مطلع العام 2014 انطلقت المواجهة المفصلية شمال وشرق سوريا بين فصائل الجيش الحر بشكل أساسي من جهة، وبين تنظيم الدولة "داعش" من جهة أخرى، حيث تمكنت تشكيلات الجيش الحر من حسم المواجهة سريعاً في حلب وريفها بعد تشكيل "جيش المجاهدين" وقيادته معركة تطهير مدينة حلب وريفها الغربي من التنظيم، وملاحقة فلوله إلى ريف حلب الشمالي التي قادت فيها تشكيلات لواء التوحيد بشكل أساسي المواجهة، فارضة على مجموعات التنظيم الانسحاب من معظم الريف الشمالي إلى الشرقي، كما كان لتحرك تشكيلات جبهة ثوار سوريا في إدلب وريفها دور فاعل في تطهير محافظة إدلب من التنظيم، بينما تمكن التنظيم من حسم معركة الرقة سريعاً لصالحه، مسيطراً على مدينتها ومعظم أريافها الشرقية والشمالية وضمنها معبر تل أبيض الحدودي مع تركيا، إضافة إلى أريافها الغربية وصولاً إلى ريف حلب الشرقي الذي تمكن فيه التنظيم من السيطرة على مسكنة ودير حافر ومنبج فضلاً عن مدينة الباب، كما بقيت مدينة إعزاز على الحدود السورية التركية شمال محافظة حلب والمتحكمة بمعبر باب السلامة الحدودي تحت سيطرة التنظيم، أما شرق سوريا فقد كان انتشار التنظيم أساساً في محافظة دير الزور محدوداً مقارنة مع وجوده شمال سوريا، حيث احتفظت جبهة النصرة في الشرقية بجل كوادرها، لذلك تمكنت فصائل الجيش الحر هناك برفقة أحرار الشام وجبهة النصرة من طرد التنظيم سريعاً من المنطقة.
ورغم الهزيمة التي تلقاها التنظيم شمال سوريا، إلا أنه تمكن سريعاً من استعادة زمام المبادرة بعد انسحابه من مدينة اعزاز شمال حلب في فبراير \ شباط عام 2014، متحاشياً مهاجمة المناطق التي طُرد منها، ومكتفياً بالرباط فقط على خط جبهة طويل يبدأ من الحدود التركية السورية شمالاً قرب بلدة الراعي، وينتهي قريباً من مدينة الباب شمال شرق حلب، واضعاً نصب عينيه احتلال محافظة دير الزور شرق سوريا بعد تمكنه من تجميع قواته وإعادة ترتيب صفوفه.
ملف داعش – دائرة جيش المجاهدين السياسية
كنت قد انضممت إلى الدائرة السياسية لجيش المجاهدين مع تأسيسها في فبراير \ شباط عام 2014، ومع رغبة الدائرة بنقل الجيش نحو حالة مؤسسية، قامت بتشكيل قسم دراسات مصغر ملحق بها يشرف على بعض الملفات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تهم الجيش، على أمل أن يتمكن هذا القسم من تطوير أداء الجيش وتمكينه من إحداث تغيير إيجابي في الملفات الحساسة المهمة ضمن الثورة السورية، وعلى رأسها ملف تنظيم الدولة.
اقرأ الجزء الثاني "داخل بيت جيش المجاهدين (2)"
تنفست حلب وريفها الصعداء بعد طرد التنظيم منها وإبعاد خطره عنها واستعادة الجيش الحر لمكانته فيها أما دير الزور شرق سوريا فقد كانت تعيش أسوأ أيامها منذ تحريك النظام قطعات جيشه لقمع المظاهرات فيها في أغسطس \ آب عام 2011، خاصة بعد احتدام المعارك بين فصائلها على اختلاف أطيافها من جهة وبين قوات تنظيم الدولة من جهة أخرى في بلدة مركدة شمالي المحافظة مطلع مارس \ آذار عام 2014، حيث باتت البلدة نقطة الفصل بين مناطق انتشار التنظيم شمالها وغربها، وبين المناطق المحررة جنوبها، في الوقت الذي كانت فيه جبهات التنظيم شمالي حلب قد تحولت إلى جبهات باردة تقريباً، وهو ما استفاد منه التنظيم في تركيز جهوده على معركة دير الزور.
كان من الصعب علي أن أشعر بالارتياح نفسه الذي يعيشه ثوار حلب.. ربما لأنني من أبناء دير الزور.. أو لأن عدداً من أبناء عمومتي وأصدقائي كانوا من جملة الثوار الذين يواجهون التنظيم شمال المحافظة.. أو لأني كنت أعرف أن التنظيم ما إن يفرغ من الشرق السوري حتى يعود إلى حلب مرة أخرى، لذلك كنت مصراً على أن تجديد المعارك ضد التنظيم واجب على ثوار الشمال، وواجب على جيش المجاهدين تحديداً الذي سبق له أن قاد معركة تطهير الشمال من التنظيم، وهو الرأي الذي تبنته الدائرة السياسية في الجيش بعد عدد من النقاشات ردد فيها بعضهم صيغة الخبر الرئيسي الذي كانت تروجه وسائل الإعلام المقربة من النظام وإيران وبعض وسائل الإعلام الثورية المتأثرة بها، بأن سبب الاشتباكات شرق سوريا هو الخلاف بين جبهة النصرة وتنظيم داعش على حصة كل منهما في حقول النفط! لكن هذا الرأي بقي شاذاً ضمن الدائرة السياسية، وحتى أصحاب هذا الرأي كانوا متفقين على أن الفرصة ذهبية لمهاجمة التنظيم وإنهائه كلياً في سوريا، وهو ما كانت القيادة العسكرية للجيش مترددة بشأنه، خشية أن يتحمل الجيش عبء المواجهة منفرداً بحسب ردود عدد من القادة العسكريين في اجتماع ضم الدائرة السياسية مع القيادة العامة.
فقد سبق للمؤازرات التي حركها الجيش أثناء ملاحقة فلول التنظيم إلى ريف حلب الشمالي أن تُركت منفردة في عدد من القرى دون مشاركة مجموعات من أبناء المنطقة، الأمر الذي دفع الجيش للانسحاب منها خشية "تورطه" في استلام نقاط رباط هي أكثر ما يستنزف التشكيلات العسكرية مالاً وذخائر وأعداداً.
انتهى الاجتماع آنذاك إلى أن الجيش مستعد لدخول المعركة شرط توفر تمويل لها ومشاركة رئيسية لفصائل أخرى فيها، لتبدأ الدائرة السياسية بإعداد دراسة كاملة للملف كنت المشرف عليها.
كان تذخير المعركة هو العائق الرئيسي أمامها، لكن وبفضل العلاقة الجيدة للدائرة مع وزارة الدفاع ضمن الحكومة المؤقتة، تم التواصل معها والتأكد من جاهزيتها لتأمين التمويل للمعركة، كما تم التواصل مع عدد من فصائل الجيش الحر في دير الزور للاطلاع الدائم على مجريات المعركة هناك.
ووُضع تصور أولي للمعركة المرتقبة بأن تنطلق من محورين أساسيين؛ الأول هو محور مواجهة وإشغال يحاول تحرير مدينة الباب أو سحب ثقل التنظيم للدفاع عنها على أقل تقدير، والثاني يتحرك بالتوازي مع الحدود السورية التركية من بلدة الراعي وصولاً إلى مدينة جرابلس على ضفاف نهر الفرات، ومنها نزولاً بمحاذاة الضفة اليمنى للنهر إلى مدينة منبج، اعتماداً على الحدود السياسية أو الطبيعية كداعم لعملية التقدم، بحيث تكون المنطقة المستهدفة هي كامل ريف حلب الشرقي، في استراتيجية مشابهة للاستراتيجية التي اتبعتها فصائل الجيش الحر والجيش التركي ضمن عملية درع الفرات التي استهدفت تحرير المنطقة نفسها من العدو نفسه.. لكن بعد أكثر من عامين ونصف.
أما أصعب مهام إعداد المعركة فكانت تأمين الأعداد الكافية لها، حيث قُدرت القوة المتحركة اللازمة بـ1500 مقاتل، فضلاً عن القوة المرابطة أمام التنظيم آنذاك، وهو ما يعني أن التشكيلات المشاركة في المعركة لا يجب أن تكون من أبناء ريف حلب الشمالي المستنزفين في خط الرباط الطويل بين ريفي حلب الشمالي والشرقي..
لنبدأ سلسلة من الزيارات إلى عدد من قادة تشكيلات الفصائل شمال سوريا لضمان مشاركتهم وتأمين الأعداد المطلوبة.