فجر السادس من فبراير/ شباط الجاري، كان الشمال السوري والجنوب التركي على موعد مع زلزال مدمر بقوة 7.7 درجات بمقياس ريختر استمر 65 ثانية، أعقبه زلزال آخر بقوة 7.6 درجات استمر 45 ثانية، ثم تبعه بعد عدة أيام زلزال آخر بقوة 6.4 ، في حين أعلنت إدارة الكوارث والطوارئ التركية "آفاد" لاحقا، تسجيل 8 آلاف و550 هزة ارتدادية.
بعض علماء الجيولوجيا قدر قوة الزلزالين الأوليين وحدَهما، بما يعادل 11 درجة على مقياس ريختر، مما خلا نظيره في تاريخ البشرية جمعاء، هذا بالإضافة للهزات الأرضية الارتدادية، التي كانت كافية لإحداث دمار هائل، أدى إلى انهيار عدد كبير من المنازل فوق ساكنيها، وتسبب في مقتل ما قد يصل إلى 45 ألف شخص في تركيا، وما يقارب العشرة آلاف في سوريا، إلى جانب عشرات الآلاف من الجرحى والمصابين والمشردين، الذين تركهم الزلزال فوق ركام المباني وفي الطرقات بعد فقدان الأهل والمسكن.
بالرغم من كون الزلازل كوارث طبيعية يستحيل التنبؤ بها مسبقا، وهذا ما يجعل أضرارها المادية وخسائرها البشرية فادحة مؤلمة، فإن ذلك لم يمنع من احتدام النقاش حولها، في ساحات مختلفة ومجالات عديدة، منها ما هو على صعيد المسببات إذ يعتبرها بعضهم نوعا من العقوبة الإلهية بسبب انحراف الناس وبعدهم عن تعاليم الدين، ومن يعدها وسيلة لتكفير الذنوب ورفع الدرجات، وغالبا ما يتداخل التفسيران العلمي والديني لهذا الحدث الجيولوجي المدمر. لكن الجميع متفقون على أن ضحايا الزلازل شهداء، نالوا مرتبة الشهادة، التي لها مكانة عظيمة في الدين الإسلامي.
دبلوماسية الكوارث الطبيعية
لا شك بأن المساعدات والتعاطف الدولي مع متضرري الزلازل غالبا ما تسهم في تقليل حدة التوترات السياسية، وأن رسائل الدعم والتعاطف من مختلف أرجاء العالم، تخلق إحساساً بالتضامن في أوقات الأزمات، ولهذا يسود بعض الهدوء في العلاقات الإقليمية المتوترة في أعقاب وأثناء عملية التعافي.
لقد نجحت الدبلوماسية التركية تأمين حشد دولي ضم 90 دولة، منها دول حليفة، ومنها دول تشهد علاقتها معها توترات ونزاعات. مع ذلك جاءت تلك الدول للتضامن والمساعدة الإنسانية، 40 دولة منها من أرسلت فرق إنقاذ مدربة، كما فعل العديد من الدول العربية واليونان والولايات المتحدة وإسرائيل، بالرغم من أن تركيا لديها خبرة في الزلازل الشديدة، وآليات متطورة للاستجابة لحالات الطوارئ.
لقد كان بإمكان السوريين الاستفادة من التعاطف الدولي الذي رافق كارثة الزلزال، سياسيا وإنسانيا. لكن غياب مؤسسات المعارضة السورية، الائتلاف والحكومة المؤقتة، وحتى المجالس المحلية التي لم تتلق أية تعليمات أو توجيهات للتحرك، فوّت على السوريين إعادة قضيتهم إلى دائرة الاهتمام الدولي، وحرم متضرري الزلزال السوريين من الاستفادة من التعاطف الدولي.
مرة أخرى تطفو على السطح ضرورة إيجاد بديل وطني مقبول شعبيا، يحظى بقدر من استقلالية القرار، يتولى زمام المبادرة، ويكون على مستوى المسؤولية. حيث تستطيع القيادات الحكيمة استغلال الكوارث الطبيعية كالزلزال وغيره سياسيا، باستخدامه كأحد الوسائل الدبلوماسية الفعالة، من أجل تفعيل العلاقات مع الأصدقاء والحلفاء، ومد الجسور لبناء علاقات جديدة، والعمل على فتح قنوات تواصل مع الدول والمنظمات الإقليمية والدولية، بواسطة تحرك نشط، يقود ما يمكن تسميته بدبلوماسية الكوارث الطبيعية، على غرار دبلوماسية الرياضة، وغيرها من الدبلوماسيات الظرفية.
رأينا الملك البريطاني تشارلز يزور خيمة العزاء التي نظمها سوريون في لندن. كان من الواجب استثمار هذا الحدث سياسيا، وتنظيم مثيلاتها في شتى البلدان، وحشد الأصدقاء والمؤيدين لحقوق الشعب السوري في الحرية والكرامة.
تقاعس الأمم المتحدة عن نجدة السوريين
بحسب إحصائية لعدد شاحنات المساعدات التي دخلت الشمال السوري بعد الزلزال في الفترة بين 10و22 شباط/فبراير، فقد عبرت 1143 شاحنة، تم تصنيفها كما يأتي:
* 177 شاحنة من منظمات محلية ودولية عاملة في الشمال السوري
* 158 شاحنة من عشائر المنطقة الشرقية في سوريا
* 143 شاحنة منظمة IHH التركية
* 108 شاحنات من جهات مختلفة
* 69 شاحنة من جمعية بارزاني الخيرية - كردستان العراق
* 46 شاحنة + 6 بيك آب من السوريين في المهجر
* 37 شاحنة مساعدات من الأمم المتحدة
* 34 شاحنة من السعودية
* 33 شاحنة من قطر + فريق طبي
* 24 شاحنة من وقف الديانة التركي
* 9 شاحنات من تل أبيض
* 5 شاحنات من منظمة آفاد
* 4 شاحنات من أهالي بلدة السخنة
* شاحنة من المجلس المحلي في مدينة اعزاز
* شاحنة من المجلس التركماني السوري
* 294 شاحنة مساعدات أممية دخلت من معبر باب الهوى
وبينما كانت حالة التضامن مع تركيا البلد القوي المستقر في ذروتها، شهدنا حالة من الإعراض وعدم المبالاة بنداءات الاستغاثة التي أطلقها السوريون من تحت الأنقاض. حتى إن مساعدات الأمم المتحدة المقررة مسبقا قبل الزلزال، لم تصل إلا بعد أيام، وبقدر لا يسدّ الرمق، ولا يتناسب مع حجم الكارثة.
ومع وجود ملايين الأشخاص الذين أخرجهم نظام الأسد من بيوتهم ومدنهم، وهجرهم قسرا إلى الشمال السوري، وبسبب الدمار الهائل الذي خلفته البراميل المتفجرة التي صبها نظام الأسد فوق رؤوس السوريين، والانهيار الاقتصادي الذي أحدثته الحرب، فقد أصبح من المستحيل بالنسبة لكثير من السوريين الحصول على وجبة غذاء كافية، خصوصا مع أزمة الوقود وبرد الشتاء القارس.
كما تسببت البنية التحتية المدمرة في إصابة الآلاف بالكوليرا في الأشهر الأخيرة، وأدى الخراب الذي لحق بالمستشفيات إلى عدم تمكن عديد من الناس الحصول على رعاية صحية، ثم جاء الزلزال ليقتل الآلاف ويسوي أحياء بكاملها بالأرض في وقت واحد.
هل تحرك ارتدادات الزلزال مياه الأزمة السورية الراكدة؟
يعتقد بعض المراقبين أن كارثة الزلزال وتداعياته المحتملة، يمكن أن تكون نقطة تحول تاريخي في مسار الأزمة السورية، حال توفر إرادة سياسية إقليمية ودولية. لكن الحديث عن وجودها حاليا ضرب من الخيال، حيث كل من الغرب وأميركا منهمكان في صراع تكسير العظام في أوكرانيا.
من جهته، يحاول نظام الأسد استغلال ظروف الزلزال للبحث عن شرعيته المفقودة، تارة من خلال استغلال المساعدات الإنسانية التي تقدمها المؤسسات الأممية، وتارة بما تتيحه إيران وحلفاؤها من فرص، منها زيارة سلطنة عمان، التي تخالف المتعارف عليه في مثل هذه الظروف. حيث يقطع الرؤساء زياراتهم الخارجية ويعودون إلى بلدانهم للإشراف المباشر على سير عمليات الإنقاذ. لكن بشار الأسد فعل العكس، عندما ترك السوريين تحت الأنقاض، وسافر إلى مسقط بحثا عن شرعية منقوصة مفقودة.