، في حين دخل نظام الأسد طور التشكيك بشرعيته، وهو الطور الذي تتم تغطيته آنياً بتلميع روسي وإيراني وإسرائيلي ودعوات عربية لعودته لحظيرة جامعة عربية فاقدة لأهليتها، دعوات من شأنها تكثيف الغشاوة على بصيرة من يدعي حرصه على الشعب السوري وسيادته، لكن كل ما سبق لن يمنع ربيع سوريا من إنتاج زهور حرية بذرها الشعب السوري في عمق أرضه وتاريخه المعاصر.