ليس تفصيلا صغيرا أن يظهر علي دوبا رئيس الاستخبارات العسكرية السابق لمدة تتجاوز العشرين عاما وهو على كرسيه المقعد من أجل التصويت لبشار الأسد في هذه الانتخابات المهزلة الشهر الماضي، كما أنه ليس تفصيلا أيضا أن يظهر رفعت الأسد من باريس وهو في عامه الثمانين من أجل التصويت لبشار الأسد أيضا، ربما هذان الحدثان يفسران ما كتبت عنه الأسبوع الماضي عن "العصبية" العلوية.
شرحت المفهوم من زاوية تحليل ابن خلدون لمفهوم العصبية وهو يفسر برأيي صمود الأسد على الاستمرار على مدى خمسين عاما والأهم صموده اليوم على مدى عشر سنوات من الثورة بالرغم من كل ما حصل.
ذكرت أن تطبيق مفهوم "العصبية العلوية" في ضوء النظرية الاجتماعية للصراع أو النزاع، فنظرية PSC كما تسمى اختصاراً تركز على دور الهوية المجتمعية في داخل الدولة، وهي التي تجعل الحروب الطائفية "عميقة الجذور" و"مستعصية على الحل" و"طويلة الأمد".
فصورة كل من علي دوبا ورفعت الأسد وهما يصوتان بغباء لبشار الأسد الذي لا يحتاج لصوتيهما وإنما هي رسالة بشكل أو بآخر على التضامن "العلوي" هاتان الصورتان تظهران درجة تضامن العلويين مع النظام الذي هو عامل حاسم في تفسير صمود الأسد، فالعصبية العلوية في النهاية هي التي حققت شرط تماسك النظام ومنعت تفككه بالرغم من الأزمات الشديدة التي لحقت به، وضمان الولاء داخل هذه الطائفة للأسد بالرغم مما مر به يفسر كيف حافظ الجيش والأمن على اليد الطولى في الحرب رغم كل الانشقاقات الأفقية التي جرت داخل هذين القطاعين.
في دراسة حديثة قام بها موقع زمان الوصل لكل وحدات الجيش السوري مع فروع الأمن المختلفة أظهرت التكوين الحالي لسلسلة القيادة العسكرية داخل نظام الأسد الحالي. فقد بلغ مجموع المناصب القيادية التي تم إحصاؤها في هذه الدراسة ضمن تسع مجموعات، 152 منصباً تتوزع حصص المكونات الطائفية فيها على الشكل التالي:
الطائفة العلوية 124 منصباً بنسبة 82 %، الطائفة السنية 22 منصباً بنسبة 14% ،الطائفة الدرزية 3 مناصب بنسبة 2% ، أما الطائفة المسيحية 3 مناصب بنسبة 2%.
يريد كل من رفعت الأسد وعلي دوبا القول للشعب السوري إن "العصبية" ما زالت قائمة وتعمل بعد أن ثبتت نجاعتها
طبعا هذه الدراسة تتسق تماما مع دراسات سابقة قام بها نيكولاس فاندام في كتابه عن الطائفية في سوريا في عام 1990 ثم حنا بطاطو في كتابه الشهير الذي ترجمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى العربية بعنوان "فلاحو سورية" وبالتالي حافظ النظام السوري على بنيته الطائفية الكاملة القائمة على "العصبية العلوية" في تطوير مواز تماما لإضعاف وربما تفكيك مؤسسات الدولة الحديثة من مثل الأحزاب أو البرلمان أو المؤسسات القضائية، كل هذه الهياكل لم يعد لها قيمة وهي بكل الأحوال لا تقوم بأي من مهامها المنوطة بها، هي غلاف خارجي لا قيمة له يقوم على "إظهار" البعد المؤسسي للدولة السورية كدولة حديثة لكن بنيتها الحقيقية وقوتها تقوم على فكرة الولاء لهذه "العصبية" العلوية، في الحقيقة تمكنت هذه العصبية من الصمود خلال أزمة الثمانينات وها هي اليوم تصمد أمام عاصفة أقوى وأكثر تشعبا وتمددا مثل الثورة السورية، صحيح أن العصبية العلوية أصبحت في وجه لوجه اليوم أمام الشعب السوري وأمام العالم كما لم تكن خلال الثمانينيات لكنها بالوقت نفسه أصبحت أكثر قوة وتماسكا، لماذا؟
لأنها أظهرت فعاليتها في الصمود وأظهرت نتائجها في البقاء في السلطة بالرغم من كل ما حصل، ويأتي تصويت كل من رفعت الأسد وعلي دوبا للمصادقة على نجاح هذه "العصبية" التي شكك فيها بعض من رجالاتها من مثل علي حيدر ووزير الإعلام السابق محمد سلمان ووزير الدفاع السابق علي حبيب مع بداية الثورة السورية، يريد كل من رفعت الأسد وعلي دوبا القول للشعب السوري إن "العصبية" ما زالت قائمة وتعمل بعد أن ثبتت نجاعتها.
ربما يضيق الوقت الآن الدخول في تحليل هذه "العصبية" العلوية وبنيتها، التدميرية بشكل مخيف والتي لا أعتقد أنه بإمكان السوريين إعادة إعمار سوريا من دون تفكيك هذه "العصبية" العلوية فهي لا وطنية بل إنها تعادي فكرة الوطنية أو الشراكة في الوطن، إنها تظهر استهتارا كاملا بأرواح السوريين وقيمتهم ما داموا ليسوا جزءا من هذه العصبية.
العصبية العلوية خطر حقيقي على سوريا والسوريين اليوم وفي المستقبل.