قضت المستشارة أنجيلا ميركل 16 عاما كمستشارة لألمانيا الاتحادية في أطول فترة يقضيها مستشار في منصبه منذ الحرب العالمية الثانية، والأهم أول مستشار يذهب باختياره وليس بعد هزيمة انتخابية، فقد قررت عام 2019 أنها لن تجدد ولاية جديدة إلى ما بعد عام 2021 بعد أن فازت في أربع ولايات انتخابية منذ عام 2005.
ما يمكن القول إن ثلاثة قرارات رئيسية سوف يذكرها التاريخ لميركل أو على الأقل على مستوى العالم الخارجي، أما قراراتها الاقتصادية الداخلية والتي حولت ألمانيا لأكبر قوة اقتصادية في أوروبا وقربت علاقاتها التاريخية مع باريس جعل منها رمزاً ألمانيا داخليا أيضا، لكن قراراتها الثلاثة المهمة، كان الأول عام 2008 بعد الأزمة المالية العالمية وإنقاذ الاتحاد الأوروبي مالياً عبر مساعدة اليونان وعدم التفريط بعقد الاتحاد أو اليورو عملته الرئيسية كما فعلت بريطانيا فيما بعد بالبريكست وغيرها، فقد آمنت ميركل بقوة الاتحاد الأوروبي وطورت هوية المواطن الألماني كي يصبح مواطنا أوروبيا بالدرجة الأولى كهوية مشتركة مع كونه ألمانياً.
فقد آمنت ميركل بقوة الاتحاد الأوروبي وطورت هوية المواطن الألماني كي يصبح مواطنا أوروبيا بالدرجة الأولى كهوية مشتركة مع كونه ألمانياً
أما القرار الثاني فكان عام 2014 أو 2015 مع استضافة ألمانيا لما يفوق عن مليون لاجئ كان منهم أكثر من 750 ألف سوري وقد دافعت عن هذا القرار بقوة وإيمان قوي بصحة ما فعلته، وما يثبت نجاح هذا القرار هو انخفاض التأييد للحزب اليميني "ألمانيا البديل" مقابل صعود الأحزاب اليسارية والاشتراكية حيث حصل حزب الاشتراكي الديمقراطي على أعلى الأصوات يليه حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي ثم حزب الخضر فالحزب الليبرالي الديمقراطي.
لم تكن قضية اللجوء جزءا من النقاش الانتخابي حيث نجحت ألمانيا خلال ست سنوات في إدماج اللاجئين وعلى رأسهم السوريون حيث وصل أربعة من أصول سورية إلى البوندستاغ اثنان منهما من النساء، والأهم أن "ماما" ميركل كما وصفها اللاجئون السوريون دافعت عنهم وعن قرارها باستضافتهم بجرأة كبيرة ودون خشية من حدة الهجمات التي واجهتها من المعارضة اليمينية ومن داخل حزبها أيضا الذي فرض سياسة الأبواب المفتوحة.
لم تكن قضية اللجوء جزءا من النقاش الانتخابي حيث نجحت ألمانيا خلال ست سنوات في إدماج اللاجئين وعلى رأسهم السوريون حيث وصل أربعة من أصول سورية إلى البوندستاغ اثنان منهما من النساء
أما القرار الثالث والذي ميز دورها، هو سياستها في التعامل مع جائحة كورونا، والإيمان بفكرة المساواة العالمية بتقديم اللقاح وعدم احتكاره على الدول الغنية وهو ما جعل ألمانيا من الدول المتقدمة في تقديم ملايين الجرعات المجانية للدول الفقيرة.
هذه القرارات الثلاثة ميزت ميركل وسيذكرها الألمان والعالم والسوريون بشكل خاص بسبب قراراتها في استضافة مئات الألوف من السوريين الذين شردهم الأسد ودمر منازلهم وقتلهم تحت التعذيب، ربما من قراءة قرارات ميركل نجد الفارق بين قيادة ميركل في ألمانيا وقرارات الأسد في سوريا، ربما تكون المقارنة مجحفة بحق ميركل أن يتم مقارنتها بالأسد، لكن ما أود التركيز عليه هو القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة والتي يبرهن المستقبل صحتها ومن خلالها يسجلها التاريخ وتحفظ بالذكرى، مقابل قرار الأسد في إدخال سوريا في حرب دمرت الوطن والوطنية بين السوريين وحولت السوريين لاجئين ونازحين ومشردين.
هذا هو الفرق الحقيقي في إدارة دفة الدولة وحماية مصالحها ومصالح أبنائها بدل تدمير الوطن على أبنائه، ربما المسافة شاسعة بين الأرض والسماء بين ميركل والأسد، لكنه درس لكل الذين ما زالوا يؤيدون الأسد أن قرارات الأسد أين أخذت سوريا وأين هي الآن، وبين قرارات ميركل وأين أخذت وأوصلت ألمانيا اليوم وكيف ستكون في المستقبل.
سيأتي يوم عسى أن يكون قريباً تستحق سوريا قائداً يؤمن بها وبأبنائها وستمنحه العملية الديمقراطية القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة بحق سوريا وبحق شعبها العظيم الذي دفع أثمانا يفوق تحملها في هذا العالم اليوم.