على غرار "قيصر" السوري وصوره الشهيرة عن معتقلات الأسد ومسالخه البشرية، وصل المعارض الروسي "سيرجي سافيلين" منذ أيام إلى فرنسا طالباً حق اللجوء، وبحوزته ألف فيديو استطاع تصويرها في أثناء فترة اعتقاله وإخراجها معه ليعرضها على الرأي العام العالمي، كاشفاً من خلالها وحشية بوتين ومخابراته وسجانيه وأتباعه..
إلى حدود التطابق..
اللافت في قضية سيرجي أمران يحيلاننا مباشرة إلى الحالة السورية، الأول هو مدى التطابق في تقنيات وأساليب التعذيب ومعاملة السجناء داخل السجون الروسية مع سجون الأسد ومعتقلاته، حيث ضمت الفيديوهات مشاهد مروعة ليس فقط لأساليب التعذيب وحدها بل أيضاً لحالات الاغتصاب الوحشية التي تمارس ضد المعتقلين، والثاني، يتجسد في الطريقة التي هرب بها سيرجي ومعه الوثائق (الفيديوهات)، ربما يكمن الاختلاف هنا بأن سيرجي كشف مباشرة عن اسمه الصريح وأجرى مقابلات تلفزيونية مع المحطات التلفزيونية الأوروبية، تحدث فيها عن الظروف القاسية في سجون بوتين، كما أنه حمل معه فيديوهات وليس فقط صوراً فوتوغرافية.
التلفزيون الهولندي عرض بالأمس (22-10-2021) تقريراً عن المعارض الروسي وفيديوهاته في برنامجه السياسي اليومي "نيوزأوور" ووصف المشاهد بأنها مروعة وقاسية جداً، الأمر الذي اضطره لتغطية أجزاء من تلك الفيديوهات ذات المستوى العالي في التوحش..
طغاة وضحايا..
إنها مدرسة واحدة إذن في الطغيان أنتجت ردود فعل واحدة عند الضحايا الذين لا يجدون طريقاً سوى حمل تلك الوثائق إلى العالم المتحضر مراهنين على أن وثائقهم لا تقبل التشكيك، وعلى أن المجتمع الدولي لا يمكن أن يسكت عن تلك الجرائم بحق الإنسانية، ولكن كما خاب أمل السوريين بهذا المجتمع الدولي من قبل، لن يجد المعارضون الروس من المجتمع الدولي سوى تعاطف إعلامي ومن ثم يؤول كل شيء إلى الصمت من جديد.
جوائز ترضية..
ربما يبادر الاتحاد الأوروبي ببعض الأفعال الرمزية التي تثبت عجزه عن إيقاف الإجرام أكثر من قدرته على كبحها فيما لو سلمنا أن لديه رغبة حقيقية في الوقوف مع القضايا الإنسانية، كل ما فعله الاتحاد الأوروبي حتى الآن في قضية المعارض الروسي "ألكسي نافالني" -على سبيل المثال- هو منحه جائزة سخاروف منذ يومين، لقد أثبتت كل الأدلة أن بوتين شخصياً كان يلاحق نافالني ويسعى للقضاء عليه في العلن، وقد ثبت بالدليل أن محاولة اغتياله عن طريق وضع السم له في الطعام كانت من تخطيط وتنفيذ المخابرات الروسية، وبعد علاجه في ألمانيا عاد نافالني إلى روسيا بشجاعة فائقة، فما كان من سلطات بوتين إلا أن اعتقلته على الفور وزجت به في معتقلاتها على مرأى من العالم كله.
أوروبا المتهالكة..
هنا نجد أنفسنا وجهاً لوجه أمام واقع تهالك الاتحاد الأوروبي وضعفه وعجزه، فلولا ذلك لما اكتفى بمجرد الإدانة والتصريحات الإعلامية، لأن قضية مثل قضية نافالني كفيلة بتدخل كبير ربما يصل إلى التدخل العسكري في سبيل الدفاع مبادئ حقوق الإنسان والحرية والعدالة، وكذلك الأمر مع الفيديوهات الأخيرة التي اصطحبها سيرجي والتي لا يمكن السكوت عنها فيما لو كانت أوروبا متسقة مع أفكارها وتمتلك القوة اللازمة لترجمتها على الأرض.
بوتين يهدد أوروبا..
ثمة مشكلات كبيرة عالقة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا (بوتين)، أهمها التأثير الذي يحاول بوتين أن يمارسه على أحزاب اليمين الأوروبية في محاولة لإحداث شرخ في جسد الاتحاد وتحفيز بعض الدول للخروج منه، وآخر تلك المحاولات كانت علاقة بوتين بالحكومة البولونية حيث اتهم ممثلو الاتحاد الأوروبي روسيا بذلك صراحة وكان واضحاً من خلال تصرفات الحكومة البولونية في أزمتها الأخيرة مع الاتحاد الأوروبي أنها تفتعل تلك الأزمة افتعالاً لتغيير انتمائها والتوجه إلى موسكو بدعم واضح من الأخيرة.
النقطة الأخرى هي ملف الطائرة الماليزية التي أسقطها بوتين فوق أوكرانيا وراح ضحيتها ما يقارب مئتي مسافر هولندي، ورغم كل الإثباتات التي توصلت إليها هولندا إلا أن بوتين لا يزال ينكر ويتهم أوكرانيا بأنها من قام بإسقاط الطائرة، وبالطبع فإن مقتل نحو مئتي مسافر من الهولنديين ليس أمراً يمكن السكوت عليه، ولكننا سنقف هنا مرة أخرى في مواجهة الترهل والضعف الأوروبي أمام روسيا، وخاصة أن أوروبا فقدت ثقتها تماماً بالولايات المتحدة الأميركية ولم يعد حلف الناتو معنياً بالدفاع عنها، أو هكذا تفهم أوروبا على الأقل، مما يضع الأخيرة أمام تهديدات بوتين المباشرة..
ابتزاز وقح..
النقطة الأخطر هي ابتزاز بوتين لأوروبا من خلال تخفيضه لكمية الغاز التي يستوردها الاتحاد الأوروبي من روسيا مما يهدد بأزمة طاحنة تبدت معالمها في ارتفاع أسعار الغاز حتى الآن إلى ما يقارب الخمسين بالمئة وهذا الارتفاع ما يزال مرشحاً للزيادة.
تبدو أوروبا التي لاتزال تحمل شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان عاجزة عن مواجهة روسيا فيما يتعلق بمشكلاتها الكبرى معها، فما الذي ستفعله لدعم معارضي بوتين أو للحد من طغيانه وتسلطه وعنفه، من هنا نستطيع أن نفسر سكوت أوروبا في الفترة الأخيرة عما يحدث في سوريا بل وطي الملف السوري باعتباره دافعاً للمواجهة مع الروس، ومن هنا أيضاً نستطيع أن نعرف لماذا بث الإعلام الأوروبي خبر تفجير باص في دمشق وأغفل خبر قصف أطفال أريحا رغم أن الخبر الثاني أهم وأثقل على المستوى السياسي والإعلامي.