شكل استشهاد أبو عمر الزعيم بعد انطلاق المواجهات بين تنظيم "الدولة" وجيش المجاهدين، الذي كان قد أعلن عن تشكيله مطلع العام 2014 ضربة قاسية لتجمع "فاستقم كما أمرت"، أكبر تشكيلات جيش المجاهدين في مدينة حلب.
فحتى قبل استشهاده كانت مجموعات تجمع فاستقم في المدينة -رغم عدم قناعتها تماماً بقتال التنظيم- قد تمكنت من كسب عنصر المفاجأة ضد التنظيم الذي لم يكن يخطر له وهو يحرك أرتاله باتجاه ريف حلب الغربي أن فصائل الجيش الحر فيه وفي مدينة حلب ستعلن اندماجها، موسعة نطاق المعركة إلى مدينة حلب التي لم يكن التنظيم قد جهز قواته فيها لمواجهة شبيهة.
في أول يوم للمواجهة (3 يناير \ كانون الثاني عام 2014) كان تجمع فاستقم في المدينة فعلياً دون قادة ألويته الثلاثة (السلام – حلب الشهباء – حلب المدينة الإسلامي)، بينما كان رابع تشكيلات التجمع (كتائب أبو عمارة)، قد أعلن حياده في المواجهة ضد التنظيم رغم مشاركته في كل التحضيرات السابقة للمعركة على مدار النصف الثاني لعام 2013 ضمن صفوف التجمع.
وهو ما يجعل من المستبعد أن تكون "أبو عمارة" قد تجنبت المواجهة لأسباب عقدية كما أشيع عنها لاحقاً، خاصة بعد أن أصبحت مقربة من التنظيم لدرجة لعبها دور الوسيط بينه وبين فصائل الثوار في الشمال السوري.
حيث برر قادة كتائب أبو عمارة حيادهم آنذاك بانشغالهم بعملية تبادل الأسرى مع قوات نظام الأسد، والتي كانوا سيخرجون فيها "أبو العبد" مؤسس الكتائب.
اقرأ أيضاً مقالا سابقا للكاتب: "حرب حلب الباردة بين الثوار وداعش.. 2013"
في اليوم الثاني للمعركة وبعد تمكن مجموعات التجمع من أسر 70 عنصراً مبايعاً للتنظيم، فضلاً عن تطهير المنطقة بين جبهة حي صلاح الدين ضد قوات النظام وبين دوار جسر الحج خلال اليوم الأول، بدأ التنظيم في المدينة يستعيد تنظيمه محركاً مجموعاته لاستعادة المناطق التي تمدد عليها الجيش الحر، ومستفيدة من حياد كبرى تشكيلات المدينة (لواء التوحيد) في الحصول على مجال مناورة كبير لمجموعاته التي كانت تتحكم بمناطق اتصال الأحياء المحررة من المدينة بالريف المحرر، في الوقت الذي كان فيه التجمع - برفقة فرع الزنكي وحركة النور ومجموعات صغيرة انضمت للمعركة - يقاتل عملياً لتوسعة رقعة المنطقة المحاصر فيها في القسم الداخلي من المنطقة المحررة.
اضطرت هذه الظروف أن يدخل أحد قادة الألوية الثلاثة المدينة لإدارة المعركة، بعد الضغط الكبير الذي ترتب على قادتها من الصف الثاني، وحالة التخبط التي بدأت تتسرب إلى صفوف جيش المجاهدين في المدينة، حيث سبق لكل من "ملهم عكيدي" و"عمر سلخو" قائدي لوائي حلب الشهباء وحلب المدينة، الدخول من تركيا -التي أعلن فيها عن تشكيل جيش المجاهدين- تهريباً عبر الحدود السورية التركية في ريف حلب الشمالي، والتوجه لقضاء ليلة اليوم الأول للمعركة في مدرسة المشاة المحررة شمالي شرقي المدينة، بضيافة لواء التوحيد.
كان الطريق من الريف إلى منطقة سيطرة جيش المجاهدين في المدينة يعني لزاماً المرور على أحد حواجز التنظيم المنتشرة فيها وعلى مداخلها، لذلك اختار القائدان أن يدخل أحدهما فقط ويتخلف الآخر حتى لا يخسرهما التشكيل معاً في حال وقوعهما بأيدي التنظيم، واتفقا على دخول ملهم المكنى بـ "أبو صالح" بداية.
وحتى يتمكن من المرور عبر حواجز التنظيم تطوع "أبو خالد عزيزة" (القائد اللاحق للقوة المركزية لتجمع فاستقم والذي استشهد في معارك ريف حلب الشمالي ضد التنظيم أواسط أكتوبر عام 2015) بأن يقود سيارة كمدني مصطحباً والدته معه من المدينة، ومنطلقاً إلى الريف ليقلّ معه أبو صالح من مدرسة المشاة عبر حواجز التنظيم إلى مقر قيادة التجمع في القسم الغربي من الأحياء المحررة من حلب، لتنجح الخطة وينتهي أبو صالح على رأس قوات جيش المجاهدين في المدينة في ثاني أيام المعركة.
كان أول ما عمل عليه أبو صالح هو إقناع "أبو أحمد خطاب" القائد العسكري لكتائب أبو عمارة بأن يقوم بتغطية بعض نقاط الرباط في حي سيف الدولة ضد النظام، لتفريغ المجموعات المرابطة لقتال التنظيم، مع إصرار أبو عمارة على حالة الحياد، كما بدأ اجتماعات مع قادة المجموعات ضمن التجمع التي رفضت القتال -أكثرها ضمن صفوف لواء حلب المدينة الإسلامي- متمكناً من ترتيب خط الجبهة مع قوات النظام بداية بحشد كل المجموعات الرافضة للقتال أمامه، ومفرغاً القوة الكاملة المتقبلة للقتال ضمن صفوف التجمع في مواجهة التنظيم.
أعطى دخول أبو صالح المدينة دفعاً معنوياً لجيش المجاهدين فيها، وساهمت الخطوات التي اتخذها بتفعيل قوة ضاربة تمكنت من تطهير المنطقة وصولاً إلى دوار الصالحين من تنظيم "الدولة"، وانتهى بذلك اليوم الثاني للمعركة دون خسائر في الأرواح لأي من الطرفين.
في اليوم الثالث احتدمت المعارك في ريف حلب الغربي ضد التنظيم، وبدأت تتوارد أخبار الانتصارات فيها إلى المقاتلين في المدينة، مع أخبار دخول جبهة ثوار سوريا بقيادة جمال معروف في ريف إدلب إلى المواجهة، كما تمكن ثاني قادة التجمع "عمر سلخو" من دخول المدينة، معطياً دفعاً معنوياً إضافياً بدأت معه قوات جيش المجاهدين عملية تمشيط للأحياء باتجاه مقر قيادة التنظيم، حيث استشهد في هذا اليوم "أبو عمر الزعيم" نائب القائد العام للواء حلب الشهباء، وأحد أبرز القادة الميدانيين لتجمع فاستقم آنذاك.
اقرأ أيضاً مقال سابق للكاتب: "تحرير مدينة حلب من داعش – انطلاق المعركة"
شنت مجموعات جيش المجاهدين في المدينة -متأثرة باستشهاد الزعيم- هجوماً على التنظيم قرب دوار المرجة في رابع أيام المعركة متمكنة من السيطرة عليه، قبل أن يعود التنظيم بهجوم معاكس على الدوار متمكناً من السيطرة عليه وقتل "أبو عبد الله الناصر" أحد قادة مجموعات التجمع، وابن حي المرجة وقائد الهجوم عليه، ليصبح "دوار الصالحين" هو نقطة الفصل بينهما، وليبدأ التنظيم محاولته لتحييد مدينة حلب عن المواجهة من خلال طلب التفاوض مع قيادة جيش المجاهدين في المدينة، عبر كتائب أبو عمارة التي بدأت تستفيد من إعلانها الحياد بضم عدد جيد من المقاتلين والمجموعات التي كانت ترفض فكرة القتال بين "أبناء الصف الواحد".
كان الإرهاق قد بدأ بالتسلل إلى صفوف جيش المجاهدين مع استمرار المعركة، لذلك قررت قيادته القبول بالتفاوض شراءً للوقت، وحضر "أبو صالح" ممثلاً عن الجيش في الاجتماع بغاية وحيدة هي أن يتمكن من إطالته لدرجة كافية تعطي رفاقه الفرصة لترتيب صفوفهم، وذلك في خامس أيام المعركة.
دام الاجتماع 4 ساعات تقريباً أصر خلالها "أبو صالح" أن السبيل الوحيد لإيقاف المعركة في المدينة هو إيقاف التنظيم هجومه في الريف، وانتهى الاجتماع دون التوصل لاتفاق، لكن بعد أن أعاد جيش المجاهدين ضبط صفوفه وتشكيل خط رباط صلب أمام التنظيم، تمكن من صد هجوم عنيف للتنظيم في الكلاسة والصالحين، لتهدأ بعدها المعركة في المدينة آنياً.
كان لواء التوحيد ما يزال على الحياد حتى ذلك الحين رغم أن الجميع كان يعلم أن دخوله المعركة مسألة وقت لا أكثر، لتأتي حادثة إطلاق رصاص على سيارة للواء التوحيد قريباً من حاجز التنظيم عند مقر تنظيم "الدولة" في حي قاضي عسكر كشرارة بدايتها، وليدخل التوحيد بثقله وانتشاره الكبيرين المعركة ضد التنظيم في سادس أيامها، متمكناً من طرد التنظيم إلى تخوم مدينة حلب بعد أن سيطر اللواء برفقة تشكيلات جيش المجاهدين على المقر الأساسي للتنظيم في المدينة، بينما أخذ التجمع يومين للراحة قام بعدها بإرسال رتل عسكري ضخم بقيادة الشهيد "أبو إبراهيم كفربسين" لإكمال طرد التنظيم من تخوم المدينة برفقة لواء التوحيد.
لكن تلك قصة أخرى..