يستدعي القتال الذي دار الأسبوع الماضي بين محافظتي السويداء ودرعا مزيدا من التأمل في تداعيات الوضع السوري التي لا تتوقف عند حد. وهناك أكثر من مسألة تستحق التوقف أمامها، ولكن يمكن الاكتفاء باثنتين. الأولى هي التعبئة العالية من أجل القتال بين المحافظتين في نزاع على مساحة من الأرض تعود لبلدة القريا التابعة لمحافظة السويداء. وهذه الجولة من القتال ليست الأولى، ولكنها اتسمت بالضراوة، وسقط من جرائها عدد كبير من القتلى والجرحى بين الطرفين، كان العدد الأكبر من طرف رجال الكرامة الذين برزوا خلال الحراك الشعبي في حماية المحافظة من مخططات النظام، وحيدوها عن المشاركة في حروبه ضد الشعب السوري في المحافظات الأخرى، وذلك من خلال رعاية حملة رافضي التجنيد في قوات الأسد، وعاقبهم النظام باغتيال قائدهم الشيخ وحيد البلعوس. والمسألة الثانية هي أن طرفي القتال لهما مرجعية سياسية وراعي واحد هو روسيا. فمن جانب السويداء، إن من قام بتحريك الموقف وإعلان الحرب هي ميليشيات الدفاع الوطني التابعة للأجهزة السورية، ومن جهة درعا كان الطرف الذي شارك في القتال هو الفيلق الخامس التابع للروس ويقوده أحمد العودة. وهذا يعني أن القتال كان يمكن تلافيه لو أراد الروس، ولكن يبدو أن هناك مصلحة في ترسيم الحدود بالدم بين السويداء ودرعا.
وما حصل بين درعا والسويداء ينسحب على كامل سوريا التي باتت مقسمة إلى مناطق نفوذ تتوزعها أطراف دولية، تحل روسيا في مقدمتها، حيث تسيطر على قرابة 60 في المئة من الجغرافيا السورية، وتأتي بعدها الولايات المتحدة الموجودة في شرق الفرات، وتركيا في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام وإدلب، وإيران الموجودة بقوة على مساحات واسعة ويتداخل وجودها مع السيطرة الروسية في درعا ودمشق وحلب ودير الزور، وتؤكد شهادات من السويداء ودرعا أنها متورطة في كل تفاصيل الموقف، ويلعب حزب الله دورا أساسيا، ومن بين أهدافه إفشال مخطط إبعاد إيران من المنطقة وفق تفاهمات روسية إسرائيلية.
لم تعد سوريا موزعة بين مناطق نفوذ ومشاريع دولية، وإنما هناك توجه لدى عدة أطراف إلى تفتيت المقسم، وتعميق الخلافات الثانوية بين المكونات بما يخدم مصالح الأطراف الدولية المتنافسة.
ولم تعد سوريا موزعة بين مناطق نفوذ ومشاريع دولية، وإنما هناك توجه لدى عدة أطراف إلى تفتيت المقسم، وتعميق الخلافات الثانوية بين المكونات بما يخدم مصالح الأطراف الدولية المتنافسة، وتحويلها إلى خلافات أساسية وحروب، وهذا نلحظه في المحافظات كافة. في منطقة شرق الفرات نجد أن هناك مصلحة أميركية روسية في تعميق الخلافات العربية الكردية حتى تتطور إلى حروب دائمة. ومن الواضح أنه ليس هناك مصلحة في حصول استقرار في هذه المنطقة لروسيا والولايات المتحدة، لأنه يعني تفاهما بين مكونات المنطقة، وهذا يعني انتفاء الحاجة للجيوش الأميركية والروسية، والتي تتزايد وتتوسع رقعة انتشارها رغم أن الهدف التي جاءت من أجله تم تحقيقه، وهو القضاء على داعش.
ويتحمل نظام الأسد المسؤولية عن تدمير السيادة، والذي أدى لوصول سوريا إلى ما هي عليه من تقسيم واحتلالات أجنبية، ولكن في الوقت ذاته هناك أطراف محلية تلعب لعبة الاحتلال وتشارك فيها بقوة حتى إنها تتحول إلى ذراع للاحتلال، وهذا ينطبق على قسد والفيلق الخامس. وتعمل قسد منذ تأسيسها على تقديم خدمات للولايات المتحدة على حساب المكون العربي الذي يشكل أغلبية مطلقة في منطقة شرق الفرات، وتحولت مع الوقت إلى أداة للوجود الأميركي، ولكنها تتشغل أيضا لحسابها ومصلحتها ومشروعها الخاص بتحويل المنطقة إلى إدارة ذاتية تسيطر عليها. والأمر ذاته يعمل عليه قائد الفيلق الخامس أحمد العودة الذي كان من أوائل قادة الجيش الحر الذين انخرطوا في المصالحات مع الروس في تموز 2018.
الاقتتال بين أهل درعا والسويداء درس بليغ، والتقط أهل السويداء الرسالة سريعا، ولذلك منعوا النظام من المشاركة في عملية الدفن، وتم طلاء صور الأسد بالأحمر كناية عن دوره في الفتنة. ويبقى على أهل درعا التحرك من أجل منع الفيلق الخامس من التورط في مشروع ضرب الوحدة الوطنية السورية.